سيناريو الحوار (الوطني) والرسم على الماء *
يزمع سدنة الفيد ولصوص الثورات غدا الأثنين 18 مارس 2013 افتتاح حوار أسموه وطنيا جاء على خلفية مبادرة لحل ازمة بين اجنحة النظام المتصارعة تقدمت بها دول الاقليم وساندتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وذلك إثر هبة شعبية طالبت بسقوط النظام وأركانه وكل منظومته، ولم تكمل شهرها الاول حتى سطت عليها مراكز النفوذ القبلية والعسكرية والحزبية التي لطالما شكلت شراكة كاملة مع النظام في تقاسم السلطة والثروة وعرقلة أي ملامح لبناء دولة في بلاد اليمن وتناهبت الفيد ( اللاوحدوي) على ارض الجنوب (ج ي د ش) التي وقعت دولته اعلان وحدة مع هذه المراكز المتنفذة في اليمن (ج ع ي) إعلان لوحدة لم تبنَ دولتها ولم تر النور وقوضت اتفاقياتها قبل أن يجف حبر التوقيع ثم قضي على هذا الاعلان بشن الحرب على الجنوب واستباحة أرضه واحتلالها وإخراج شعب الجنوب من معادلة الوحدة التي كان يفترض أن تقوم وبدلا عنها قام احتلال على ارض الجنوب دمر كل ملامح الدولة التي كانت قائمة والتي وقعت على اعلان الوحدة ذاك ليتمدد نظام الجمهورية العربية اليمنية على ارض الجنوب ناهبا أراضيه وطامسا هويته ومهمشا شعبه وعاملا بألات دماره السلطوية المتعددة فيه قتلا وسجنا وتنكيلا.
سيفتتح مؤتمر الحوار اللاوطني في الموعد الذي أجل كثيرا حتى وصل إلى تاريخ 18 مارس.. وحقيقة الأمر في افتتاحه ليست أكثر من مراسيم بروتوكولية مهرجانية اعلامية سينقضي أثرها بعد أيام إذ أن الشواهد على الأرض تفضي لقراءة ملامح سيناريو النتائج التي ستسفر عنها الايام والشهور التي ستلي الافتتاح. فالحوار كمبدأ يعتبر أحد موجهات الفعل المدني سوى في مضمار السياسة أو غيرها.
ولكنه مبدأ ليس منفكا من المعايير والضوابط والركائز بل أن اهميته تكمن في انضباطية ركائزه.
وبقراءة عادية وليست متعمقة سنرى الى أي مدى هشاشة ركائز الحوار الموشك افتتاحه.
ان أول مرتكز واضح والأبرز لهذا الحوار كان المحاصصة.. وهل المحاصصة ركيزة لحوار يراد به نزع فتيل أزمة وبناء دولة مدنية ( تقف المحاصصة كشرط ضدا عليها) وكيف أن المحاصصة هذه لم تضبط بأي معايير تلتزم النوعية والكفاءة والنزاهة وعدم اضطلاع ممثلي الحصص بأي دور أو اشتباه بأسباب الأزمة أو علاقة بمنظومة تقويض بناء الدولة التي انتهجت قبل هذا الحوار ( منذ 21سنة) ومنذ الوهلة الأولى لتشكيل لجنة الحوار الفنية جيء على رأسها بمهندس هزيمة الوحدة عبد الكريم الارياني. صاحب مقولة: (اكلنا الجنوب باقي فقط نهضمه).
عدا أن من شكل اللجنة هو عبد ربه منصور المستخدم الجنوبي لصنعاء في حرب 94 ومازال حتى اللحظة مستخدما.
فضلا عن الرؤوس المتنفذة من منظومة نظام الأزمة التي يتراءى ظلها خلف الستائر وكانت متحكمة في الإعداد للحوار وستتحكم في مجرياته ومحاولة فرض نتائجه ومخرجاته أو تقويضها قبل أن تظهر. والدليل على ما نذهب إليه هو عدم تنفيذ أي من النقاط العشرين التي تقدمت بها اللجنة الفنية والتي كان يمكن أن تشكل ركيزة تحسن موجهات الحوار.
محاصصة المراضاة تلك دفعت الى قائمة المتحاورين بممثلين للحوار هم أصل الازمة وفاعلون أساسيون فيها سواء بشخصياتهم كصادق وحميد الاحمر وأخوانهما أو ممثلين بالوكالة عن اركان النظام واركان دمار اليمن فإذا كان علي عبدالله صالح لن يدخل الحوار فهناك عشرات الصور(النيجاتيف) له وممثلين لحضوره سيكونون على الطاولة وكذلك علي محسن الاحمر والزنداني واحمد علي وشيخ الجعاشن وشيوخ الفتاوى التكفيرية.. واللصوص والقتلة ومجرمي الحروب.
الركيزة الاخرى الاكثر وقاحة في فداحتها وسمسرتها هو ما شاع عن (بدل الحوار) عبر صرف مكافآت يومية للجلسات وبمبالغ يسيل لها لعاب الجاهزين للبيع.
وهي ليست إلا من قبيل شراء الاعضاء ..فكيف يكون حوارا وطنيا بوطنية مدفوعة الأجر، حتى بلغ بأحد المعلقين أن اقترح تشكيل (وزارة الحوار الوطني ) ودفع مرتبات لأعضاء الحوار الموظفين فيها.
أن الهشاشة التي تكتنف إجرائيات الحوار عدا عن غموض توجهاته وركاكة وهزالة ممثليه، وجذوة الصراع الذي لم ينزع فتيله ومازال ناره تتأجج تحت رماد الاعداد المهرجاني.والقفز على جذور وحقائق الازمة الحقيقة في صنعاء.
والقفز على جوهر قضية شعب الجنوب وثورته ومطالبته بحقه في الاستقلال واستعادة الدولة الكاملة السيادة والتأكيد ضدا على ارادته بأن الحلول ستكون تحت سقف الوحدة غير الموجودة اصلا. وتزييف تمثيله بشخصيات لاتمت للثورة الجنوبية السلمية التحررية وقضيتها ولا تمثل شعب الجنوب بل تمثل نفسها وخياراتها الشخصية أو الحزبية أو الانتهازية. كل ماسبق واكثر يرشح لسيناريو حوار مهيض مجروح ومخرجات باهتة ان لم تكن كارثية.
إن قراءة المشهد الحواري القادم ستصل بقارئها الى استنتاج استباقي تؤكده شواهد اروقة الحوار والواقع المحيط خارج جدران اجتماعاته. بما مفاده أن الحوار سينتهي بريق ألقه المهرجاني الافتتاحي بعد اشهر قليلة من بدء الحوار، إن لم يكن بعد اسابيع. وستبدأ الخلافات وسنسمع عن احتجاجات تعقبها انسحابات وتأزيم وعرقلة ..( قد اعلن عن انسحاب بعضها اثناء كتابتي لهذا المقال وقبل ألافتتاح بيوم واحد) وعلى طريقة الترقيع والتوفيق الزائف مع اهمال وترك جذر المشكلة - الأزمة مفتوحا، التي لطالما نهج عليها نظام الفيد اليمني ستصعد الخلاف بين اجنحة وفرق وكنتونات المتحاورين ستشكل لجانا مصغرة للحوار لحل مشكلة الحوار!!! وقد يتطور الامر إلى مواجهات مسلحة وصراعات لايمكن السيطرة عليها بقصد عرقلة الحوار عند البعض إن لم يستطيعوا السيطرة على توجيهه وضمان نتائجه التي يزمع واضعو اجندة الحوار وداعمو مبادرته أنهم يريدون الوصول اليها نتائج بناء دولة مدنية هي في الاساس ضدا على وجود اجنحة النفوذ القوية داخل الحوار والتي تتناقض وتاريخهم الفيدي النهبوي وتهدم مصالحهم وتقلص نفوذهم وبالتالي فمن مصلحتهم أن لا ينجح الحوار وسيضعون كل ما يستطيعونه من عراقيل لتمطيط مدته التي قد تمتد سنوات ( ولدينا تجربة من لجنة الحوار الوطني بنفس المسمى التي اعلنت من اجل التوافق بين من اسموا انفسهم بأحزاب المعارضة حينها والنظام وقد سد افقها وعرقل عملها وانتهت بهبة المطالبة بالتغيير والباقي يعرفه القراء) . بعد ذلك ستتوالى الانسحابات ولعل المشاركين الجنوبيين سيكونون أول المنسحبين أن لم يكن بقصد الاحتجاج فأنه بقصد إظهار موقف قوي من قضية شعب الجنوب وإظهار اصطفاف يصدرهم أو على الاقل يعيدهم مجددا ضمن المشهد الشعبي في الجنوب. خصوصا أن العسف الأمني والعسكري ستزداد حدة ممارسته وقتله وتنكيله بشعب الجنوب . ومن ناحية أخرى ادراك الذاهبين إلى الحوار من الجنوبيين ومنذ البدء في قرارة أنفسهم أن لا فائدة من هذا الحوار ويعلمون مسبقا نتائجه مادام سدنة الفيد ومحتلو الجنوب وناهبوه هم المتحكمون بمراكز القوى والنفوذ في صنعاء ( العربية اليمنية الشقيقة) وان قوى التغيير الحقيقية التي يعول بعض الواهين الواهمين عليها قد أقصيت ( كالعادة) من المشهد الحواري والوطني الشمالي بشكل عام. بل أننا من الآن نرى التردد والتذبذب في الخطاب بين من اعلنوا المشاركة بل أن بعضهم انسحب ومرشح أن ينسحب آخرون في مقابل التصاعد الثوري والتصعيد الشعبي في الجنوب وقطيعته الباتة مع أي منتج سياسي شمالي وقطيعته بعدم المشاركة في هذا الحوار عبر مليونياته وفعالياته في كل اراضي الجنوب. وأن من يشارك ليس سوى خائن لدماء الشهداء وأنات الجرحى والمعتقلين ونحيب الثكالى.. وأن المشاركين ليسوا اكثر من حفاري قبور لشعبهم ووطنهم وقضيتهم وأنهم يقومون بدور الغراب المرشد الى طريقة دفن أخيه كما جاءت في الآية الكريمة لقصة هابيل وقابيل.. فهل يرتضي هؤلاء لأنفسهم هذا الدور وكم سيصمدون داخل دور مرشد القبور هذا؟.
في نهاية السيناريو فإن إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين ليس بالقريب هو الوضع الاكثر أمانا وحماية لمراكز وقوى النفوذ في صنعاء لذا فإن بقاءه هو المهمة التي سيصطنع لها سدنة الاحتلال طرقا وأدوات من أجل الحفاظ على وضعهم وسيطرتهم ... غير أن هناك كلمة فصل ستقولها اطراف أخرى متمثلة في رعاة المبادرة الإقليميين والدوليين الذين لهم مصالحهم وتعامدات خطوطها داخل هذه الجغرافيا ولن تظل هذه الإطراف متفرجة ولديها سناريوهاتها التي تخدم انسياب مصالحها والحفاظ على أمن الاقليم والعالم بشكل عام.
* هدى العطاس كاتبة وأديبة وناشطة سياسية