- جواب لمن يسأل عن الهدف الخفي من هذه الحلقات؟-
الجواب باختصار :
أن الله أعطى رسوله محمداً صلوات الله عليه وآله بعض الخصائص وكثّرها وأثقلها على المنافقين في عهده حتى يتم الوعد الإلهي ({مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } [آل عمران: 179]
- والإيمان في الآية هو الإيمان العام الذي فيه الخبيث والطيب-
هذا الوعد إلإلهي لابد أن يتحقق في ( المؤمنين = كما في الآية) وأن تفرز من هذه الجماعة ( العامة) قسمين: خبيثاً وطيباً.
وحتى يتحقق الوعد الآخر العام للناس عامة، بفرز الصادقين في الاتباع من الكاذبين ({أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 2، 3]..
وكذلك ({وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)} [محمد: 31]..
وهكذا
عدة وعود إلهية علنية أخبرنا الله بها ولم يكتمها، وهي في صلب سنته الأزلية ( الابتلاء والفتنة والتمحيص والاستدراج .. الخ) ولا يمكن أن تتحقق هكذا إلا بمجموعة ( اختبارات وابتلاءات) ثقيلة على النفس
كان منها منها منح النبي خصائص ومزايا ،
ربما لا يريدها هو
لكن الله يريدها لأنها من أنجع السبل في تمييز الخبيث من الطيب، الكاذب من الصادق، الصابر من المتربص، الثابت من المذبذب، المجاهد من القاعد، سليم القلب من مريضه، الخ
هذه سنة إلهية قديمة ولن تنقطع
من أيام السجود لآدم
إلى آدم والشجرة
إلى ابني آدم
إلى قوم نوح
هكذا سائر أقوام الأنبياء وسنستعرضهم واحداً واحداً..
ويستحيل أن تنجو أمة محمد من هذه ( التمحيصات والابتلاءات) إذ أنها من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول فماذا ينتظرون؟ ({فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } [فاطر: 43]
وهذه السنة ( الابتلاء) فعالة جداً في استخراج هذا الكبر وفروعه من غرور وحسد وطمع وحرص ..الخ.
والنفوس هي مقصد الله لا الأجساد..
وغفلة الإنسان عن هذه السنن الإلهية يجعله مطمئناً، فهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويفعل الواجبات ويجتنب المحرمات.. وهذا يكفي !
كلا /
أخبرك الله أنه لا يكتفي بهذا الإيمان، ولابد من فتنة وتمحيص..
لكن الشيطان وأولياؤه جعلوك تنسى وتطمئن
يريدونك أن تكون مطمئناً حتى لا تراقب مواطن الابتلاء والتمحيص،
يريد الشيطان أن يأتيك من حيث أتُِيَ هو،
فالشيطان لم يؤتَ من قلة عبادة ولا من ارتكاب محرم، إنما أُتِيَ من كبره وحسده ...
لذلك كانت هذه المقالات التي تراقب هذه الأمراض القلبية ( الكبر/ الغرور/ الحسد/ العجب/ الفخر/ الكبراء/ حب العلو/ ...الخ)..
وق بدأنا بذكر ابتلاء الله للملائكة
ثم لآدم
ثم لابني آدم
ثم قوم نوح ...
وسنكمل، ونرى أن سنة الله في مراقبة هذه الأدواء واستخراجها عبر تشريعات وخصائص ومزايا تجعل المتكبر يفضل جهنم على التسليم
({وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) } [الأنفال: 32، 33]..
وهذا هو خيار إبليس نفسه، النار ولا العار! كبراً وعلواً وحسداً ..الخ
لذلك يجب التنبيه على أن إهمالنا لهذه السنن الإلهية هي من تزيين الشيطان ومكره لتجهيلنا بالمصادر الأولية التي انتجت فيما بعد كل هذا الفساد في الأرض.
من التفرق والاختلاف وما صحبه من سفك للدماء وتظالم وتخلف وعداوة وبغضاء وفساد نفوس وذل وعمى ..الخ.
وسنواصل تتبع هذه الأدواء في قصص الأنبياء مع أقوامهم، إلى أن نصل إلى النبي محمد صلوات الله عليه وعليهم مع قومه من كفار ومنافقين ومؤمنين ... الخ
،وسننظر كيف فعل الله وكيف محص الكافرين والمؤمنين على حد سواء،
وكيف كفر الكفار
ونافق المنافقون
وأشرك المشركون
وتربص المتربصون
وشك أقوام وترددوا
وكفرآخرون بعد إيمانهم ..
وما سبب ذلك كله..
لا سيما وأن هؤلاء كلهم كان بجوار نبي كريم؟!
أليس رحلة علمية معرفية في داخل هذا الإنسان؟
قد تتولد المفاسد العظيمة لخبث من القلوب الصغيرة،
كما تكون هذا الكون كله من انفجار جسيم صغير ...
لا تستهينوا بصغار الأمور فما أخرجنا من الجنة إلا نية حريصة.
*بقلم الشيخ حسن بن فرحان المالكي - باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان – الرياض
*- للاطلاع على الجزء السابق على الرابط التالي : اضغــــــط هنــــا