أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استراتيجية الأمن القومي الأميركي، التي أكدت العودة الأميركية إلى جذورها الأصلية، التي كانت قائمة في الحرب الباردة، وهي التي أيضاً تستند إلى تقاليد الحزب الجمهوري القائمة على مرتكزات أربعة، وهي حماية الولايات المتحدة، وتأمين الشعب الأميركي، وتعزيز الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام بالقوة، الأسس الأميركية التقليدية لدى الجمهوريين، لم تتغير، فلقد شكلت فترة حكم الرئيسين بوش الأب والابن، نمطية واحدة، برغم انهيار الاتحاد السوفييتي.
لافت أن تظهر إيران في خمسة عشر سطراً من استراتيجية الأمن القومي في الصفحة ثماني وأربعين، مساحة واسعة حظيت بها إيران، أكدت مُضيّ الولايات المتحدة في عدم التوقيع على «الاتفاق النووي»، الذي كان عليها أن تجدد توقيعها عليه في يوليو 2017م، وكان الرئيس ترامب قد رفض التجديد، وطالب بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، لخرقها الاتفاق بإجرائها تجارب صاروخية بالستية.
من الواضح أن تطورات الأشهر الأخيرة، زادت من التشدد الأميركي تجاه إيران، جاء في نص الوثيقة (سنعمل مع الشركاء لحرمان النظام الإيراني من كل المسارات المؤدية إلى تطوير السلاح النووي، وتحييد النفوذ الإيراني الخبيث)، جزء مهم وعميق في الرؤية الأميركية الصارمة تجاه النظام الإيراني، عزز ذلك الرئيس ترامب كذلك في إشارته إلى (قمة الرياض 2017)، والتزام الولايات المتحدة لزعماء العالم العربي والإسلامي، بمحاربة الإرهاب، ليؤكد في خطاب تقديم استراتيجية الأمن القومي، وكذلك ما جاء في الوثيقة، نصاً واضحاً بأن النظام الإيراني الداعم الأكبر للإرهاب في العالم.
لم يُخفِ الرئيس الأميركي ترامب، فشل الرؤساء الأميركيين السابقين، واصفاً أن سياساتهم أدت إلى (تكبيل) الولايات المتحدة، ومنحت أنظمة ديكتاتورية التمسك أكثر في السلطة، كما أن تلك السياسات الأميركية، منحت الإرهابيين فُرصة الظهور، بل والانتشار في الشرق الأوسط، في إشارة لظهور تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، هذه الإشارة لفشل الإدارات الأميركية السابقة، جاءت لتُعطي لإدارة ترامب انتصاراً كاملاً، بما تحقق من هزيمة «داعش» عسكرياً، كان للولايات المتحدة دور كبير، يرى فيه الرئيس ترامب أنه تصحيح لأخطاء الرؤساء الأميركيين.
في المفهوم الأميركي، فإن الولايات المتحدة تؤمن بأن حمايتها للسلام، تأتي من خلال فرض القوة العسكرية، انتهاج لم يتوقف إلا بعد سقوط الدولة السوفييتية، ولكنه عاد مع الجمهوريين، ويترسخ من خلال (عقيدة ترامب)، التي ترى فيها الولايات المتحدة أن (الإسلام السياسي)، يُشكل خطراً مباشراً على الأمن القومي الأميركي ويهدد الاستقرار بالمنطقة، لذلك، كان تبرير الرئيس ترامب بشأن العقوبات المفروضة على الحرس الثوري الإيراني، أكثر إقناعاً، لأنها تأتي في سياق يعتبر أن النظام في إيران مصدر إرهاب، بل إنه يساعد في توتير المنطقة العربية، من خلال تدخلات طهران في سوريا والعراق والبحرين واليمن ولبنان.
الصاروخ البالستي الإيراني الذي أطلقته مليشيات الحوثي الإرهابية على العاصمة السعودية الرياض، والذي أُثبت بكل الأدلة القطعية على التورط الإيراني، سواء من خلال ما عرضته سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، أو من خلال تقرير خبراء الأمم المتحدة، فإن ذلك الصاروخ، شكل تحولاً كاملاً، ومنح الإدارة الأميركية ما كان ينقصها من أدلة مادية تُدين بها الإيرانيين، لذلك وجدنا من الرئيس الفرنسي ماكرون كذلك، تعاطياً إيجابياً حول أهمية معاقبة النظام الإيراني في جانب الصواريخ البالستية، وإن كان على الولايات المتحدة أن تخوض مواجهة مع الأوروبيين بشأن الاتفاق النووي.
الرؤية الأميركية حيال إيران المتشددة ذاتها، تنطبق على كوريا الشمالية، لتهديد حلفاء أميركا في شرق آسيا، ومع ذلك، فإن الأميركيين ينظرون إلى الشرق الأوسط بأكثر من عين، فالتطرف يجد بيئة خصبة مع الدعم الإيراني، وكذلك ما توفره دولة قطر للإرهابيين من تسهيلات مالية ومنصات إعلامية لدعم التوجهات الإيرانية، وخدمة مشروعها الطائفي، الذي بالفعل هو المسبب الرئيس في تأجيج الصراعات المذهبية، وهذه رؤية أميركية، يجب أن يفهمها النظام في الدوحة بشكل لا يحتمل التأويل، فالفرص المتاحة أمام القطريين ما زالت تجعل من الأبواب مفتوحة للرياض، ففي السعودية، يكمن حلّ معالجة الأزمة القطرية والعودة إلى الحضن العربي.
قد يرى العرب أن في عقيدة ترامب اختلالاً بانحيازها إلى إسرائيل في ما يختص بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهذا ملف يمكن للنظام العربي، من خلال السعودية ومصر والإمارات، أن تبذل فيه جهودها السياسية لإقناع الرئيس ترامب بتغيير موقفه، لمنح تحقيق فرصة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلا يجب الخلط بين ما يمكن أن يخدم المنطقة العربية، وما لا يخدمها، فالموقف الأميركي حيال إيران والتطرف الديني، يجب أن يستثمر لصالح المنطقة، أما ما لا يخدمها، يجب مواجهته بالسياسة، من دون مزايدات إعلامية تقودها قطر، لتخفيف أزمات نظام طهران البائس.
*- عن البيان