كان تحدي المصريين اختبارا لمفاهيم ما قامت عليه مصر الدولة من قيم أساسية، لذلك كانت النخبة السياسية المصرية داعمة للجيش الذي أكد مسألة عميقة في ثباته على منهجية الدولة الوطنية.
في المسافة بين 30 يونيو عام 2013 و30 يونيو 2018 ما يتجاوز السنوات الخمس التي تؤشر إلى عمق ذلك اليوم، الذي استعاد فيه الشعب المصري مؤسساته وهيئاته السياسية العُليا من قبضة جماعة الإخوان المسلمين.
ما حدث في ذلك التاريخ أعمق من أن يتم استيعابه حتى مع إفرازات الكشف عن خبايا الدور القطري وتمويل الجماعة المتطرفة أيديولوجيا فهذا جزء من مجرد الكشف الإعلامي، بينما يبدو أن مواقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين في ذلك التاريخ هي العنصر الأكثر عمقا في المفهوم السياسي الصِرف، تأييد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله- للثورة الشعبية المصرية كان مفصلا تاريخيا في تحقيق الأمن القومي العربي وحمايته وصيانته.
العمق الذي رجح انتصار ثورة 30 يونيو 2013 في مصر هم العرب من الخليج إلى المحيط، وأتاح استعادة السنة التي اختطفت فيها مصر بحضاراتها وريادتها القومية العربية، وكيف تحولت مصر العروبة إلى مصر الخلافة، أو إلى مصر المتأسلمة سياسيا.
قبل أن يزاح الرئيس المعزول محمد مرسي من قصر الاتحادية كشف عن صورتين تتعاكسان ولا يمكن للبُعد المصري القومي أن يستوعبهما، حتى وإن مرت هذه السنوات الخمس. الصورة الأولى محمد مُرسي في عاصمة الجمهورية الإسلامية طهران، صورة لا تستقيم إلا عند جماعة الإخوان وحدهم، فليس مهما الشعارات المرفوعة وليس من المهم كذلك تلك الخطابات التي يطلقها كل فريق، فالصورة تقول إن مصر في أحضان الفُرس هذا مشهد أول لا ينتهي بغير المشهد المعاكس له.
الرئيس المعزول محمد مُرسي في أحضان الأتراك وهو مشهد آخر يلخصُ ما تحمله الأجندات الثلاث، الإيرانية والعثمانية والإخوانية، فالجميع يؤمن بالخلافة ويمحو الحدود للدولة الوطنية لتبقى فقط دولة واحدة هي الحاكمة.
بتساؤل البعض حول جماعة الإخوان هل هي بذرة تركية أم إيرانية؟ الإيرانيون كما الأتراك وجدوا في جماعة الإخوان حصان طروادة، نفخت هذه القوى في رياح العام 2011 فتصدعت أنظمة عربية وتهاوت بالفعل سوريا واليمن وليبيا، وتأثرت تونس والبحرين، وسقطت بالفعل مصر في فخ الجماعة الإسلامية، وأوشكت القوى المتربصة بالعالم العربي على تحقيق غايتها من الفوضى التي أوكلَ إلى قطر أمر دعمها بالمال والإعلام.
جرائم الدوحة في حق مصر كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، ويأتي على رأسها احتضان التكفيريين والإرهابيين والسائرين في ركاب الإخوان من أجل حفنة ريالات قطرية، فقد سخر لهم تميم بن حمد، أمير قطر، قناة الجزيرة لتبث سمومها ليلا ونهارا في المجتمعات العربية وخاصة المصرية.
عقب فض اعتصام رابعة العدوية الذي كانت تموله وتدعمه الدوحة كبؤرة إجرامية في قلب القاهرة، هرب المئات من عناصر الإخوان إلى تركيا وقطر لتتحول الدوحة وأنقرة إلى قاعدتين إعلاميتين إخوانيتين، بعد تدشين قنوات تلفزيونية جديدة موجهة ضد مصر من قبيل قناة الشرق ومكملين وغيرهما.
صحيفة “نيويورك بوست” قالت إن قطر تسمح لشخصيات تجمع الأموال للجماعات المتطرفة بالعمل بشكل علني، وبعضهم يتمتعون بحصانة قانونية في الدوحة، ونقلت الصحيفة عن خبير سابق في تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية أن قطر “بكل بساطة ترفض فرض قوانين الخزانة الأميركية ضد تمويل الجماعات الإرهابية”، ومن المستحيل إيجاد أي دليل يفيد أن قطر لاحقت أو سجنت أو حتى اتهمت ممولا للإرهاب مدرجا على قوائم دولية.
وفضلا عن تنظيم الخلايا النائمة للإخوان لتظاهرات في الأحياء الشعبية بتعليمات من قطر وتركيا وقيامهم بالعديد من الاغتيالات والتفجيرات، فقد حاول التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية عبر خطة منظمة ضرب الاقتصاد المصري مستغلا تجار العملة وشركات الصرافة وأغلبهم من الإخوان للتأثير على قيمة العملة بالمراهنة على قيمتها في الأسواق وإضعاف قيمتها، فضلا عن السيطرة على تحويلات المصريين في الخارج وهي المخططات التي نجحت الأجهزة الأمنية المصرية في إحباطها.
لقد كان تحدي المصريين اختبارا حقيقيا لمفاهيم ما قامت عليه مصر الدولة من قيم وقواعد أساسية، لذلك كانت النخبة السياسية والفكرية المصرية داعمة للجيش الذي أكد مسألة عميقة في ثباته على منهجية الدولة الوطنية، وعدم انجراره لمشاريع أعدت كفخاخ لضرب الجيش المصري الذي نجح ومعه نخبة سياسية واعية تمتلك الإدراك لما كانت تريده أن يسقط فيه من دعاة الإسلام السياسي، فلا مجال لرهن الدولة الوطنية مقابل أي مشاريع أخرى مهما امتلكت من مسببات وأوهام.
30 يونيو من العام 2013 لم يكن يوما مصريا بل هو يوم عربي كبير، وكان موقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مبنيا على ثوابت حماية البيت العربي، فكيف يكون البيت العربي من دون مصر. صحيح أن العالم العربي يعيش أزمات متوالية خلال العقود الماضية لكن هذا لا يمنع مواصلة حماية البيت العربي، فالشقيق المصري كان يستحق أن يجد من أشقائه العرب ذلك الموقف، وعلى المصريين دائما أن يتذكروا أن 30 يونيو ليس لهم وحدهم، فلكل العرب نصيب من ذلك اليوم العظيم.
*- العرب