قنبلة مطار عدن الشهيرة لاغتيال المندوب السامي البريطاني ووزراء حكومة اتحاد الجنوب العربي (1-2)
حقائق تنشر لأول مرة بهذا التفصيل , يسردها رئيس حكومة الإتحاد الفيدرالي للجنوب العربي محمد حسن عوبلي. في كتابه الموسوم ( اغتيال بريطانيا لعدن والجنوب العربي ).
ننقلها للقراء بالنص كما أوردها العوبلي دون أي تدخل منا وذلك لاطلاع القراء على صفحة من تأريخ الصراع السياسي في الجنوب قبيل الاستقلال في 30/ نوفمبر 6791م.
(الفصل العشرون)
اندلاع الشرارة الأولى...
وبداية عهد الإرهاب
اندلاع الشرارة الأولى. وبداية عهد الإرهاب:
في بداية عام 1964م وبعد وفاة السيد حسن علي بيومي وتشكيل السيد زين باهارون الوزارة العدنية الثانية حدث أمر قرر مستقبل المنطقة فيما بعد.
لقد انتهى دور السياسي المحنك السير تشارلز جونستون بعد دمج عدن وقيام الحكومة العدنية للجنوب العربي... وعين حاكما لزيلندا الجديدة.
وأعلن في لندن وعدن في وقت واحد أن السير كنيدي تريفاسكس سيكون المندوب السامي الجديد في عدن والجنوب العربي كله بما في ذلك حضرموت.
والسير كنيدي تريفاسكس شخصية فذة من حيث خبرته الطويلة في الجنوب العربي وعقد أواصر الصداقة مع الحكام ونوابهم ورؤساء العشائر, بل وكان يعرف لهجة كل ولاية ويتحدث بها مباشرة... مما أكسبه محبة الغالبية العظمى في الولايات.
واعتقد أن السير تريفاسكس نال تلك المحبة في الولايات الغربية عن جدارة وكان مخلصا كل الإخلاص للحكام التقليديين.
وقد رحب بتوليه منصب المندوب السامي البريطاني كبار رجال الولايات الغربية.
منطقة البنوك في مدينة كريتر
عدن تسخط على السير كنيدي تريفاسكس:
ولكن للأسف الشديد كان السير كنيدي تريفاسكس يجهل تماما شئون وأحابيل السياسة العدنية التي كانت في الحقيقة فوق مستواه . ولم يعمل في عدن... بل كان كل عمله في الولايات ... لذلك شعرت بالسخط العميق على تعيينه واعتبرته الرجل الذي سيرجح كفة الاتحاد وزعمائه على حساب عدن والحكومة العدنية.
كنت أتشكك في ذلك بداية الأمر... ولكن الأحداث أثبتت من ناحية تشكك العدنيين في السير كنيدي تريفاسكس ... كما أثبتت في الناحية الأخرى حماقته وسرعة انفعاله والاندفاع الطائش في استعمال القوة لإخماد صمت المعارضة له في عدن... وهذه صفات إذا اجتمعت في حاكم أو ذي سلطة تجعله يخبط خبط عشواء إلى أن يدمر نفسه بنفسه. وأعتقد أن مرد ذلك كله هو اعتداد السير كنيدي بنفسه وبمقدرته الخارقة.
أما في عدن فقد أحدث تعيين السير كنيدي تريفاسكس سخطا شديدا عليه بسبب صداقته لحكام الولايات... وكانت حكومة عدن تعتقد أنه سيقف في وجه سياستها ويؤيد حكام الولايات... وكان الشعب العدني يشاركها هذا الرأي.
وفي إحدى جلسات المجلس النيابي الاتحادي التي حضرها السير كنيدي تريفاسكس وخلال فترة الاستراحة, اجتمع بزعماء وممثلي العشائر وأدار ظهره للنواب العدنيين كما لو كانوا كمية مهملة... فحدث بينهم تذمر واستياء عظيم.
ولا أعرف لماذا سلك السير كنيدي تريفاسكس ذلك السلوك. وعليه رأيت من واجبي كزعيم للمعارضة في المجلس النيابي أن أتجه إليه فورا- وكانت تربطني به صداقة شخصية- ونبهته إلى استياء النواب العدنيين منه وأن طريقته في تجاهلهم لا يوجد لها مبرر... وفعلا سار معي إلى النواب العدنيين وقدمتهم إليه الواحد بعد الآخر . ولكن الفتور وعدم الاكتراث كان باديا على محياه.
وعقب انتهاء الجلسة قرر النواب العدنيون – بما في ذلك أعضاء حكومة عدن في المجلس – إحباط وعرقلة أي مشروع يقدم أو تقدمه الحكومة الاتحادية نكاية بالسير كنيدي تريفاسكس.
وحينذاك كانت حكومة المحافظين في الحكم وكانت تؤيد السير كنيدي تريفاسكس تأييدا كاملا... كما كان ذلك التأييد يشمل رؤساء الولايات الغربية أيضا . وكان من المستحيل على حكومة عدن أن تطالب بإقصائه عن منصب المندوب السامي البريطاني ... ولم يكن لها حتى مجرد الحق في تقديم ذلك الطلب.
ولكن شيئا لم يكن في الحسبان قد حدث إ ذ أن بعض العناصر المتطرفة من العدنيين قد اتخذت قرارا سريا مفجعا لتصفية السير كنيدي تريفاسكس جسمانيا... ومعه معظم حكام الولايات الغربية.
وأعدت الترتيبات اللازمة لذلك , فأرسل عدد من الشباب العدنيين إلى أثينا ومنها إلى جزيرة قبرص للاستراحة والاستجمام... أما الحقيقة فكانت للتدريب العسكري في الاغتيالات وحرب العصابات وحرب الشوارع... وقد قام بذلك التدريب الجنرال جريفاس قائد حركة " إيوكا " الإرهابية في قبرص... في نقطة نائية من جزيرة قبرص.
وقد اكتشفت السلطات ذلك بعد أن تم التدريب وبدأت عملية الإرهاب في تخطيطها.
ولا أشك لحظة واحدة في أن رئيس الوزارة العدنية السيد زين باهارون كان على علم بذلك التدريب وأن حكومة عدن صرفت سريا المبالغ التي يحتاج لها النقل والتدريب... وزودت كل واحد بجوازين سريين لكي لا يظهر على الجواز الآخر السفر إلى جزيرة قبرص.
السيد زين عبداللطيف باهارون رئيس وزراء حكومة عدن
هذا في حين كان السير كنيدي تريفاسكس وحكام الولايات يحلمون الأحلام العذبة... غير عالمين بالشر الذي كان يتربص بهم وبالمندوب السامي.
واندلعت في أيار 1964م الشرارة الأولى ..وكانت بداية "عهد الإرهاب" .
وبدأت عدن عهد الإرهاب... وتركت المنطق والقانون جانبا وتكلمت بلغة العنف والدماء. ولم أعلم ذلك إلا بعد الانفجار الأول ..وقد أصبت بصدمة وخيبة أمل.
مطار خورمكسر 1960 م
الفصل الحادي والعشرون
محاولة اغتيال المندوب السامي البريطاني وحكام الولايات في مطار عدن
الإعداد لمؤتمر دستوري في لندن:
بدأت التناقضات- كما أسلفنا – بين حكومة عدن المركزية التي كان يرأسها السيد زين باهارون وبين حكومة اتحاد الجنوب العربي ... فقد كان الطرفان يتكلمان بلغتين مختلفتين وكانت وجهات نظرهما السياسية على طرفي نقيض.
وكان تعيين السير كنيدي تريفاسكس مندوبا ساميا في عدن والجنوب العربي ... قد زاد الطين بله... أولا لخبرته التامة في الولايات وعدم خبرته في شئون عدن وثانيا لأن العدنيين وزارة وشعبا كانوا يعتقدون أنه يمالي الحكام التقليديين في الولايات على حساب عدن.
لقد أرتكب السير كنيدي تريفاسكس خطأ فادحا حين لم يحاول التفاهم مع الوزراء العدنيين والتقرب منهم ومن الساسة ورجال الصحافة العدنيين... وبذلك فرض على نفسه انعزالا جر عليه نقمة العدنيين بعد ذلك.
وهكذا في عام 1964م ازدادت حدة التناقضات بين رئيس وزراء عدن وحكومته ( وزراء حكومة عدن في الاتحاد الفيدرالي ) ووزراء الاتحاد عن الولايات... ويظهر أن السير كنيدي تريفاسكس حاول أن يتدخل لصالح حكومة اتحاد الجنوب العربي ضد حكومة عدن المركزية... ولكن حكومة عدن صمدت في وجهه ورفضت تدخله..وحين بدا يستعمل لغة التهديد قوبل بمثلها من رئيس وزراء حكومة عدن ... الأمر الذي لم يتعوده السير كنيدي تريفاسكس.
وهكذا تطورت الأزمة السياسية في الإطار الداخلي... ثم رأى وزير شئون الكومنولث المستر دنكان سانديس ( الذي كان يؤيد المندوب السامي السير كنيدي تريفاسكس ) أنه من الأفضل أن ينعقد مؤتمر دستوري في لندن تشترك فيه حكومة عدن وحكومة التحاد وحكومة بريطانيا أيضا لإيجاد دستور مقبول لحكومة عدن التي بدأت تظهر رفضها للدستور الأول والذي جاء حسب نصوص " الكتاب الأبيض ".
وكان لوزير شئون الكومنولث وجهة نظر ثاقبة ... وهي أن أي مفاوضات بين حكومة عدن وحكام الولايات داخل المنطقة نفسها في الجو المحموم المتوتر الذي كان يسود عدن... لا يمكن أن يقدر لها النجاح. وإذا فإن البديل هو عقد مؤتمر دستوري للطرفين في لندن بعيدا عن عدن... وفي مناخ سياسي أفضل.
ووجهة الدعوة لعقد مؤتمر لندن الدستوري وقبلت جميع الأطراف ... حكومة عدن والحكومة الاتحادية والمندوب السامي البريطاني السير كنيدي تريفاسكس ... وحدد موعد للجلسة وموعد المغادرة والأطراف المختصة إلى لندن.
قنبلة المطار...
ومحاولة اغتيال المندوب السامي وحكام الولايات:
أما المتطرفون العدنيون فلم يكونوا مرتاحين لانعقاد مؤتمر لندن الدستوري وعملوا على إحباطه...وقد نجحوا في ذلك.
لقد حجز المندوب السامي البريطاني طائرة بريطانية خاصة لتقله هو وحكام الولايات ( الوزراء في حكومة اتحاد الجنوب العربي ) مباشرة من عدن إلى لندن ...وكان موعد رحيل الطائرة الخاصة معروفا لدى الموظفين العدنيين المسئولين عن مطار عدن وحركة الطيران المدني بصورة عامة.
هذا من ناحية...
أما من الناحية الأخرى فقد غادر رئيس وزراء حكومة عدن السيد زين باهارون وبعض وزرائه إلى بيروت مقدما , اسميا " للاستجمام " وعمليا " للابتعاد عن المنطقة عند حدوث الاغتيال".
كان رئيس وزراء عدن على علم بالمؤامرة – ما في ذلك شك – ولكنه لم يشترك في تخطيطها , بل اكتفى بموقف المشاهد لتلك المسرحية الدموية ... ولقد كان هذا من حسن طالع المندوب السامي البريطاني وحكام الولايات , لأنه لو أشترك رئيس الوزراء العدني في تخطيط المؤامرة ... وهو معروف بالتدقيق في كل التفاصيل والإعداد لأي احتمالات ... لما نجا المندوب السامي البريطاني ولا أي من حكام الولايات .. ويظهر أن السيد باهارون لم يرد أن يشترك اشتراكا فعليا في المؤامرة أو أن يلطخ يديه بالدماء ... ولكنه ترك تلك المهمة القذرة لغيره.
مطار خورمكسر من الجو
تنفيذ المحاولة الاغتيالية :
حوالي الساعة العاشرة صباحا حين كان المندوب السامي البريطاني السير كنيدي تريفاسكس وحكام الولايات يغادرون مطار عدن في طريقهم إلى الطائرة الخاصة المعدة لنقلهم إلى لندن ... دوى انفجار مروع في أرض المطار وتناثرت الشظايا في كل اتجاه ... وكان أول من تنبه لذلك نائب المندوب السامي المستر جورج هندرسون ... الذي قذف بنفسه على جسم المندوب السامي السير كنيدي تريفاسكس وحماه بجسمه ... فاخترقت الشظايا جسم المستر جورج هندرسون الذي افتدى بنفسه المندوب السامي السير كنيدي تريفاسكس ... ومع ذلك فقد وصلت بعض الشظايا إلى جزء من جسم السير كنيدي تريفاسكس فقطعت بعض أصابعه وأصابت أحد الأعصاب بشلل. أما المستر هوبسون , المساعد الأول للمندوب السامي في إدارة شئون عدن ... فقد اخترقت الشظايا إحدى ساقيه....
مطار خورمكسر موقع استهداف المندوب السامي البريطاني ووزراء حكومة اتحاد الجنوب العربي
وبالنسبة للحكام الاتحاديين فلم يصب أحد منهم بأذى يذكر عدى السلطان أحمد بن عبد الله ألفضلي , سلطان السلطنة الفضلية ووزير الإعلام يوم ذاك في الحكومة الاتحادية ... الذي نفذت بعض الشظايا إلى جزء من كبده وكان في حالة خطيرة جدا في المستشفى ... كذلك فقأت إحدى الشظايا عين قائد عسكري جاء لتوديع السلطان أحمد بن عبد الله ألفضلي ... كما أصيب أحد كبار رجال البر والإحسان في عدن الشيخ علي إسماعيل تركي , وهو حمو السلطان أحمد عبد الله ألفضلي وقد حضر لتوديعه ... ولكن إصابته لم تكن بليغة.
الشيخ محمد فريد بن محسن ين فريد وزير خارجية حكومة الأتحاد الأول من اليسار
والسلطان صالح بن حسين بن جعبل سلطان العوادل ووزير الأمن الداخلي في حكومة الاتحاد
مع مسئولين بريطانيين في لندن
وعدى هؤلاء قتلت سيدة هندوكية لم تطأ قدماها عدن إلا في تلك اللحظة المشئومة ... فقد كانت تحمل بين ذراعيها طفلها الصغير وبجانبها زوجها وهي متجهة إلى إحدى طائرات الخطوط الجوية الهندية التي هبطت في مطار عدن في تلك الساعة من رحلتها من بومباي إلى نيروبي ... وتوقفت في مطار عدن للوقود فقط... ونزل منها بعض الركاب للاستراحة ... وقد وصلت إحدى الشظايا إلى تلك المرأة الهندوكية فبقرت بطنها وقتلتها في التو والساعة ... ولم يصب الطفل الذي كان بين ذراعيها بأي أذى على الإطلاق ... كما لم يصب زوجها بأي أذى ... وقد نشرت الصحف العدنية كلها صورة الزوج الثاكل وطفله بين ذراعيه وهو يبكي فوق جثمان زوجته التي غرقت في بركة من الدماء ... وقد أحدث نشر تلك الصورة ردة فعل قوية في عدن ضد الإرهاب.
أما الذين أصيبوا بشظايا غير قاتلة فقد بلغ عددهم أربعة وخمسين رجلا ... معظمهم من الولايات.
وألغى المندوب السامي السفر ... ونقل إلى المستشفى مع نائبه والمصابين الآخرين . وقد نجوا كلهم من الموت باستثناء المستر جورج هند رسون الذي توفي في المستشفى ... وقد منحته ملكة بريطانيا عقب وفاته وسام " جورج " وهو أرفع الأوسمة البريطانية للبطولة النادرة والفداء.
وهكذا ألغي مؤتمر لندن الدستوري ... ولو إلى حين.
أما رئيس الوزارة العدنية السيد زين باهارون فقد أضطر إلى العودة إلى عدن مع بعض الوزراء العدنيين ولم يقم حتى بأبسط قواعد المجاملة ... فلم يذهب ليقدم العزاء للمندوب السامي على مصرع نائبه ... ولا المواساة للضحايا الآخرين ... بل عاد ساخطا غاضبا ولكن في هدوء ... ( ربما لأن العملية لم تنجح ... من يدري !!)
وبدا العداء واضحا عنيفا بين رئيس وزراء عدن السيد زين باهارون والمندوب السامي البريطاني السير كنيدي تريفاسكس ... وقد ظهر للجميع أن المجال لا يتسع للرجلين فقد كان على احدهما أن يذهب ... وكان ذلك ... وقد ذهب المندوب السامي البريطاني السير كنيدي تريفاسكس بعد أن أعفته الحكومة البريطانية من منصبه ولما يكمل بعد تسعة أشهر من حكمه كمندوب سام ... وكان المقرر أن يبقى في ذلك المنصب لأربعة أعوام.
وقد ظهر لسلاح المهندسين الملكي أن القنبلة التي استعملت كانت من طراز " مايلز " وهي قنبلة شديدة الانفجار واسعة المدى ... ومن صنع بريطاني.
القبض على المتهم:
في خلال ثلاث ساعات من التحري الدقيق استطاعت الشرطة العدنية القبض على السيد خليفة عبد الله حسن خليفة بتهمة إلقاء القنبلة ... واحتجزت احتياطيا السيد ماية من موظفي اللاسلكي الذي شاهد خليفة عبد الله حسن خليفة يدخل مكتبه ويخرج القذيفة لإلقائها في ساحة المطار ... وكذلك احتجز احتياطيا السيد القشبري , أحد موظفي اللاسلكي في المطار الذي شاهد بعينه خليفة عبد الله حسن خليفة وهو ينزع صمام الأمان من القذيفة ويقذف بها من النافذة على المندوب السامي ... وكان معروفا أن القنبلة قذف بها من مكتب اللاسلكي في المطار ... وقد شاهد عدد كبير من الجمهور عملية القذف عيانا.
وحين قدم النائب العام تهمة القتل المتعمد ضد السيد خليفة كانت لديه أدلة ظرفية قوية وثلاثة وثمانون شاهدا ... أدلوا بشهاداتهم أمام القضاء بعد ذلك وسنأتي على مصير هذه القضية فيما بعد.
وجدير بالذكر أن السيد خليفة كان يوم ذاك في الثامنة والعشرين من عمره ويحتل منصبا رفيعا وهاما في خطوط عدن الجوية ومطار عدن المدني ... وهو عدني عربي ... لم يسبق له أن اشتغل بالسياسة , سوى مرة واحدة حين أسس حزب " الاستقلال " في عدن ولكنه لم يجد أنصارا ومات الحزب في مهده.
إعلان حالة الطوارئ في عدن :
في نفس ذلك اليوم وفي فورة غضبه أرتكب المندوب السامي حماقة أخرى ... فقد أمر باجتماع المجلس الأعلى الاتحادي الذي انعقد وأصدر قرارا بإعلان حالة الطوارئ في عدن ... وتفويض الحكومة وسلطات الأمن الداخلي باعتقال من تشاء وبدون إبداء الأسباب وعدم السماح للمعتقلين بالترافع أمام القضاء . وقد وقع على هذا القرار أحد الوزراء العدنيين, السيد عمر عبد العزيز شهاب , وزير مالية حكومة الاتحاد ... والذي كان رئيس المجلس الأعلى الاتحادي لتلك الدورة.
ولم يؤخذ رأي السيد زين باهارون رئيس الوزارة العدنية وأعضاء وزارته في الأمر ... وبذلك دخل الصراع مرحلة جديدة وأكثر خطورة.
السيد زين باهارون يرفع علم حكومة عدن مع مجموعة من السياسيين و ودهاء مدينة عدن
وفي نفس الأسبوع ذهب السيد عمر عبد العزيز شهاب , رئيس المجلس الأعلى للحكومة الاتحادية لتلك الدورة , إلى بيروت ... وهناك عقد مؤتمرا صحفيا تنصل فيه من قرار إعلان حالة الطوارئ , بل هاجم ذلك القرار هجوما مرا وهاجم المندوب السامي والحكومة الاتحادية ... وأعلن استقالته من المجلس الأعلى لحكومة الاتحاد ... وعاد بعد ذلك إلى عدن ليشارك في عملية إلغاء القرار الذي وقعه بنفسه.
وقد علمت من السيد عمر عبد العزيز شهاب في حديث شخصي بعد ذلك أنه وقع قرار إعلان حالة الطوارئ ولكنه كان يعتقد أن المندوب السامي والحكومة الاتحادية سينفذان ذلك القرار بتعقل وحيث يجب استعماله ... وحين ظهر له أن المندوب السامي أساء استعمال تلك السلطة وجد نفسه مضطرا للاستقالة والمعارضة.
وفي الحقيقة أن المندوب السامي البريطاني أساء استعمال ذلك القرار فلم يأمر باعتقال الجناة أو المحرضين , بل أعتقل حوالي مائة من الزعماء السياسيين العدنيين والصحفيين الذين كانوا يعارضون سياسته من قبل ... والذين فعلا كانوا ضد تلك العملية الإرهابية.
وقد تخبط خبط عشواء فأعتقل الرئيس والأمين العام للمؤتمر النقابي والعمالي وأعضائه ... والأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين ( الذين كان مسموحا لهم بالعمل الديني والسياسي في عدن بدون تقييد ) وشمل الاعتقال الأمين العام المساعد لرابطة الجنوب العربي ... وأعضاء قياديين من الجمعية العدنية ومن الحزب الوطني الاتحادي ومن رجال الصحافة والفكر, بل ومن التجارة أيضا.
ويظهر أنه كانت لدى السير كنيدي تريفاسكس قائمة بأسماء معارضيه ... وكان بعضهم من النزاهة وحسن النية بمكان وغير ميالين لسياسة العنف ... ومع ذلك شملهم الاعتقال جميعا... فأثار بذلك ثائرة المؤتمر النقابي العدني وغرفة عدن التجارية ( وكان السيد عمر عبد العزيز شهاب رئيسا لها ) والاتحاد التجاري العربي وكافة الأحزاب السياسية والصحف.
* د مفتاح علي أحمد - عدن
* يتبع الجزء الثاني