الإشاعات في زمن الحروب والأوبئة !!ّ

2020-03-21 13:06

     

يعتبر هذا  العصر الذي نعيش فيه هو الأكثر تطورا في التاريخ الإنساني كله والأكثر ترويجا للشائعات المغرضة، وذلك بسبب انتشار التقنيات الحديثة ، وتعدد وسائل الاتصالات الرقمية وانتشار التقنية الحديثة ، التي جعلت من  العالم قرية كونية واحدة، فآلاف الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية تتولّى كل شيء بسرعة البرق وأكثر ويختلط  الغث بالسمين والصدق بالكذب  وتتشكل  الشائعات المغرضة، والحملات الإعلامية المحمومة والحروب النفسية الموجهة للشعوب والدول المستهدفة ، في صورة سوداء  من أبشع صور الإرهاب النفسي والتحطيم المعنوي للأفراد والشعوب الذي تدفعه أهدافه الخبيثة والمشينة وأغراضه المشبوهة ضد عقيدة الأمة ومُثلها وثوابتها وقيمها وتديره أجهزة الدول الكبرى التي تدخل أساسا في حروب الكبار وصراع النفوذ على العالم من خلال ترويج الشائعات التي تعد من أخطر الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية، بل من أشد الأسلحة تدميراً، وأعظمها وقعاً وتأثيراً على الشعوب ، وتعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وكم حطمت الإشاعة من عظماء، وكم هدمت الإشاعة من وشائج وروابط وصلات نسب ودم ، وكم تسببت الشائعات في جرائم، وكم هزمت الإشاعة من جيوش ودول !!

وتتجلى أخطر الإشاعات في الآتي :

1-   زمن الحروب والأزمات .

2-   زمن انتشار الأوبئة والمجاعات .

وهو ما نشهده ينتشر بين الناس هذه الأيام  وقد لاحظ علماء النفس الاجتماعي (Social Psychology)، وعلماء الاجتماع، أن ثمة أنماطًا سلوكية ونفسية جماعية ارتبطت بأوقات الأوبئة، مثل: الكورونا والطاعون، أو وباء الإنفلونزا الإسبانية، فضلًا عن ارتباطها بانتشار أمراض مثل الإيدز لأول مرة بين بعض المجموعات، وهو ما دفع إلى دراسة أنماط استجابات المجتمعات خلال أوقات انتشار الأوبئة، وظهر في هذا الإطار مفهوم "سيكولوجيا الأوبئة" (Epidemic Psychology). ويُعنَى هذا القسم من العلوم الاجتماعية بدراسة سلوك المجتمعات مع تفشي الأوبئة. فتحت تأثير الأوبئة، تشهد المجتمعات موجات من الخوف الجماعي، كما تحدث ثورة في التفسيرات المرتبطة بأسباب هذه المعاناة الجماعية جراء الوباء، وتتسبب في موجة من التناقضات القيمية، وزخم من السلوكيات والاستراتيجيات ومحاولات بائسة لمواجهة الوباء، خاصة وأن الأوبئة بطبيعتها تعد أمراضًا "جديدة" لا تتوفر بشأنها معلومات أو توقعات بكيفية انتشارها ومكافحتها، وبالتالي لا يوجد بالضرورة علاج لها. وكلّما كان الوباء خطيرًا من حيث تداعياته، زادت المدة الزمنية بلا علاج واضح، وكانت المساحة متروكة للاجتهادات الفردية والاجتماعية، والتمسك بأي أمل في الخلاص، حتى وإن كان ذلك يتمثل في ممارسات غير منطقية بالمطلق.!!

ويتساءل البعض  خاصة في ظل انتشار الأوبئة والأزمات الطبيعية التي ترتبط بالقدرات الغيبية- لماذا يبعث لنا الإله ما يؤلمنا ونحن نؤمن به؟!!

 مَن الملام فيما يحدث؟ وتظهر تناقضات لدى الأفراد بين الرغبة في الاحتماء بالقيم والدين والمعتقدات الشعبية، وبين شكوكه في قدراتها على نجاة الفرد. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة ميدانية عن سيكولوجيا الأوبئة، إلى تسجيل حالات تحول ديني بين المصابين بمرض الإيدز في التسعينيات.

وعلى النقيض من ذلك، تحفز الأزمات الكبرى والأوبئة -في سياقات أخرى- تصاعدَ التدين والتردد على دور العبادة، وزيادة في ممارسة الشعائر الدينية، أو على الأقل إعادة التفكير في دور الدين، خاصة من الفئات التي لم تكن تمارس هذه الأنماط من التدين. فعلى سبيل المثال، وفقًا لجالوب، منذ الستينيات كانت هناك نسبة أقل من 40% من الأمريكيين يعتقدون أن الدين ليس  له أي تأثير على حياتهم، غير أنه بعد حادث انهيار البرجين، وصلت نسبة الأمريكيين الذي يرون أنهم بحاجة إلى الدين إلى 71%. وهو اختبار   من المولى عز وجل  للبشرية عامة وللمتدينين خاصة  في ظل انتشار  هذه الأمراض التي تعصف بحياة البشرية على مختلف أديانها وقد وصلت إلى مرحلة التبس عليها الأمر واختلط الشك باليقين مما أدى إلى منع الصلوات في المساجد والكنائس خوفا من هذا الوباء الذي يضرب البشرية جمعاء!!

ولا زال علماء الأرض يبحثون عن دواء للقضاء عليه !!

ويقول  أستاذ العلوم السياسية، الدكتور نصر عارف  :  أن القنوات الفضائية باتت أكثر قسوة على المجتمعات من شائعات مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن جميع النشرات والبرامج في القنوات التلفزيونية تبدأ بحدث عن فيروس كورونا المستجد، وشريط الأخبار كله مخصص لـ«كورونا»، حيث يتم الإعلان عن أي إصابة يتم رصدها في أي دولة، على الرغم من أن أي دولة بها أعداد وفيات يومية، وليس إصابات، جراء حوادث الطرق، أو مرضى القلب أو السرطان، تفوق عشرات الأضعاف من عدد إصابات كورونا وهذه الأخبار المهولة تصيب المجتمعات بالذعر والهلع !!

وختاما نقول إن هذا الوباء الذي ضرب البشرية في مقتل هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لإيقاظها   من غفلتها ويرسل لها هذه الفيروسات التي لا ترى بالعين المجردة وتخرج عن نطاق السيطرة لينبه الإنسان الذي جعله خليفته في الأرض أنه مهما حاز من علوم وغزا الكواكب ووصل إلى أعلى مراتب العلم أنه سيظل ضعيفا مسكينا أمام قدرة الله الواحد الأحد .

د. علوي عمر بن فريد