النور هو رمز الصفاء والحب والتسامح والاستقرار، بل هو معبر عن الانفتاح والتطور والانطلاق إلى فضاء العصر الجديد، يقال “نوّر الله وجهك” دعوة حميدة لتكون بشوشا حيويا، ودائما يرتبط النور بالملاك والطهارة، والنور يضيء طريق المستقبل، فالعلم نور والجهل ظلام، والظلام هو السواد القاتم لا يعشقه سوى اللصوص والعصابات ودعاة الرذيلة، أعوذ بالله من ظلام القلب والعقل فإنه مصدر التعاسة، وعندما تمنع النور ليضيء العقول تسقط القيم وتنحط الأخلاق كقول الشاعر أحمد شوقي: “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا” فتخيل عدن الحبيبة وهي مضاءة بعقول أبنائها التي تنهل ما تشتهيه من علم ومعرفة بآفاق أوسع، والمعلومة متاحة والحقائق محررة، وما أجمل حرية التفكير والعقل، عدن من دخلها تحرر فكرا وروحا وقناديلها التي تضيء المدينة تشعرك بالسعادة والبهجة، وتراها كحبات اللؤلؤ والمرجان التي تعكس مياه بحرها الصافية الضوء بألوان قوس قزح يدهشك ترابط خيوط أنوارها معا مشكلة منظرا بديعا يسر الناظرين، ويسعد الزائرين، هذه هي عدن التي عرفت نور العلم والمعرفة رسميا، وكانت أول مدرسة عربية تم افتتاحها في منطقة المعلا سنة 1879م وتلتها مدرسة التواهي 1880م والشيخ عثمان سنة 1882م واستمر افتتاح المدارس وانتشار العلم والدراسة.
واستدعى ذلك ضرورة إنشاء دائرة المعارف في عدن سنة 1938م وعين السيد (انتبرو) مديرا لها، ومنذ ذلك الحين أصبح التعليم نظامياً، وعرفت عدن التعليم الجامعي مبكرا، حيث تم تأسيس كلية التربية العليا في عام 1970م وكلية ناصر للعلوم الزراعية في عام 1972م الحلقة الأساسية لانطلاق جامعة عدن في وقت كان سكان دول الإقليم يعيشون ظلام الجهل وغياب العلم، وكانت أمنيتهم زيارة عدن أو السكن والتعلم فيها، إنها بذرة حضارية طيبة غناء تشع علما ومعرفة في صحراء وجبال يعشعش فيها الجهل والتخلف والحروب والأمراض وكل خبائث ذلك الزمان.
عدن هذه المدينة العريقة التي يعتز بها كل من عاش ونما فيها وكل من درس في مدارسها وشرب لبن الصباح الذي كان وجبة ملزمة في الطابور الصباحي يقدمه لنا الساعي السلامي، ونتسلم كراسات وأقلاما وكل أداوت التعليم بالمجان من إدارة المدرسة، كل من فطر من بعد صوم على صوت مدفع رمضان من إحدى قمم جبل شمسان، وتسحر على طبلة المسحراتي الذي كان يجوب الشوارع للتذكير بالسحور، كل من شارك في زيارة الهاشمي والعيدروس و(أبو الوادي) والشيخ إسحاق، ولعب بمراجيح هذه الزيارات واستمتع بما يقدمه الحاوي من خدع للمشاهدين في خيم هذه الزيارات، كل من زار السيرك (الشركس) الذي كان يزور عدن من حين لآخر ويقدم ألعابا وخدعا، عرفنا وقتها كل أنواع الحيوانات من الفيلة والأسود والنمور والثعابين الكبيرة التي كان بعضها موجودا في أول حديقة حيوان في الجزيرة بعدن وهي بستان عبدالمجيد، عدن التي عرفت سينما بلقيس والبينيان والأهلية ومستر حمود واحتضنت الاحتفالات والمهرجانات في شوارعها والمسرح الوطني، عدن كانت قلوب ساكنيها لا تعرف الحقد ووجوههم لا تعرف التجهم، كنت ترى الابتسامات والوجوه الضاحكة والنفوس الصافية.
تخيل أخي العزيز اليوم الفرق الشاسع ثقافة وسلوكا وفكرا، وليس هناك ما هو أسوأ من أن نرى دور العلم والمعرفة تغلق بحجة النضال!. كم ناضل أباونا وأجدادنا ضد المستعمر، ولم يغلقوا باب العلم، بل كان نضالهم هو العلم والمزيد من انتهال العلم، والعلم هو النور لطريق مستقبل وضاء ومشرق، فكيف نغلق هذه النافذة؟!، علينا أن نركز كل جهودنا للعلم والثقافة والفكر المتحرر وقبول الآخر والتعايش والحب وكل القيم النبيلة التي تخلق مجتمعا غنيا بالإنسانية، ونبذ العنف والكراهية والصراعات السلبية.
اليوم تحدثني إحصائيات كارثية عن انتشار المخدرات والجريمة ومضغ القات حتى الفجر في الشوارع والأزقة والاستيلاء على الأراضي وبيعها والتحايل، وكل ضحايا وأدوات ذلك شباب يحملون السلاح باسم النضال، وهم معروفون بأسمائهم وصفاتهم وأسرهم وتوجهاتهم.. إنها أصابع العبث بعدن وأمنها.
لكن عدن أبية وصعبة المنال وعصية على المتآمرين واللصوص، عدن ستعود عدن - بإذن الله - بفضل رجالها الأوفياء وبفضل مخرجات الحوار التي جعلت لعدن خصوصية كإقليم لتعود عدن مركزا تجاريا وميناء حرا ومركزا تنويريا وثقافيا لكل الوطن - بإذن الله - عدن ستستعيد مجدها وستجدد شبابها وستطرد اللصوص ومصاصي رحيقها ومن يستمتعون بظلامها وظلمتها، سيأتي من يضيء جبل شمسان، سيأتي أبناؤها من كل حدب وصوب لبناء عدن والمساهمة في استعادة روحها القديمة بحلتها الجديدة، عدن هي مصدر خير للوطن وآلامه، من عدن سنطرد الفساد والمفسدين والمتآمرين، من باعوها قطعا قطعا، وقسموها أسوارا وعزبا وهم لعدن معروفون.
إلى كل يمني جنوبي غيور وعدني محب لوطنه عدن تستدعيكم وتمد لكم يديها لتنهضوا بها من مستنقع الفساد والدمار والانهيار، فهل من مستجيب دون أن يفكر ماذا سيستفيد من عدن، بل ماذا سيفيد عدن.