كل الأحداث اليمنية الواقعة منذ أن تحرك الحوثيين عسكرياً في مارس 2014م لم تجد عند الولايات المتحدة الأمريكية مسوغات لإجراء سياسي كما فعلت عندما أعلنت عن إجلاء طاقم سفارتها في صنعاء،
وعلى الرغم من حجم الأحداث المتوالية والتي لا يمكن إطلاقاً تجاهل خطورتها الأمنية والسياسية بفعل ما يحدثه الحوثيين من تحركات أدت إلى إسقاط المبادرة الخليجية واستبدالها باتفاق السلم والشراكة، وهو الاتفاق الذي لم يصمد بعد إسقاط حكومة خالد بحاح ومحاصرة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في القصر الرئاسي، كل هذا جرى أمام أعين السفير الأمريكي وبرعاية من المبعوث الأممي جمال بن عمر، ولم تعلن الولايات المتحدة أي إجراء حيال ما يجري من تفاصيل انقلاب على الشرعية السياسية بموجب القرارات الأممية، وهنا نستدرك القراءة العميقة جداً في ردة الفعل الأمريكية وهي القوة النافذة في العالم والشرق الأوسط.
المشهد السياسي المرتبك في اليمن لم ينشأ نشوءاً متأخراً، بل هو قديم وإن لم تكن الولايات المتحدة حاضرة في تفاصيل اليمن الدقيقة، ومع هذا فإنها كانت حاضرة وصاحبة القول الفاصل في حرب صيف العام 1994م عندما نشبت حرب الانفصال بين الشمال والجنوب واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية قراراً بدعم قوات صنعاء وتتحالف ضمنياً مع الجهاديين وحركة الإخوان المسلمين من أجل تصفية جيب من جيوب المعسكر السوفيتي والذي كانت تمثله عدن كعاصمة لليمن الجنوبي، وإن كنا نتفهم الموقف الأمريكي آنذاك، ولكن لا يمكننا أن نتعاطى مع مواقف أخرى تبرز منها تفجير المدمرة (اس اس كول) عام 1998م بمقربة من ميناء عدن وهي الحادثة التي تبناها تنظيم القاعدة المتشدد، كما أن الحملة العسكرية التي شنها عناصر المارينز مطلع العام 2002م لتعقب العناصر الإرهابية التي فرت بعد الهجوم الأمريكي على أفغانستان عقب هجمات سبتمبر 2001م، فهذه الحملة المشتركة كانت أشبه ما يكون (مشهداً سينمائياً) غايته إظهار ابن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أمام وسائل الإعلام.
لم ينتهِ الغموض في استفهام الإرادة الأمريكية عند هذا الحد، فالطائرات الأمريكية التي طاردت عناصر القاعدة في اليمن لم تنجح في تحجيم انتشار العناصر المتطرفة، كما أن الولايات المتحدة تركت للجيش اليمني أن يخوض معركته الواسعة في محافظة شبوة وحيداً، بل إنها كانت تراقب اللجان الشعبية وهي تقوم بتطهير محافظة زنجبار جنوب اليمن من عناصر القاعدة في واحد من أكثر الأحداث لفتاً لاهتمام المتابع.
كل هذا يقودنا إلى قراءة في جانب آخر للنظر في المصالح الإستراتيجية الكبيرة لواشنطن في اليمن، وهي محددة بشكل واضح في ثلاث مناطق هي جزيرة سقطرى لما تمثله من موقع يشرف على باب المندب والقرن الإفريقي مما يمكن من مراقبة حركة الملاحة في جزء مهم من العالم، كما أن المناطق النفطية في بلحاف تمثل للولايات المتحدة أهمية واسعة فهي الحيز الجغرافي الذي يرفد الفرنسيين بثمانية مليارات دولار عبر شركة توتال الفرنسية، وهذا يمثل صراعاً يتجاوز اليمن إلى ما هو أبعد وأشمل في ميزان القوة العالمي، كما أن قاعدة العند هي واحدة من أهم القواعد العسكرية في المنطقة، وهي كانت ومازالت موقع متنازع عليه منذ الحرب الباردة، هذه هي المصالح الأمريكية الكبرى في اليمن، وهذه المصالح جميعها تقع في الجنوب، وهذا يفسر من جهة أخرى تعاطيها مع الشماليين وغض النظر عن تجاوزاتهم، فهي معنية بهذه المصالح وحمايتها وليست في طور إشكال بأن تتحالف (ضمنياً) مع الرئيس المخلوع صالح أو تتعاطى مع الرئيس المعين هادي أو تترك للحوثي المساحة ليمارس ما يشاء متى ما بقي بعيداً عن تهديد لمصالحها.
* هاني سالم مسهور - الرياض
* الجزيرة السعودية