فتحت عملية تحرير الحُديدة جانباً آخر للصراع الإقليمي في اليمن، وقد يكون هذا الجانب أساسياً باعتبار أن الحوثيين ينفذون الأجندة الإيرانية، وهذه مسألة لها سياقها المعروف منذ سنوات، ولم تخفِ قيادة التحالف العربي، ولو لحظة واحدة، أن هدفها من العمليات العسكرية في اليمن التصدي للدور الإيراني، وهو جزء لا يتجزأ من الدور السعودي المدعوم إماراتياً بمحاولة الرياض استعادة الدول الوطنية ومعالجة الاختلالات التي أصابت عدداً من البلدان العربية نتيجة التدخلات الإيرانية، ودعم النظام القطري هذه الفوضى، التي يعد اليمن، بالتأكيد، واحداً من أكثر هذه البلدان تأثراً بها.
وفي حين تجري عملية تحرير الحُديدة، ومع تلقي ميليشيات الحوثي الإيرانية الضربات الموجعة على امتداد الساحل الغربي من اليمن، تصاعد الصراخ والبكاء على قناة الجزيرة القطرية، وكان كل الضجيج في تلك القناة مقدمة لافتضاح الدور القطري بعد أن تعرى تماماً، فلم يخفِ أمير قطر في اتصال هاتفي مع الرئيس الإيراني روحاني أنه يقف شخصياً خلف هذه العلاقة مع النظام الإيراني المتورط في الإرهاب العالمي، كان هذا الافتضاح مجرد كشف عن حقيقة الدور الذي تلعبه قطر، ولم يكن عويل قناة الجزيرة سوى بوابة لهذه الفضيحة.
فمنذ أن بدأت المقاطعة العربية للنظام القطري في يونيو 2017م لعبت قطر أدواراً خطيرة عبر أذرعها في اليمن، وما تمتلك من منظمات ومؤسسات حقوقية وإعلامية عبر إخوان اليمن من جهة، وعبر ميليشيات الحوثي من جهة أخرى، وخلال عام كامل من المقاطعة افتعلت أذرع قطر العديد من الأزمات التي كانت تهدف إلى إفشال عملية عاصفة الحزم فاعتمدت على استراتيجية رئيسة تهدف لمحاولة فك الارتباط بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبدأت بقضية السجون السرية في عدن وحضرموت، التي تم تنفيذها عبر مؤسسة سام للحقوق والحريات التي قدمت تقارير مغلوطة تهدف للإساءة إلى القوات المسلحة الإماراتية، وتم تشكيل لجنة رئاسية يمنية كذبت تلك التقارير وما جاء فيها من بهتان، ولم تكن سوى استهلاك إعلامي لم يصمد أمام حقيقة الأرض .
عادت قطر لاستخدام ذراعها الأكثر ضجيجاً في اليمن، وهو تنظيم الإخوان المسلمين الذي عاد مُجدداً لافتعال أزمة عدن، التي أُجهضت بتدخل قيادة التحالف العربي، ثم توجهوا إلى تعز لتخرج مجاميعهم في مظاهرة مناهضة للتحالف العربي، ولم تجد سوى قناة الجزيرة لتظهرها للإعلام، بعدها تم افتعال أزمة جزيرة سُقطرى، ولعلها الأزمة التي كشفت كل ما تبقى من إخوان اليمن أمام القيادة السعودية والإماراتية، فيما كانت التحضيرات الميدانية والسياسية تجري للعملية الأهم عسكرياً بعد تحرير العاصمة الجنوبية عدن (يوليو 2015م)، حيث كان إخوان اليمن يسعون بكل ما يمتلكون من أدوات في افتعالهم أزمة سُقطرى.
كان قرار تحرير مدينة الحُديدة يتم تحضيره في هذا التوقيت الزمني (يونيو 2018م) لتوفير الدعم الممكن للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، ليتمكن من خلق أجواء سياسية يستطيع من خلالها تقديم الخطة الشاملة للحل السياسي في اليمن، التي تتطلب مبدئياً إجبار الحوثيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون وضعهم الشروط التعجيزية التي طالما وضعوها في طريق المسارات السياسية وتعمدوا إفشالها، ولذلك لا بد من قطع الحبل السُري الذي يصلهم بإيران التي تمدهم بالسلاح، وكذلك ما يحصلون من ميناء الحُديدة من إيرادات وضرائب، إضافة إلى ابتزازهم السكان المدنيين عبر استخدامهم المشين للمساعدات الإنسانية التي تصل عبر الحُديدة ولا يجدها المدنيون في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
هذا المتغير الأهم يحمل انعكاسات واسعة على ما هو أبعد من اليمن، فرؤية قطر وإيران، لهذا المتغير بعيون غير العيون اليمنية، فما يجري على الصعيد العام هو تأكيد الالتزام السعودي والإماراتي بحماية وصيانة الأمن القومي العربي، فالحُديدة جزء من الأرض العربية وهي المطلة على البحر الأحمر، ما يعني أن عملية عاصفة الحزم تستكمل استعادة كل الممرات العربية في اليمن، وتحرم الطامعين من الوجود، أو محاولتهم فرض نفوذهم على الممرات المائية العربية.
راهن الإيرانيون على النظام القطري لتمرير أجنداتهم الظاهرة والمخفية في اليمن، فسقط وسقطوا وبقي اليمن عربياً محفوفاً بأشقائه العرب من سعوديين وإماراتيين ومصريين وبحرينيين وكويتيين، وكل العرب الذين يرون بأعينهم استعادة اليمن إلى محيطهم العربي وبتر الأيادي التي امتدت إليه غدراً وعدواناً، سقوط مهين لمحور الشر ونهاية حتمية لمؤامرات حيكت وصُنعت للإضرار بالأخ والشقيق العربي.
*- البيان