من غير شك أن إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي قد جاء ليلبي حاجة موضوعية جنوبية كان الجنوبيون قد انتظروها جميعا منذ عقد من الزمن ويزيد، وليس من باب المصادفة أن الأخ عيدروس الزبيدي كان قد توجه بدعوة سابقة لإنشاء كيان سياسي جنوبي قبل ما يقارب عام وهو في مركز السلطة المحلية في محافظة عدن قبل أن تبدأ الحملة المغرضة ضده ، ويأتي هذا ردا على تلك الأقاويل التي تصور قيام المجلس الانتقالي الجنوبي وكأنه جاء انتقاما لإقالة الأخ عيدروس وزملائه من وظائفهم العابرة.
وعلى العموم فقد قوبل تشكيل المجلس الانتقالي بزخم شعبي كبير عبر عن تلك الحاجة الموضوعية وعن ذلك التعطش لقيام كيان سياسي جنوبي يوحد صفوف الجنوبيين ويعبر عن قضيتهم ويقدمها للمجتمعين الإقليمي والدولي، وقد جاءت تظاهرة الواحد والعشرين من مايو لتؤكد ذلك الالتفاف الجماهيري العريض حول المجلس.
لقد نال المجلس حقه من التأييد الشعبي وعلى الذين لم يستوعبوا الفكرة ولم يستطيعوا التعايش معها أن يعيدوا توطين هذه الفكرة في قناعاتهم وأن يتعاملوا مع القضية كحقيقة غير قابلة للمصادرة والإلغاء، وأن يتقبلوا الأمر ويتعاملوا مع المجلس كعنصر فاعل في كل المعادلة السياسية المستقبلية حتى وإن لم يناسب رغباتهم وتمنياتيهم.
الآن انتهت مرحلة التأسيس والاحتفاء ولا بد من الانتقال إلى العمل الجدي، وأقصد هنا مأسسة المجلس واستكمال تكويناته، وهنا تنتظر من هيئة رئاسة المجلس عددا من الخطوات العملية ليتحول المجلس من هيئة رئاسة فقط إلى مؤسسة سياسية مكتملة البنيان فاعلة الحضور متناسقة الخطوات، وهنا تأتي التحديات الحقيقية التي ينبغي على المجلس الاضطلاع بها.
إن التحديات التي تنتصب أمام هيئة رئاسة المجلس عديدة ومعقدة لكنني يمكن أن أشير إلى اهمها في اللحظة الراهنة دون إغفال ما يمكن أن تفرضه المراحل اللاحقة من متطلبات وخطوات يمكن تناولها في حينها:
١. استكمال بناء هيئات المجلس:
وتأتي في مقدمتها تشكيل المجلس نفسه فما أعلن حتى اليوم هو هيئة رئاسة فقط، وفي نظري ان على هيئة الرئاسة أن تشرع في فتح باب الحوار مع الشركاء السياسيين الذين يمكن ان يساهموا في عضوية المجلس لتوسيع قاعدته من ناحية ولتحقيق مزيد من الانفتاح على بقية القوى ذات الحضور والتأثير الفاعل على الساحة الجنوبية والتي تشارك مكونات المجلس القواسم المشتركة التي يرفعها الجنوبيون كمهمات ملحة ومستقبلية.
٢. بناء الهيئات المتخصصة للمجلس
فهيئة الرئاسة أو حتى المجلس المنتظر إعلانه لا يمكنهما القيام بكل الانشطة دون هيئات وأقسام متخصصة في القضايا المختلفة فالمجلس بحاجة إلى دوائر او هيئات أو لجان: تنظيمية وإدارية وسياسية وإعلامية وإقتصادية وقانونية . . . إلخ وهذه الهيئات لا بد ان تظم كوادر متخصصة كلاً في مجال عمله.
ومع إنني لأ اميل إلى التضخيم الإداري وتوسيع دائرة البيروقراطية المكتبية بيد ان هذه الهيئات تمثل حاجة ضرورية في هذه المرحلة وهي حاجة قابلة للتحسين والتطوير والمراجعة تبعا لما تقتضية المراحل اللاحقة من تحديات.
٣. الشروع في إعداد الوثائق الاساسية لعمل المجلس واهم وثيقتين ينتظر ان ينجزهما المجلس هما: اللائحة الداخلية لعمل المجلس والتي تمثل نظاما داخليا يحدد المهمات الداخلية والبناء الداخلي والحقوق والواجبات والعلاقات الداخلية بين هيئات المجلس؛ والبرنامج السياسي للمجلس والذي يفترض أن يحدد الاهداف الاستراتيجية والمهام التكتيكية للمجلس ووسائل وأدوات عمله وحلفاءه وشركاءه والمهمات الراهنة (العاجلة) والمهمات المستقبلية (الآجلة) وغير ذلك من القضايا المتصلة بعمل المجلس السياسي.
٤. الاتصال والعلاقات الخارجية: لقد ظلت القضية الجنوبية منذ العام ١٩٩٤م مقطوعة الاتصال بالعالم الخا جي واقتصر هذا الاتصال على عدد من الانشطة المحدودة والتي غالبا ما كانت تتم في أجواء من التكتم والتعتيم الإعلامي كما ساهمت الحملات الإعلامي الممنهجة من قبل نظام ٧/٧ في شيطنة كل حديث عن الجنوب والقضية الجنوبية وهو ما خلق حالة من الفوبيا حتى لدى تلك الأوساط المناصرة للحرية في البلدان الديمقراطية واليوم فإن الأوان قد آن لتقديم القضية الجنوبية بمضامينها الوطنية والسياسية والقانونية والإنسانية للعالم بمستوييه الإقليمي والدولي إذ إن المؤازرة الإقليمية والعالمية مهمة لانتصار اي قضية إذ لا يكفي ان تكون القضية عادلة لتنتصر وتحقق ما يتطلع إليه الجماهير منها بل لا بد لها من اعتراف ومؤازرة إقليميين ودوليين والقضية الجنوبية تمتلك كل المقومات التي تمنح مناصرة العالم إذا ما لاقت التسويق اللائق بها من قبل القائمين على المجلس الانتقالي وهيئاته.
وللحديث بقية