لم يكن مفاجئاً للمراقب السياسي إطلاق دولة الإمارات، شعار (معاً للأبد) احتفاءً بذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية السابع والثمانين، فالمراقب السياسي للعلاقة السعودية الإماراتية يدرك أن الإمارات اتخذت قراراً بدعم السياسة السعودية والوقوف معها في إدارة واحدة من أهم المراحل السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على الأقل في نصف القرن الأخير، هذا الالتزام الإماراتي لم يكن عابراً أو وليد صدفة بل كان منهجاً أساسياً منذ نشوء دولة الإمارات على يد مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يرحمه الله، والمواقف الإماراتية لم تكن يوماً في تضاد مع مصالح السعودية أو غيرها من الدول العربية، وما حدث مع اندلاع فوضى الخريف العربي نهاية 2010م في تونس ثم انتشاره في مصر وسوريا واليمن وليبيا واستهداف الأنظمة العربية بتلك الفوضى كان منعطفاً أساسياً شكل حجر الزاوية في علاقة الرياض وأبوظبي.
المسألة ليست شعارات تطلقها قيادات دولة الإمارات للاحتفاء بالسعودية ومناسباتها الوطنية، فالأبعاد السياسية الاستراتيجية هي التي أسست لوحدة المصير مع القيادة السعودية، فلقد تعين على الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، اتخاذ واحدٍ من أشجع القرارات التاريخية بإعلانه المباشر الوقوف مع الشعب المصري في ثورة 30 يونيو واستعادة الدولة المصرية من مختطفيها جماعة الإخوان، كان القرار محورياً في تشكيل القوى التي عليها محاربة الإرهاب الذي وجد في الفوضى العارمة التي سممت العالم العربي طريقاً لتفشي الإرهاب وصعود الجماعات الدينية المتأسلمة إلى سُلطة الحكم لاستكمال مشروعات تهدف لإسقاط أنظمة الحكم العربية واستبدالها بتلك المشاريع سواء الفارسية أو العثمانية المتربصة شراً.
الموقف الإماراتي كان إلى جانب الرياض مع عدة دول خليجية آنذاك، وتحولت تلك اللحظة إلى مواقف اتخذت الالتزام تجاه المشاريع المضادة، حتى جمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز القيادات الخليجية في (قصر العوجا) ووجد في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قدراً من ذلك العزم الذي تحتاجه السعودية في إعلانها إطلاق عملية «عاصفة الحزم»، فمنذ اللحظة الأولى انخرطت الإمارات بكل ما تملك من قوة عسكرية وإعلامية في تلك العملية التي تهدف إلى إيقاف التدخل الإيراني في الجزيرة العربية، فلقد تحولت اليمن إلى جزء يهدد استقرار وأمن السعودية وكانت الحرب قد فُرضت بعد إسقاط الحوثيين للشرعية السياسية اليمنية.
عززت عمليتا «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» في اليمن من ارتباط السعودية والإمارات وتأكدت الثقة أكثر مع كل محطة من محطات تلك الحرب التي كانت منذ البداية تحتاج إلى عوامل الصبر والتحمل وطول النفس، وشكلت تضحيات البلدين تأطيراً أقوى بينهما فالشهداء الذين سقطوا في حادثة مأرب ربطوا الدم السعودي بالإماراتي حتى بلغت الرمزية أعلاها مع استشهاد العقيد عبدالله السيهان قائد القوات السعودية الخاصة ورفيقه العقيد سلطان الكتبي، فلقد سجلت حادثة استشهادهما تأكيد وحدة مصير السعودية والإمارات والتزام البلدين في إكمال استعادة الشرعية وبتر الذراع الإيرانية في اليمن.
تُجسد عملية «السهم الذهبي» التي أدت إلى تحرير العاصمة الجنوبية عدن ملحمة إماراتية سعودية، تكررت في المُكلا وأكدت أن السعودية والإمارات تقدم ما هو أكبر من مجرد تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين من خلال دعم التشكيلات العسكرية للقيام بمهام مكافحة الإرهاب بإشراف غرفة العميات المشتركة مما وضع السعودية والإمارات في أكبر عملية عسكرية ناجحة في مطاردة الإرهابيين عبر مساحات واسعة في جنوب اليمن حتى تم تطهير الكثير من المدن وكامل ساحل بحر العرب من المهرة وحتى عدن.
استراتيجياً تبقى علاقة السعودية والإمارات تمثل محوراً أساسياً في الشرق الأوسط سواء في إطار الحرب على الإرهاب أو في مهمة تجفيف مصادر تمويله أو حتى في ملاحقة جماعات الإسلام السياسي، هذا المحور لا ينفك عن أهمية أخرى يمثله ارتباط الرياض مع أبوظبي من خلال الدفع الاقتصادي عبر الرؤى المستقبلية الريادية التي تمثلها القيادات الشابة في البلدين والتي وضعت رؤى اقتصادية تدفع بالتنمية للاستثمار في الإنسان كأساس لاستمرار الريادة والقدرة على تجاوز الاختبارات الاقتصادية القادمة.
احترام وتقدير حكام الإمارات لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز هو جزء من تلك السمة التي صبغت هذه العلاقة المؤثرة إيجابياً ليس فقط على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة بل في عمق المجتمعين السعودي والإماراتي، فما نراقبه من تلاحم الشعبين في كل المناسبات لم يأتي من فراغ بمقدار ما جاء من واجب الاحترام للدور القيادي للمملكة العربية السعودية وحكامها ثم من مسؤولية الإسناد الصادق لهذه القيادة السعودية، وليس من عجب أن نرى من حكام الإمارات وشعبها هذا الوفاء فهذه الدولة تعلمت على يد زايد واستلهمت منه الحكمة والشجاعة والوفاء لمن يستحق الوفاء.