مع دخول الحرب في اليمن عامها الرابع وتسارع انتصارات الشرعية وسيطرتها على مساحات متنامية من الأراضي اليمنية، سعت ميليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً إلى التخفيف من حالة الارتباك الشامل التي دبت بصفوفها، من خلال محاولة استهداف المدن السعودية بالصواريخ الباليستية الإيرانية، حيث قامت بإطلاق سبعة صواريخ باليستية في 26 مارس 2018م.. وواصلت محاولاتها الفاشلة لاستهداف المدن السعودية، غير أن الدفاعات السعودية نجحت في التعامل مع كل الهجمات الصاروخية، وفشلت هذه الهجمات في تحقيق أهدافها.
التراجع الميداني الكبير للحوثيين، بالتزامن مع استئناف الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها مارتن غريفيث لتحركاتها على محور الحلّ السياسي في اليمن، أضفى ضغطاً مضاعفاً على الميليشيا الممولة إيرانياً والمجبرة على الاستجابة لمتطلّباتها وتنفيذ مخطّطها الذي يقوم بشكل أساسي على استدامة الصراع والتوتّر والإبقاء على اليمن بؤرة ملتهبة على حدود المملكة العربية السعودية.
ومع بروز ملامح استراتيجية المواجهة الشاملة للنفوذ الإيراني في المنطقة كلّها، لا سيما العراق وسوريا ولبنان، والتي تعمل المملكة العربية السعودية على استكمال صياغتها بالتعاون مع كبار حلفائها الدوليين، تخشى إيران أن يكون حسم الملف اليمني، حربا أو سلما، بوابة البدء بالتنفيذ الفعلي لتلك الاستراتيجية، ما يفسّر لجوءها إلى دفع ميليشيا الحوثي إلى التصعيد وخلط الأوراق.
وفيما كان غريفيث يقوم بجولته الاستكشافية لمزاج الأطراف المعنية بالملف اليمني، عمل الحوثيون على الدفع بالتوتّر إلى أقصاه من خلال تسريع إطلاق الصواريخ المهرّبة إليهم من إيران باتجاه الأراضي السعودية، هذه الزاوية تُعد الأكثر حدةً هي التي تقودنا إلى إدراك التطورات العسكرية المهمة والبالغة الخطورة في توقيتها الزمني ونوعها كذلك.
كل هذه التطورات والتصعيد باليمن في هذه المرحلة بالذات تريد طهران من خلالها توجيه رسالة بأنّها حاضرة في الملف اليمني ومؤثرة فيه، خصوصاً وأنّ السعودية باتت في موقف أكثر قوّة ونفوذاً إثر الجولة العالمية الموسّعة لولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، والتي تمكّن خلالها من كسب تأييد واضح من قبل كلّ من المملكة المتحدة، والولايات المتّحدة، وفرنسا، لموقف بلاده في مواجهتها لمحاولات التمدّد الإيراني، لا سيما في اليمن.
نجاح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في سياسة كبح سياسات إيران العدائية، يمكن لمسه من خلال المؤشرات القوية لرغبة الولايات المتحدة الأميركية لتعديلات جذرية في الاتفاق النووي الذي ينتظر يوم الحادي عشر من مايو مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه، ويزيد من حجم هذه المؤشرات ما صدر عن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي حيال الرغبة البريطانية في إعادة تشديد العقوبات على إيران لإيقاف برنامج الصواريخ الباليستية والعودة في مراجعة بنود الاتفاق النووي بما يضمن عدم امتلاك النظام الإيراني للسلاح النووي مستقبلاً ووضع حد لسباق التسلح في الشرق الأوسط.
وتخشى إيران أن ينساق الحوثيون إلى هزيمة عسكرية، ستكون بمثابة هزيمة مباشرة لها أمام السعودية، بقدر ما تخشى إيجاد حلّ سياسي للملف اليمني يغلق بؤرة التوتّر التي بذلت جهودا كبيرة لفتحها داخل الجزيرة العربية ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها جهود الحلّ السياسي في اليمن، فقد منح تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث ذي التجربة السابقة بملفات المنطقة، مبعوثا أمميا خاصا لليمن خلفا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد؛ نفساً جديداً لتلك الجهود.
إيران تدفع بميليشيا الحوثي نحو التصعيد والضغط عليهم لمواصلة إطلاقهم للصواريخ الباليستية على المدن السعودية لإحداث أكبر ضرر ممكن، في تعبير يائس للحالة الضيقة التي وصل لها النظام الإيراني، الذي بالفعل فقد فرص المناورة السياسية حتى في سوريا التي دخلت فيها الأزمة مرحلة اجتمعت فيها كل الأطراف الدولية على ضرورة إبعاد الميليشيا الإيرانية، مما يؤكد كذلك على مدى الخسائر الفادحة التي أصابت السياسات الإيرانية التي كانت ترغب بالتوسع والنفوذ بينما هي تخسر عسكرياً وسياسياً.
الصواريخ الحوثية هي رسائل إيرانية واضحة ومكشوفة، الإجابة عنها تتطلب دفعاً تجاه إتمام عملية قطع رأس الأفعى عسكرياً في معقل الحوثيين صعدة، كما أن تحرير ميناء الحُديدة يعني تجريد الحوثيين من مصدر تهريب الصواريخ الباليستية وابتزاز الشعب اليمني المستحق لشحنات الإغاثة الإنسانية، يضاف لذلك الجانب السياسي الذي يجب أن تدرك القوى الدولية والإقليمية أن أطراف النزاع اليمنية يجب عليها أن تتخلى عن أساليبها غير المسؤولة وتتحمل كامل المسؤولية السياسية، وتتعامل بما يضمن الخروج الآمن للأزمة اليمنية ويحقق السلام لبدء عملية التنمية والإعمار.