أردوغان الإرهاب

2020-08-04 05:08

         

في أي مقارنة يتضاءل رجب طيب أردوغان أمام أسامة بن لادن؛ والملا عمر؛ والظواهري؛ والبغدادي؛ وغيرهم من أباطرة الإرهاب. وفي أي مقارنة يظهر أردوغان صغيراً بما لا يقاس أمام زعماء النازية والفاشية؛ هتلر وموسوليني وحتى فرانكو، على الرغم من جرائم إبادة الأكراد، ونشر الإرهاب في إفريقيا والعالم العربي، وعلى الرغم من مئات الآلاف من المودعين في السجون والمطرودين من الوظائف.

في حالة رموز الإرهاب إنما زاد من شهرة أقران أردوغان طريقتهم في الحياة، وتنقلهم بين الجبال والصحارى والغابات. ومهما قيل عن إنهم يجعلون من الكهوف قصوراً وجنات لا تنقصها الحور العين ولا الأباريق ولا كأس من معين، فإن مرآهم في أذهان العامة، أنهم يدفعون ضريبة باهظة من التشرد والعذاب؛ من أجل ما يعتقدون أنه الدين. ولا يدرك غير القليل من الناس أن زعماء الارهاب يعملون عن علم ودراية في خدمة مشاريع استعمارية؛ هدفها تخريب الأوطان؛ وتدمير الأديان.

أردوغان من هذا الصنف وليس منه. هو مختلف فيما يقدم عليه من الأفعال، وما يرتكب من الجرائم؛ لكن مختلف في كونه مطلق الحرية لا يعاني مرارة الحرمان من الترحال؛ بل يتنقل بطائرة خاصة ويفرش له السجاد الأحمر، ثم إنه يلبس آخر صرخات الموضة، ويشرب أعتق النبيذ ثم يذهب إلى آيا صوفيا للصلاة، ويقرأ القران بلسان عربي.

ربما من هنا تستبين ضآلته أمام عتاولة الدكتاتورية، الذين كانوا من كبار البنائين في بلدانهم. لقد بنوا صروحاً عظيمة لم يقدر على مثلها أردوغان، فليس لديه الوقت، ولا الإمكانات، ولا سعة الخيال. ومع أنه يسعى لإحياء رميم إمبراطورية الحريم والغلمان، فإنه لم يجد في إرثها أمجاداً تعلي هامته.

وهكذا لم يجد أردوغان ما يهتدي إليه؛ ليرفع قامته؛ ويعلي من مقداره غير المعلم البارز للإمبراطورية البيزنطية في القسطنطينية القديمة (إسطنبول كما سماها العثمانيون).

ولقد أراد بإعادة تحويل الكنيسة القديمة إلى جامع؛ تعزيز رسائله المتوالية بالتوجه شرقاً وجنوباً؛ لبناء إمبراطورية إسلامية جديدة. وهو في هذا راهن على ما ظن أنه جهل يسيطر على العالم الإسلامي، وعلى العالم العربي بصفة خاصة، حتى يبعث الأمل أو الوهم في أن المسلمين، سيعودون سادة تحت زعامته على هذه الأرض.

والحقيقة الساطعة أن أردوغان يتجاهل أشياء لا تغيب عن البال، ولا تغرب عن العقل؛ منها أن الشعوب التي استهدف إبلاغها الرسالة لم تغادر ذاكرتها الويلات والمآسي التي عانتها من الاستعمار العثماني، وأنه لم يزل محفوراً في الذواكر الوطنية أن العثمانيين كانوا أشد غلظة وفظاظة من الإمبراطوريات الغربية التي جاءت على أنقاضهم. ولقد نتذكر أن أول ما فعله السلطان سليم الأول ساعة احتلاله مصر أنه جمع آلاف الصنائعيين والفنيين المصريين، وشحنهم إلى القسطنطينية؛ ليخنق مصر، ويمنعها من النهضة؛ كي تتنفس بالمقابل تركيا الاستعمارية.

ومنها أن تركيا في عهد أردوغان لم تزل تحتفظ بعلاقة استراتيجية مع «إسرائيل»، وترفع مستوى التعاون مع العدو الذي يغتصب القدس، ويصادر الأوقاف الإسلامية والمسيحية فيها.

وأخيراً فإن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يرتب لنتيجتين في غاية الخطورة:

الأولى أنه يمثل سابقة للاعتداء على دور العبادة والمقدسات الدينية في عصر يرتفع فيه شعار التعايش بين الأديان.

صحيح أن المتطرفين اليمينيين في الغرب المسيحي، قاموا بأعمال عنف ضد المسلمين ومساجدهم ورموزهم الدينية، وأن «الإخوان المسلمين» في مصر والعراق أحرقوا الكنائس وقتلوا المسيحيين وأخرجوهم من ديارهم؛ لكن هذه ممارسات لأفراد وأحزاب تنبذها الشعوب. وأما ما جرى مع آيا صوفيا؛ فهو تدبير أقدمت عليه الدولة، وهي بهذا تبرر لدول آخرى بأن تقوم بأعمال مقابلة. وهي بالوضوح تمنح «إسرائيل» رخصة في تنفيذ رغبة طالما سعت إليها، وهي هدم المسجد الأقصى؛ للتنقيب عن هيكل سليمان.

والنتيجة الثانية هي استفزاز الغرب المسيحي، وتوجيه دعوة مفتوحة إليه لحرب صليبية ضد الشرق الإسلامي، وعلى نحو خاص ضد العرب.

هل فعلها قاصداً أم غافلاً؟ أردوغان ليس غبياً.

 

*- حسن العديني

نقلا عن الخليج