مليشيات اصلاحية مع جنود الفرقة الأولى مدرع
ان اخفاق الإخوان في استشراف المشهد بعمومه واسترسالهم في تبني ملفات وقضايا اعتبروا أن استمرارهم في تصدر واجهتها سيحفظ لهم الحد الادنى من التماسك الداخلي مقابل تعاميهم عن نزيفهم الحاد على البعدين الإقليمي والدولي.
ومن ذلك استعداؤهم المباشر لقوى الحراك الجنوبي بصورة غريبة وغير مبررة رافعين الشعار القديم "الدفاع عن الوحدة " , مع إدراكهم بأن أدوات الصراع والتحالفات قد تغيرت, ما افقدهم وأنصارهم المساحة الشعبية التي كان من المفترض تهيئتها جنوبا حال آل مصيرهم الى ما صاروا اليه الآن .
يأتيهم السيل من الشمال ورأس حربتهم الى الجنوب
بل إنهم ذهبوا في ذلك حد التصادم المباشر باسم الحزب مع أنصار الحراك الجنوبي في أكثر من واقعة سقط خلالها قتلى وجرحى.
في عدن وحضرموت ولحج معتقدين بأنهم حال قيامهم مقام الدولة, تقوية رصيدهم أمام الرأي العام شمالا, بل إن بقية القوى السياسية وحتى تلك المنضوية ضمن اللقاء المشترك تنصلت عنه متنبهة إلى أن لذلك ثمن سيدفع لاحقا .
ومسيرة الاصطفاف الوطني التي قتل فيها الشاب حسين اليافعي وتبادل الاتهامات بينهم وفرع مؤتمر عدن في تحمل تبعات ذلك الإخفاق نموذجا .
شمالا حاول الحزب المنكشف ظهره إقليما بتخلي السعودية عنه بل والعزم على استئصاله وضغطها الكبير على قطر لرفع الغطاء عنهم وهو ما حدث لاحقا .
إضافة الى خسارتهم الكبرى في مصر حاول الحزب التصرف بذات الطريقة والأسلوب والأدوات معتبرا بأن ما حدث في محيطه لم يكن بذات التأثير الكبير في المعطيات الداخلية ،وبدلا من أن يتداعى الحزب مبكرا الى تغيير الاستراتيجية وتقليد الجسم البشري حال تعرضه إلى موجة صقيع قاتله في التخلص من الأطراف لصالح البقاء ،مسترشدا الاستفادة ما أمكنه من التجربة المصرية ,تمترس الحزب إيغالا في الملفات الداخلية والبحث عن استحقاقاتها ,ترافق ذلك مع اخفاق واضح لآلة الحزب الإعلامية التي بدت في غاية التخبط والتناقض من أحداث الحرب ونتائجها في الجوف وقبلها عمران حيث ظلت لأسابيع تنقل أخبار مواجهات وانتصارات وهمية "للجيش " نافية بقوة أن يكون الحزب طرفا في الصراع الدائر هناك .
عشرات الالاف من أنصار الله في منطقة الصباحة خارج صنعاء
إشارات الهزيمة الحتمية :
حين تبينت الحقائق بسقوط القشيبي "ثورهم الأبيض "في عمران بدأت ذات المواقع والصحف التابعة للحزب بمهاجمة الرئيس عبدربه منصور هادي ووزير الدفاع واتهامهما بأنهما لم يسمحا للجيش بأن يكون طرفا في معارك الجوف وعمران ؟ومع أن كل المعطيات وسير الأحداث نبأت الصبي الغض ناهيك عن السياسي المتابع عن تمكن السعودية من حشد الغطاء الدولي لسيناريو عنوانه "أولوية اجتثاث الاخوان " وذهبت إفادة المبعوث الدولي الى اليمن أمام مجلس الأمن في ذلك الاتجاه حين صنف الطرفان المتحاربان في عمران ووصفهما بمليشيات، كل تلك المؤشرات والرسائل والوقائع لم يتعاطى "حزب الاصلاح" معها من موقع المسؤولية وأهمية التصرف السريع وتغيير الأجندة والأولويات تبعا للوقائع الجديدة ،بل أعاد الحزب تكرار التقوّي بالفعل الداخلي متجاهلا حقيقتي فقه الزمان والمكان.
ومع التقدم السريع والمدروس للحوثيين من معاقل الحزب ومصدر قوته في صنعاء "جامعة الإيمان" و "معسكر الفرقة الأولى مدرع" ، بدأت حلقاته القوية في التفكك ,فحين وصل مسلحو أنصار الله الى الجهة الشمالية الغربية لصنعاء مقتربين من شارع الـ 30 وحسمهم معركة القابل " " وإكمالهم تطويق صنعاء من الجهة الجنوبية في حزيز عبر انتشار سريع وتموضع مدروس للمنطقة ناهيك عن تحييدهم لواءين على طريق المطار أدرك رجل الدين الأول والمنظر في الحزب "عبدالمجيد الزنداني" أنه قد حيق بهم فأرسل وسطاء قبليين الى أنصار الله - التقيناهم في مقرهم الكائن بالجراف - للبحث عن خيار سلمي مطالبين بتوفير ممر آمن لخروج الطلاب من الجامعة مقابل تسليمها وهو ما تم الاتفاق علية عصر الجمعة اي قبل 3 أيام من سقوط معسكر الفرقة - غير أن عددا من الطلاب وقيل بأنهم على صلة بالجماعات الجهادية رفضوا ذلك وهم من خاض المعارك ضد أنصار الله في محيط الجامعة من الجهتين الشمالية والشرقية .
ناهيك عن وجود كتيبة دبابات بجانب مختبرات الجامعة الملاصقة تماما لمعسكر الفرقة ظلت تطلق نيرانها بشكل مستمر ما أعاق تنفيذ الاتفاق .
الجنرال وحيدا
اللواء علي محسن الأحمر يراجع أوراقة القديمة بعد السقوط الكبير على أيدي أنصار الله
تفكك عرى الحزب في أعلى هرمه وتخلي أعلى مسئول حزبي "محمد اليدومي" عن الجنرال في ذلك الوقت العصيب واتصاله بالمكتب السياسي لأنصار الله بأنه لن يقاتل نيابة عن محسن وجامعة الإيمان جنّبه ومنزله الاقتحام بل مر مقاتلو أنصار الله وتبادلوا السلام مع حراس منزله لاحقا ،
سياسيا حاول الحزب تكرار تجربة 2011م ودفع بكل قوته في الحشد والحشد المماثل في الستين دون أدنى التفاتة الى تغير الظروف الذاتية والموضوعية بين التاريخين ،والتغييرات الجذرية المتسارعة في المنطقة عموما وإخفاق التكتل الإخواني في تحقيق نصر في سوريا والصفقات التي أبرمت لاحقا بين إيران روسيا والسعودية بوساطة عمانية ، ومجددا أدخل الحزب قدمه في جحر" الاناكوندا" في محاولة أخيرة الى أن يقوم بابتلاعها وبالتالي يسهل قتله ،قبل أن يتأكد ما إذا كان الثعبان الذي يزداد قوة خارج حفرته ويوشك أن يعتصره وهو ما كان .
الممكن والمتاح أمام الإصلاح
يتساءل المفكر والكاتب الكبير "محمد قطب "لماذا الإخوان منذ الخمسينات هم من يدفع ثمن التحولات السياسية ويستعرض جملة من الأخطاء التي يرى الكاتب بان على الجماعة مراجعتها إذا أرادت الوصول الى أهدافها ومن بين تلك الأسباب غلق الأبواب واستمرار انكفاء الجماعة على نفسها في ردة فعل على الملاحقات التي تعرض لها أعضاء الجماعة في مصر وبعض الدول العربية ، ومع أن قيادة الحزب في اليمن هي غالبا قيادات متورطة في جرائم فساد وتاريخ أقل ما يمكن وصفه بغير النظيف ساهم في بقاء الحكم على الأمور والمتغيرات والتعاطي معها معطلا استنادا إلى تأييد أراء ونخب لا يمكنها توظيفه في ساحات الوغى والصوت كان لقعقعة السلاح ،وسرعان ما توارت تلك الأصوات وامتنع أكثر الناشطين تحمسا للحزب الدفاع عنه في برامج الفضائيات ليلة سقوط صنعاء معتذرين بضبابية المشهد .
باعتقادي أن الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب سياسيا و وايدلوجيا وعسكريا ستلقي بظلالها على تماسكه خاصة وأنه بنى العديد من التحالفات مؤخرا معتمدا على المال وشراء الولاءات وهو في موقع لا يحسد عليه حال قرر البقاء في الحكومة القادمة المهيمن على قرارها السياسي من قبل "أنصار الله" ،أو الهجرة الى أرض قاحلة مجردا من المال والسلاح والزاد وبمعنويات منهارة وعلى جانبي الطريق خصوم صنعهم الحزب طوال مسيرته السابقة كثيرا منها بلا داع .
على وقع متغيرات المشهد في صنعاء
لاشك بأن تغير خارطة التحالفات ومراكز القوى السياسية التي أفرزتها نتائج سقوط صنعاء على رأس الإخوان ولصالح أنصار الله أعادت ترتيب الأوراق من جديد ،وعلى الرغم من حرص أنصار الله على ان يكون سقوط صنعاء بأقل الخسائر وبحسب سيناريو جرى الإعداد له مسبقا وما تأخر المبعوث الدولي في صعدة لـ 3 أيام وتأجيل التوقيع على الاتفاق إلى ليل يوم سقوط الفرقة إلا واحد من بين عشرات الشواهد .
شاهد محايد :
ولآن الله تعالى يقول "وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" نقرأ ما كتبه الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي العميد " ثابت صالح " لاستشراف ما قد يحدث خلال الايام القليلة القادمة :
يقول العميد ثابت .. بتوقيع اتفاق السلم والشراكة تكون حركة أنصار الله قد حققت أهدافها المعلن عنها في المطالب الثلاثة : فالجرعة تم تخفضيها إلى 75% وتم قبول استقالة الحكومة ويجري البحث حالياً عن رئيس للحكومة الجديدة ومخرجات الحوار أُخرجت من الأدراج ووضعت على المحك العملي .
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحادث المبعوث الدولي جمال بنعمر
ويُستشف الحاضر والمستقبل من عنوان الاتفاق الموقع مباشرة بعد حسم المواجهة عسكرياً لصالح أنصار الله من خلال كلمتي السلم والشراكة : فكلمة السلم لا تأتي إلا بعد حرب فيها منتصر ومهزوم ... غير أنه من المهم الإشارة إلى أن هذه المواجهات كانت محدودة وعلى عكس ما توقع المراقبون وخاصة من الخارج ويحسب للرئيس ووزيري الدفاع والداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية النجاح في جعل هذه المواجهات محدودة جداً وكبح جماح المتعطشين إلى حرب شاملة وأنهار من الدماء والدمار ...
ولا تنطلي على أي محلل سياسي منصف ما تم تداوله وفقاً لنظريات المؤامرة والخيانة التي غمز ولمز بها البعض نحو الرئيس شخصياً ووزير الدفاع ونحو المسئولين الجنوبيين تحديداً, انطلاقاً من حقيقة أن العوامل الحاسمة دائماً هي داخلية ذاتية أما العوامل الخارجية فمهما كانت تظل ثانوية وكذلك الحال ينطبق على سياسة وإدارة التحالفات والتنسيقات مع الأطراف الأخرى .
في حين تعني كلمة الشراكة دخول شريك جديد سيكون هو صاحب الصوت الأقوى ... وباختصار شديد من كان يُرفض حتى مجرد سماع وجهة نظر هذا المكون قبل هذا التاريخ كما حصل في مؤتمر الحوار أو قبل ذلك ممن كان يتعامل مع هذا المكون من منظور مذهبي أو طائفي ضيق ... بدأ اليوم بالتعامل مع هذا المكون كأمر واقع . . .
وأصبحت المبادرة الخليجية التي تقاسم فيها حزبا المؤتمر والإصلاح ومراكز نفوذهما كل مفاصل السلطة والقرار والنفوذ خلال الفترة التي تلت ثورة فبراير2011م ... أصبحت من الماضي في حين تم الدفع بمخرجات الحوار الوطني إلى الواجهة بعد أن حاول شريكا الحكم السابق كلاً بطريقته عرقلة هذه المخرجات أو الالتفاف والتحايل عليها كما جرت العادة ... وهو الأمر الذي بات أنصار الله يستوعبونه جيداً ... فالمشكلة عند اليمنيين ليست فقط في الوصول إلى اتفاقات وعهود - رغم صعوبة الوصول إلى ذلك وغالباً بعد دماء ودمار - , بل وفي تطبيق هذه العهود والاتفاقات , ومازالت تجربة التعامل مع وثيقة العهد والاتفاق الموقعة في عمان 20 فبراير 1994م ماثلة وشاهدة إلى آخره من الاتفاقات وليس آخرها اتفاق السلم والشراكة الذي نصت إحدى نقاطه على تسمية رئيس الحكومة الجديد خلال 3 أيام !!! وهذا مثل واحد ليس إلا .
إذاً السيناريو القادم أو الاستراتيجية الجديدة من بين سيناريوهات عديدة هي تعطيل وعرقلة تطبيق هذا الاتفاق والقيام بأعمال تستهدف التشويش على التحول الذي جرى أسوة بمخرجات الحوار والاتفاقات السابقة .. وقد بُدء فعلاً باستخدام ورقة القاعدة وأنصار الشريعة والحرب النفسية ومحاولة خلط الأوراق واستدعاء العوامل المذهبية والطائفية والقبلية وكان لافتاً للنظر تغير خطاب الرئيس السابق تجاه أنصار الله وتحديداً عندما أيقن أنهم قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على صنعاء خاصة مع غموض موقفهم تجاهه بل وصدور بعض التهديدات ضده منسوبة إلى قادة حوثيين .
وسيظل اللاعبون الإقليميون وتحديداً إيران وتركيا والسعودية وحتى الإمارات وقطر يلعبون في الميدان اليمني ويبحثون سيناريوهات مختلفة ومن خلفهم اللاعبون الكبار وخاصة أميركا وبريطانيا وروسيا.
لكن كما أشرت سابقاً ستظل العوامل الداخلية هي الحاسمة وبالتالي فإن أنصار الله سيكونون على المحك العملي وستواجههم تحديات عديدة أهمها تجاوز الانتهاكات التي تحدثت عنها وسائل إعلام ومنظمات حقوقية في صنعاء وتنفيذ مطالب الاحتجاجات الشعبية وبمعنى آخر عليهم أن يبدأوا من حيث توقفت ثورة فبراير 2011م ويبرهنوا على أن تحركهم جاء بهدف إنقاذ هذه الثورة وتصحيح مسارها واستكمال أهدافها وأن يركزوا على العمل السياسي الناضج والتعايش المذهبي والاجتماعي وبناء الدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة المتساوية والحكم الرشيد وغيرها من متطلبات بناء الدولة العصرية .
وسيكون التحدي الأهم هو تعاملهم مع الرئيس والحكومة القادمة والقوى السياسية الأخرى ومع الملفات الكبرى كملف الجنوب .
وخلاصة الخلاصة حُلت قضية صعدة ... ومازالت القضية الأهم وهي الجنوب تنتظر الحل العادل والمنصف وبما يرتضيه أبناء الجنوب
* - يتبع الجزء الثاني : ‘‘سر‘‘ سكوت الأمريكان عن السقوط المدوي للإخوان .. في اليمن .
* كتب التقرير عبدالخالق الحود - صحفي جنوبي - ومراسل دولي
* تقرير خاص لـ شبوه برس - يرجى الإشارة الى المصدر عند إعادة النشر .