الكل ينوح ويتباكى على ما آلت إليه الأمور في اليمن، والكل يرمي الكرة للآخر، وهناك شعب بينهم مظلوم ومقهور ومحروم هو الضحية، وعلى رأسه تتوالى الضربات الموجعة، الكل يصرخ ضد الفساد والفاسدين والنافذين، والإرهاب والإرهابيون يتقاتلون ويرمون البعض بالصواريخ والراجمات ويتركون خلفهم ضحاياهم من الأبرياء ثم يتباكون عليهم ويتفننون في أوصاف الجرائم والتعازي ويسيرون في جنائزهم، يضرب فيهم المثل القائل “يقتلون القتيل ويمشون بجنازته” وهم من قتلوه أو برروا قتله أو ساهموا في ذلك.
من يتابع إعلامنا من قنوات وصحف ومواقع إلكترونية يتوه في كم هائل من المغالطات والتجاذبات لتشويش الصورة الحقيقية.. وتصوروا أن رؤوس الفساد قنواتهم تبحث عن محاربة الفساد!؟، وقوى النفوذ والعنف تبحث عن استئصال النفوذ ورفض العنف!؟، إنها مفارقات عجيبة، كمن يبحث عن شيء وهو فيه، إنها خيبة العذر وعقم الغاية!.
الفساد منظومة تأسست منذ سنوات بعمر حكم النظام السابق الذي لايزال يحكم في عمق الدولة، وهو نتاج للسلطة المطلقة التي أنتجت قوى نفوذ سيطرت على مفاصل الاقتصاد ومصدر القرار وتحولت إلى قوى فساد متوغلة في مفاصل الدولة وإلى الآن لازالت تحتمي بالوطنية والإرادة الشعبية المزورة.
ثارت الجماهير في فبراير 2011م وركب الثورة جزء من قوى النفوذ والتسلط وتناحر مع خصومه المنشق عنهم، وكان الشباب هم الضحايا والمواطن البريء من كل الأطراف وأرادت الجماهير تصحيح مسار ثورتها بجبهة إنقاذ الثورة فاستغلها الطرف الآخر ووجد ضالته في الحوثي، وخططا معا للانقلاب على ثورة الشعب الشبابية بثورة مضادة لطمس الثورة التي فرضت عليهم مبادرة وحوارا واتفاقيات ومخرجات يتملصون منها وقيدتهم، وها هم يعبثون بالوطن ويمسخون منجزات الثورة الشعبية الشبابية الحقة من مخرجات حوار وبناء الدولة التي يعيقونها.
أي ثورة همها الأساسي البحث عن خصومها وتصفية ثأراتها القديمة لا تعتبر ثورة شعبية، والثورة الشعبية قائدها يبرز من الميدان ومن أوساط الجماهير المضطهدة لا يتربع عليها سيد موروث بالسلالة والمقدس ويطاع بأمر الله ومن يعارضه فقد كفر ويقام عليه الحد، ثم إن الثورة لا تفجر المباني وتهد المنجزات وتنهب الثروة والسلاح وترسله لرقعة جغرافية محددة كحدهم المناطقي الطائفي المذهبي، سمها ما شئت.
باختصار إنها تجاذبات نفوذ الأمس لوبي الفساد ناهبي الثروة والمال من ذهبوا ومن هم باقون على مفاصل الدولة العميقة المعاقة بهم، ولمحاربتهم واجتثاثهم وتجفيف منابعهم علينا استعادة هذه الدولة وترسيخ أركانها على أسس مخرجات حوار أجمع عليها الجميع، ومن يرفضها هم رؤوس الفساد وحماته مهما أطلقت عليهم من تسميات شعبية ثورية، فإنها لزوم المغالطة والخداع.
الدولة هي الكيان الشرعي الوحيد الذي يدير البلد ويحمي كيانه ويحارب كل الأمراض الفتاكة الملصقة على جسده وفق نظام وقانون ودستور يشرع كل ذلك دون فوضى واجتهاد يسمح لكل من هب ودب أن يكون دولة داخل الدولة وفق نظام وعرف يشرعه لذاته وفق أهوائه وقناعاته التي لا تلبي قناعات وآمال الجميع.
ما الذي يمنع من ترسيخ أركان الدولة وتقويم أعمدتها التنفيذية والرقابية والتشريعية لنعمل معا وفق دولة ومؤسسات شرعية مهنية على أسس علمية مدروسة ومتوافق عليها ومستفتى عليها من قبل كل فئات الشعب في الدستور الذي يكاد يجهز في الأيام القادمة بحيث لا ضرر ولا ضرار، والكل شركاء، وقانون ودستور يحكمنا بعيدا عن الأعراف والتقاليد والسيد والشيخ والنافذين.
عليكم أن تعوا أن الوطن للجميع وأنكم لستم مميزين واصطفاكم الله على البشر، فقد خلقنا الله سواسية لا فرق بيننا سوى بالعلم والقدرات والمهارات والمؤهلات، نطمح لدولة ضامنة للحريات وعادلة، القانون هو السلطان الأول فيها على الكل دون تمايز وأن لا نجعل المقدس يشرعن لنا سادة ومشايخ يتربعون عروشا ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ليحكموا ويتحكموا بالوطن وشئوننا وحياتنا، نريد دولة مدنية فيها نتمايز بالعلم والعمل والقدرات والمهارات وكل حسب مهاراته وقدراته ومؤهلاته، هنا سينتهي الفساد وسندمر كل حاضناته ونجفف منابعه وسننير عقول وأفكار الشباب، وسيكون النور ساطعا يضيء لنا الوطن ويتلاشى الظلام للأبد.