بعد حرب الخليج الثانية 1991م حصلت على فرصة المشاركة في صياغة ترجمة رواية جورج أورويل التي حملت عنوان (1984)، وفيما تحولت هذه الرواية لحديث العالم وأصبحت العنوان الأكثر طلبًا بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فالرواية تسرد قصة عن زوجين ناضلا ضد مجتمع مرير، به عديد من العناصر التي ستفاجئ القارئ بمدى استبصارها، فقد كان وصف أورويل للازدواجية وهي القدرة والحاجة للتصديق التام بفكرتين متناقضتين في نفس الوقت، مناسبًا جدًا للرئيس الذي يعتقد أن هناك ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين صوت انتخابي (باطل)، وفي نفس الوقت، يرى أن فوزه في تلك الانتخابات شرعي وعادل تمامًا.
الرواية نشرت في 1944م وهي تتطابق مع أحداث معاصرة في هذا الزمن بشكل مذهل وكانت الرواية هي رد على تساؤل نويل ويلمت «إن كانت الشمولية وعبادة القائد في تصاعد حقًا»، بالنظر إلى عدم نموهما في إنجلترا والولايات المتحدة، أوضح أورويل في روايته أفكاره، التي قادته بعد ذلك إلى 1984 كأكثر الأعمال الأدبية التي حازت على اهتمام أجيال متعاقبة، وهي تذكر إطارًا واضحًا لمآلات ما حدث ويحدث في الشرق الأوسط منذ 2011م فيما يُسمى (الربيع العربي) باستشراف عجيب.
مما ورد في الرواية هذا النص: «يجب أن أقول إنني أؤمن أو أخشى، أن هذه الأشياء تتصاعد في العالم بشكل عام، سيختفي هتلر قريبًا بلا شك، ولكن على حساب ازدياد قوة: أ- ستالين، ب- المليونيرات الأنجلو أمريكيين، جـ- كل أنواع الفوهررات القادة التافهين ضيقي الأفق من أمثلة ديغول، جميع الحركات القومية حتى تلك التي ولدت لمقاومة الهيمنة الألمانية، يبدو أنها تتجه لاتباع نُظم غير ديمقراطية، وإلى حشد أنفسهم حول قائد فوق البشر (هتلر، ستالين، سالازار، فرانكو، غاندي، دي فاليري كل هؤلاء هم أمثلة متعددة)، متبنيين نظرية أن الغاية تبرر الوسيلة.
يبدو أن العالم كله يتحرك باتجاه الاقتصاد المركزي الذي يمكن أن ينجح من الناحية الاقتصادية، ولكنه ليس منظمًا ديمقراطيًّا، وعادة ما يؤدي إلى إنشاء نظام طبقي يصاحب ذلك أهوال القومية العاطفية والميل إلى عدم الإيمان بوجود الحقيقة المجردة، إِذ إن جميع الحقائق يجب أن تتناسب مع كلمات ونبوءات فوهرر معصوم.
من ناحية ما لم يعد التاريخ موجودًا، ليس هناك تاريخ لأوقاتنا الحالية يمكن قبوله عالميًّا، والعلوم الدقيقة مهددة بالانقراض حالما تتوقف الحاجة العسكرية لإبقاء الناس جيدين بما يكفي، يستطيع هتلر أن يقول إن اليهود هم من أشعلوا الحرب، وإن انتصر، سيصبح هذا هو التاريخ الرسمي، وذلك هو ما نتجه إليه إلى الآن - كما أرى- إلا أن هذا النهج يمكن عكسه بالرغم من ذلك.
أما بالنسبة للحصانة النسبية التي تتمتع بها كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من الأقوال الممكنة لدعاة السلام...إلخ، فنحن لم نصبح شموليين بعد، وهذا عرض مبشر للغاية.
أؤمن بشدة كما أوضحت في كتابي «الأسد ووحيد القرن الخرافي»، بقدرة الإنجليز على الوصول إلى الاقتصاد المركزي من دون تدمير الحرية في الطريق إلى ذلك، لكن على المرء أن يتذكر أن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لم يعرفا الهزيمة أو شدة المعاناة، وهناك بعض العوارض السيئة التي قد تتساوى مع الجيدة.
هناك حالة عامة من عدم الاكتراث لتآكل الديمقراطية، هل تدرك أنه ما من صوت انتخابي في إنجلترا لأي فرد تحت 26 عامًا وبالتالي يمكن للمرء أن يرى أن كتلة كبيرة من الناس في هذا العمر لا يأبهون مطلقًا لهذا؟، ثانيًا: هناك الحقيقة بأن المثقفين أكثر شمولية في استشرافهم عن عامة الشعب بشكل عام رغم معارضة النخبة الإنجليزية المثقفة لهتلر، مقابل دعمهم لستالين، فإن معظم هذه النخبة مستعدة تمامًا للطرق الديكتاتورية، الأمن السري، التزييف الممنهج للتاريخ طالما كان هذا في صالحنا.
حقيقة عدم وجود حركة فاشية في إنجلترا حتى الآن تعني أن الشباب يبحثون عن فوهرر آخر في مكان ما، لا يستطيع المرء الجزم بأن هذه الفكرة لن تتغير، أو أن تفكير عامة الشعب لن يصبح بعد عشر سنوات كتفكير النخبة المثقفة الآن، أتمنى ألا يحدث ذلك، بل أؤمن أنه لن يحدث، لكن إن حدث فسيكون ثمنًا للصراع.
إن نادى أحدهم بأن هذا الأفضل دون الإشارة إلى الأعراض الخبيثة المصاحبة، فإنما هو يساعد على الاقتراب من الشمولية.
تتساءل أنت أيضًا إذا كان العالم يميل نحو الفاشية، فلماذا أساند الحرب؟ لأنه أخف الأضرار، وأعتقد أن كل حرب إنما هي كذلك، أعرف ما يكفي من الإمبريالية البريطانية لكيلا أحبها، لكنني سأدعمها ضد النازية والإمبريالية اليابانية كالضرر الأخف، بالمثل سأساند الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا، إِذ إنني أعتقد أن الاتحاد السوفيتي لن يستطيع الفرار من ماضيه أو الاحتفاظ با يكفي من أفكار الثورة ليصبح ظاهرة أكثر أملاً من ألمانيا النازية.
أعتقد منذ بدأت الحرب في 1936 أننا نملك القضية الأفضل، لكننا يجب أن نجتهد في جعلها أفضل عن طريق النقد المستمر».