"محمد" شاب من الصومال، فر هاربا مع الآلاف من المهاجرين الذين تركوا بلدهم المنهار جراء الحرب الأهلية، حط محمد رحالة في بلدة لودر بأبين شمال شرق عدن العاصمة الجنوبية، وامتهن صيانة السيارات، مهنة يقتات منها، حتى العام 2005م، حين أصبح "محمد"، اللاجئ الصومالي يمتلك جنسية يمنية وهوية عسكرية في الجيش اليمني، بعد ان انضم إلى قوة عسكرية يشرف عليها الجنرال علي محسن الأحمر نائب الرئيس اليمني، الأمر الذي لا يبدو مستغرباً، في بلد يرزح تحت وطأة العنف والاقتتال منذ ربع قرن.
حروب متواصلة واحداث مأساوية يعيشها اليمن وخاصة الجنوب، يكون بطلها الجنرال الأحمر نائب الرئيس اليمني الحالي الذي يصفه سياسيون بأنه الحاكم الأول. خلال السنوات الماضية أعلنت السلطات الأمنية في محافظة أبين انها عثرت على جثث قتلى من الجنسية الصومالية يقاتلون في صفوف تنظيم القاعدة، قبل ان يعلن الحوثيون عن وجود مقاتلين صومال يقاتلون في صفوفهم.
"أنهم مرتزقة أفارقة، يقاتلون مقابل المال لمن يدفع"،
يتحدث مصدر أمني في حاجز أمني قرب بلدة شقرة الساحلية بأبين. ويضيف لـ(اليوم الثامن) "من هنا يمر المئات من الأفارقة الصومال، يتم تهريبهم مقابلة اموال كبيرة وبالعملة الصعبة". وعلى طول الطريق الواصلة بين أبين وعدن يقول مواطنون "إنهم لحظوا خلال السنوات الخمس الماضية المئات من الأفارقة وهم يسيرون على الاقدام في هذه الطريق حتى يصلون إلى محافظة البيضاء وسط اليمن، بعد ان يجتازون عقبة ثرة الشاهقة الرابطة بين لودر ومكيراس. هجرة الأفارقة الى اليمن، لم تكن وليدة الحرب التي شنها الحوثيون على الجنوب صيف العام 2015م، بل سبقها بسنوات رحلات كثيرة، استوطن الكثير من هؤلاء الأفارقة في مدن جنوبية عدة، غير ان البعض منهم اختفى في ظروف غامضة قبل ان تسارع قوات الحزام الأمني في عدن والنخبة في شبوة وحضرموت إلى فرض رقابة على السواحل الجنوبية التي يتسلل منها المهاجرون إلى الاراضي الجنوبية ومنها إلى مأرب.
مصدر عسكري في مأرب أكد لـ(اليوم الثامن) "إن المئات من الأفارقة اتجهوا خلال العام الماضي إلى وادي عبيدة في مأرب"؛ دون ان يكشف مزيدا من التفاصيل. نشر الحوثيون الذين يقاتلون نيابة عن إيران في اليمن، صورا لمرتزقة أفارقة وهم يقاتلون في صفوفهم، غير انهم يوجهون تهما عدة إلى خصومهم في الجيش اليمني الموالي لحكومة الرئيس هادي بأنها تقوم بتجنيد أفارقة. ربما الطرفان يجند الأفارقة، لكن منذ متى بدأت عملية التجنيد..
يقول الرقيب محمد (صومالي الأصل، الذي اصبحت بحوزته جنسية يمنية) "إن الجنرال علي محسن الأحمر قام بتجنيدهم في العام 2005م، في الفرقة الأولى مدرع وضمهم على قوات حرس الحدود بين المملكة العربية السعودية واليمن".
ويضيف "تلقينا تدريبات وبقينا في الحدود لأكثر من ثلاث سنوات، ثم تركت العمل العسكري وعدت لعمل في اصلاح السيارات، لكن راتبي ظل يصلني كل شهير إلى ان تم توجيه لنا استدعاء مؤخرا لنعود إلى الحدود كحرس حدود".
يعرض محمد بطاقته العسكرية وبأنه قد اصبح يحمل رتبة رقيب، ويتباهى "قائدنا الجنرال علي محسن صالح". كافحت قوات الحزام الأمني عملية التهريب للأفارقة إلا ان ذلك كشف عن علاقة مسؤولين كبار في الحكومة اليمنية يقومون بعملة التهريب تلك. يقول مصدر أمني "إن عملية تهريب الأفارقة تتم بصورة احترافية ويتم دفع مبالغ مالية كبيرة لتهريبهم إلى شمال اليمن عقب تسللهم".
صحيفة عدن تايم ذكرت ان عملية تهريب الأفارقة تتم بصورة احترافية ذكية ويتم دفع قرابة 2500 ريال سعودي (نحو 300 الف ريال يمني) للمهرب على كل شخص، ينجح في اخراجه من عدن إلى حدود مأرب اليمنية. 11في فبراير 2018، أحبطت نقطة دوفس بمحافظة أبين عملية تهريب لاجئين أفارقة كانوا على متن سيارة نوع دينا في طريقهم من محافظة عدن إلى محافظة شبوة. وقالت صحيفة عدن تايم نقلا عن مصدر أمني "إن سيارة محملة بالأعلاف في الجزء العلوي منها حاولت تهريب ٥٣ أثيوبي في الجزء السفلي من الدينا، وهي عملية تهريب محترفة حيث استخدام الأعلاف للتمويه". واضاف المصدر ان افراد النقطة اوقفوا سائق الدينا ويدعى "خالد محمد علي" واحالوه للتحقيق. وذكر سائق الدينا أنهم يأخذون مبلغ وقدره 2800 ريال سعودي على كل شخص مقابل توصيله من عدن الى شبوة واعترف بأنه قام بعمليات تهريب مماثلة خلال الفترة الماضية.
عقب اقالة وزير الداخلية في حكومة بن دغر لمسؤول عن ترحيل الأفارقة، حيث يقول الد العلواني "إن وزارة الداخلية أقالته لرفضه التعاون مع خطة لنقل مركز الاحتجاز إلى محافظة أخرى وبعد أن توقفت السلطات عن تقديم إمدادات الطعام ". وأضاف علواني هو مسؤول محلي كان يشرف على ترحيل المهاجرين إلى أوطانهم "إن ما يصل إلى 15 ألف مهاجر يعتقلون في نقاط تفتيش المدينة كل شهر". لم يشترك بشكل رسمي اي أفارقة في الحرب التي تخوضها وحدات عسكرية ضد الحوثيين في اقصى الشمال اليمني.
يقول مصدر عسكري لـ(اليوم الثامن) "إن من يقاتل في جبال صعدة هم مقاتلون جنوبيون قدموا ضمن كتيبة القوات الخاصة إلى السعودية التي خضعوا فيها لتدريبات". واستبعد مشاركة اي أفارقة في القتال الى جانبهم، لكن حديثه يفتح تساؤلاً حول أين يذهب هؤلاء الأفارقة؟ مصادر في مأرب، أكدت وجود أفارقة في المحافظة بكثرة، لكن هناك مخاوف من انضمام هؤلاء إلى الجماعات المسلحة التي تنتشر في عدة محافظات شمالية ابرزها مأرب ورداع والبيضاء، فتجنيد الأفارقة وصرف عليهم مبالغ مالية كبيرة، أمر يقول مسؤولون أمنيون في عدن إنه بات يثير مخاوفهم من ان يعود هؤلاء في ملابس سوداء لأثارة العنف في عدن.
ويلمح مصدر أمني مسؤول في عدن إلى وجود دور لمسؤولين في الحكومة اليمنية بالوقوف وراء عرقلة تحرير الأفارقة إلى بلادهم. ويؤكد أن وزير الداخلية إقال مسؤول أمني رفض اطلاق صراح الآلاف منهم في شوارع عدن والبعض منهم يعاني من امراض من ابرزه نقص المناعة المكتسب (الايدز). لا تستبعد العديد من المصادر في عدن وجودأ طراف إقليمية وراء تدفق المهاجرين بالآلاف إلى اليمن، وفي طليعة ذلك قطر، التي تخوض حربا مناهضة للتحالف العربي عن طريق حلفائها تنظيم الإخوان. الدوحة التي تقاطعها دول التحالف العربي تسعى بقوة لإفشال هذا التحالف نكاية بخصومها، ولا يستبعد ان تكون هي من وراء تجنيد الأفارقة في اليمن والدفع بهم لاحقا في معارك ضد قوات التحالف العربي وتواجدها في الجنوب، بعد ان يتحولوا إلى كتائب إرهابية تضرب الجنوب الذي بات عصيا على تنظيم الإخوان، الذين تسعى قطر إلى تمكينهم من الجنوب واحلالهم بدل القوى الجنوبية التي افرزتها الحرب الأخيرة على البلاد.