لن تكون الضالع شيء لولا هذا الوفاء والتقدير والمواقف الشجاعة والدعم المعنوي الذي تتلقاه من أبناء الجنوب الذين يشاركونها بهذه المعارك المصيرية.
هي تنتصر بهذه الروح الجنوبية الوفية التي تحيط بها وبهذا الدعم وهذه الثقة التي يمنحها إياها أبناء الجنوب عموما، وبإرادة أبنائها وأبناء الجنوب القوية وإيمانهم بقضيتهم العادلة
هناك من أراد أن يكسر الضالع بهذا التوقيت ليهينها بيوم عرسها ولكنها كالعادة، لم تخذلنا جميعا، كسرت أمنيات الحاقدين وانتصرت ووهبت أرواح أشجع أبطالها لحماية نفسها والجنوب من فيروسات الطاعون القادمة من الشمال، هذا الطاعون الذي انهك اليمن ككل!
كيف لا احتفل بهذا اليوم، يوم نصرها، وأنا ابنها الذي عاش مرارة الحروب على مدى أكثر من عقدين؟ كيف لا أحتفل بهذا اليوم وأنا الذي تفتق إدراكي على أصوات الرصاص والمدافع ورائحة البارود والدماء التي لم تتوقف عن النزيف طوال تلك الفترة ومازالت حتى الآن؟ كيف لا احتفل وأنا الذي نهضت صباح طفولة ولبست الزي المدرسي ووضعت حقيبتي على ظهري وخرجت من المنزل ذاهبا إلى المدرسة وفي طريقي اعترضتني أصوات المدافع ودخاخين سوداء في الجبال وقيل لي حينها "عد إلى المنزل" سألت "لماذا" قالوا "المدرسة أغلقت أبوابها ألا ترى الحرب؟"
عدت إلى المنزل مرعوبا
عدت أسأل الكبار لماذا الحرب؟
لم أكن مستوعبا للحدث المشؤوم!
ذلك الصباح بقيت مذهولا وكنت أظن أن الحرب ستلبث بضعة أيام ولم أكن أدرك أنها كالثقوب الأسود ستبتلع طفولتي وشبابي دون أن تصل إلى نهاية .. وها أنا أب ولم تنتهي بعد ولكن هناك بارقة أمل بالنصر الذي تحقق قبل أربعة أعوام وها هو يتجدد اليوم ذلك النصر الذي أبعد معسكرات الغزاة التي ظلت عقودا مرابطة فوق رؤوسنا!
تعددت الذرائع للغزاة والهدف واحد
تعددت أسماء الغزوات والوجهة واحدة
تغيرت الأجيال ولم يتغير نهج السلطان ولم تتوقف الغزوات ولم يتغير شيء على الواقع
انهار مجتمعنا بعد الغزوة الأولى بفعل الضربات الموجعة التي تلقاها ولم يستطع المحافظة على خصوصيته ووسطيته، إذ إن ماكنة الغزاة الإعلامية أثرت على عقول البعض منا واقنعته أنه منحدر من مجتمع كافر، فاسق ومنحل، فغير أفكاره واعتنق أفكار الغزاة، وبعد إيمانه بها تغيرت عمامة السلطان في صنعاء ووجد هذا البعض نفسه بجانب إخوته الذين يشاركونه نفس الجغرافيا، وجد نفسه ضحية لنفس الغزاة بشعارات مختلفة واكتشف انه كان مخدوعا!
عادت بعدها رائحة البارود مجددا إلى سماء الضالع والجنوب في غزوة 2015 بشعار مختلف.. وها هي انوف أطفالنا اليوم مجددا، مع كل صباح جديد يشرق، تستنشق البارود ولا يدرون ما هي تلك الرائحة بالضبط، ولا يدرون ما هي الحرب وماذا يريد الغزاة من مدينتهم؟ كما حدث لطفولتنا التي اغتالتها الغزوة الأولى لكنهم بعد حين سيكتشفون الحقيقة ذاتها والدوافع ذاتها التي يهرول الغزاة من أجلها !
عادت الحرب مجددا إلى اسوار الضالع وها هي الأمهات تقبل جثامين أبنائها الشهداء وتودعهم إلى مثواهم الأخير بالزغاريد وتقبل أبنائها الأحياء على جباههم وتودعهم إلى أسوار مدينتهم لتأمينها من شر الغزاة وبطشهم.
قلب الأم الضالعية التي صقلته الحروب يختار الزغاريد بدلا عن الدموع .. كبريائه يأبى إلا أن يظهرها قوية أمام أبنائها المدافعين عن مدينتهم حتى لا ينكسروا.
ها هي الضالع والجنوب عموما في ملحمة جديدة يواجهون الغزاة الجدد مترفع عن التفاهات والصغائر التي يريد أن يجرهم اليها الغزاة القدامى والجدد ومن ويدور في فلكهم!
لا خيار آخر أمامها إلا الدفاع عن النفس
لا خيار آخر إلا النصر بهذه المعركة
ها هي الضالع بيوم النصر تزف إلينا بشرى نصر جديد .. وعلى اسوارها المحصنة تتحطم أطماع الغزاة وتنكسر!
*- بقلم : مروان الجوبعي