الهادوية ليست المنهج العقائدي المرتبط بالمذهب الزيدي بل هي إصطلاح على فترة حكم الرئيس عبدربه منصور هادي لليمن بداية من 25 فبراير 2012م بموجب الاستفتاء وتنفيذاً لآلية المبادرة الخليجية التي قضت بنودها على إنهاء فترة الحكم الصالحية التي يمثلها الرئيس السابق علي عبدالله صالح والتي بدأت من 18 يوليو 1978م بعد أن تنحى عبدالكريم العرشي عن السلطة في الجمهورية العربية اليمنية فاتحاً الباب أمام أطول فترة حكم سياسية امتدت ثلاثة وثلاثين عاماً كان فيها الرئيس صالح أكثر من مجرد رئيس جمهورية فلقد أعتبر زعيماً لليمن.
أكثر ما يصيب اليمنيين بالاحباط هو أن بلادهم لم تستطع الانتقال من دولة القبيلة والإمامة إلى دولة الجمهورية على رغم أكثر من نصف قرن مرت على ثورة 26 سبتمبر 1962م ، فهذه الفترة الطويلة لم تعرف تكوين دولة المؤسسات والقانون وبقيت هذه المصطلحات مجرد أدوات تستخدمها السلطة السياسية الحاكمة لتثبيت سيطرتها والاستحكام في السلطة وإقصاء المعارضين لها، منهجية الحكم في اليمن وأن تلبست بألبسة الديمقراطية الشكلية ، عرف الرئيس السابق علي عبدالله صالح كيف يدير هذه التركيبة الفريدة التي كفلت له امتداد طويل للحكم، الفكرة كانت (بديعة للغاية) هي أن تزاوج الجمهورية بالإمامية وتحصل في النتيجة النهائية على نصف جمهورية ونصف إمامة وكل ما في الدولة بقبضة رجل واحد.
اليمنيون بتركيبتهم القبلية وضعف التعليم في بلادهم يعيشون هوساً مبالغاً فيه نسبياً مقارنة مع جوارهم العربي، فاليمني وبحسب تركيبته وبيئته فأن كان قبلياً متشدداً فلن يخرج عن إطار البحث عن رمزية للإمام الحاكم ولو كان خارج حدود اليمن، واليمني ذو التوجهات القومية فينظر إلى جمال عبدالناصر أنه زعيم وأنه مازال حياً يسعى بين أزقة صنعاء ويقف على منصات تعز يصرخ في الثوار ليواصلوا ثوراتهم التحررية، وكذلك الاشتراكيين الذين مازال بعضهم يرى في بريجنيف حضوراً عالمياً برغم أنه قد رحل ورحل بعده الاتحاد السوفيتي.
الطبيعة اليمنية في داخلها تبحث عن الزعيم الأوحد والقائد الأعظم، واستطاع الرئيس السابق صالح من تشكيل دولته الصالحية بكل ما فيها من متناقضات لكنها فترة عميقة واستثنائية وتكرارها هو المستحيل، وهذا ما يخوض فيه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي ولكن عبر أدوات حزبية، فالرئيس هادي الذي بقي مجرداً من الصلاحيات منذ أن أعطي حصته كنائباً لرئيس الجمهورية بعد حرب صيف العام 1994م لم يتوقع سخاء القدر بأن يكون رئيساً للجمهورية.
حاول الرئيس هادي اللعب على التناقضات كما كان سلفه الرئيس صالح، وهذا يبرر أنه ترك للحوثيين الخروج من كهوفهم حتى اسقطوا عُمران 2014م وذهب بنفسه إلى المدينة التي اسقطتها المليشيات الحوثية بعد أن دمرت المعسكرات التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح ليعلن عودة محافظة عمران إلى الدولة برغم أن الجيش اليمني كان خارج ما حدث، وتلك الحادثة تفسر أن الرئيس هادي وجد أن يضرب حزب الإصلاح في أهم معاقله لإدراكه أنهم كانوا خلف الإطاحة بالرئيس صالح، غير أن الحوثيين انقلبوا على الرئيس هادي واستولوا على السلطة.
بموجب المبادرة الخليجية تتم عملية الانتقال السياسي باستفتاء لتنصيب الرئيس وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، العملية الانتقالية راعت أن يكون الانتقال ضامناً لتخفيف التوترات وهو ما لم يحدث من خلال مؤتمر الحوار الوطني نظراً للتجاذبات الحزبية التي لم تخرج من إطار صراعاتها وبقيت محبوسة عند المحاصصة التقليدية التي اعتادت عليها الأحزاب اليمنية، بينما المبادرة الخليجية صنعت (مؤسسة شرعية) متكاملة يشكل الرئيس جناح فيها بينما حكومة الكفاءات الجناح الآخر.
في 22 يناير 2014م قدم الرئيس هادي استقالته تبعه خالد بحاح الذي قدم استقالته بعد يومين في 23 يناير بعد الضغوط الحوثية ودخلت المؤسسة الشرعية تحت الإقامة الجبرية حتى استطاع الرئيس هادي الهروب إلى عدن ومنها إلى سلطنة عُمان ثم السعودية، بعد انطلاق عاصفة الحزم لعبت المؤسسة الشرعية دوراً مختلفاً عن ما كان عليه الحال قبل ذلك، فلقد حصل للرئيس هادي تمديد لرئاسته وهذا يعني تمديد لحكومة الكفاءات للتكامل المؤسسة وتم تحصين ذلك عبر مؤتمر الرياض الذي قدم إسناداً للشرعية السياسية.
تحرير عدن (يوليو 2015م) شهد التحول الأهم فمع إصرار بحاح على نقل الحكومة إلى عدن وتطبيع الحياة السياسية وإطلاق عمليات مكافحة الإرهاب بالتوازي مع عمليات دحر الحوثيين كان الرئيس هادي قد قرر تغيير استراتيجيته بتحالفه مع حزب التجمع اليمني للإصلاح وبذلك عاد الرئيس هادي إلى أسلوب المناورة عبر المحاصصة التقليدية ، وكان الاستقطاب للرموز السياسية والقبلية عبر منحهم مقاعد وزارية أو مستشارين للرئيس، ومع تقدم التحالف العربي في جبهة باب المندب وتحرير مأرب كانت ثمة محاولات سياسية يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لإيجاد صيغة حل سياسي اقتربت بالنضوج لولا ان تغيرات دراماتيكية أفشلت استكمال الحل السياسي بالإنقلاب على خالد بحاح وحكومة الكفاءات وتراجع وفد الحوثيين في اللحظات الأخيرة بتعيين علي محسن الأحمر نائباً لرئيس الجمهورية مما قوض عملية الحل السياسي نهائياً.
من ابريل 2016م تغيرت تركيبة المؤسسة الشرعية بشكل كامل فقد وجد المتنفذين السياسيين والقبليين مواطئ لأقدامهم في السلطة وعملوا من خلال غياب الرقابة المالية على تضخيم ثرواتهم المالية مستفيدين من الإيرادات النفطية لحقول حضرموت وإيرادات موانئ عدن والمكلا ومنفذ الوديعة الحدودي مع السعودية، هذا ما عزز التكلس في بُنية الحكومة الشرعية وكذلك الرئاسة وهو ما أسهم في اخفاقات كبيرة على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والصحية والتعليمية وفاقم المشكلات في كافة المحافظات المحررة .
وصف تقرير خبراء الأمم المتحدة الشرعية في تقرير (يناير 2018م) بالمتآكلة واعتبر أن أطرافاً منها يشتركون مع مليشيات الحوثي في تجارة الحرب ويتعمدون إطالتها، وهذه نتيجة سلوك ممنهج لا يُمكن للمراقبين أن يخطئوه فلقد تورطت شخصيات مهمة في الشرعية من الفساد مع غياب الرقابة الإدارية ، تزاوجت الشرعية بالإخوان ووجد الطرفين في الفراغات ما يمزق ما تبقى من اللحمة الوطنية التي كانت الحوثيين قد انقضوا عليها سابقاً بدون اكتراث لعواقب ما فعلوا، وبدلاً من المعالجة استمر النهش والتمزيق فيما تبقى من نسيج اليمن شماله وجنوبه.
تعلق اليمنيين بحكم الفرد حتى في تجربة الجنوب الاشتراكية جعلوا من الحزب شخصاً لا ينطق عن الهوى، لم يغب الإمام في شخص علي عبدالله صالح وبقي رئيساً بدرجة زعيم برغم أنه أخفق في مرحلته إلا أنه استطاع أن يجعلها أطول المراحل السياسية بكل ما تحتمل من تقييمات، رحل علي صالح وظهر عبدربه منصور هادي يعاني من عُقدّة الزعيم حتى وأن قتل ومثّل الحوثيين به تبقى عند هادي العُقدّة المستحكمة تغذيها جماعات من المتنفذين والمستفيدين من هذه السيكولوجية المأزومة فيصنعون منه ظلاً لزعيم قد رحل وبقي حقيقة واحدة لن تتغير فلا الحقبة الصالحية ولا الهادوية تمت لمفهوم الدولة المدنية و الديمقراطية وقوانين الجمهورية وأن اليمن مازال عند 26 سبتمبر 1962م فلم تسقط الإمامة ولم تصعد الجمهورية.