مدينة عدن من المدن الساحلية الخلابة التي حباها الخالق المولى بخصائص وسمات جغرافية قلما نجدها في الكثير من مدن ودول العالم ، حيث إنها تتمتع بالكثير من الشواطئ والمحميات الرطبة الفريدة من نوعها.
بيد أن هذه المحميات والشواطئ تعرضت خلال الأعوام الأخيرة إلى الكثير من الإهمال والتدخلات البشرية غير الحضارية المتمثلة بأعمال الردم والتشويه والزحف العمراني وغيرها من التجاوزات التي أحدثت حالة من الإخلال بالتوازن الجيولوجي والبيئي لهذه الشواطئ والمحميات.
عرفت مدينة عدن كونها مدينة ساحلية ظلت ولعقود طويلة تستقبل أسرابا من الطيور المهاجرة على مدار العام، حيث قدرت عدد أنواع الطيور التي كانت تحط رحالها في سواحل عدن بـ 170 نوعا، لكن وبسبب الطفرة العمرانية والزحف صوب ردم الشواطئ والبحار تضاءل العدد حتى بلغت عدد الأنواع حاليا نحو 70 نوعا،بحسب جمعية (مبرة الإخاء) في عدن.
* محمية الطيور المهاجرة
وتعتبر المحمية الرطبة الواقعة على جانب طريق الجسر البحري، إحدى المحميات التي لازالت تؤمها أسراب من الطيور المهاجرة، وهذه المحمية تعد من المناطق الحساسة في عدن كونها تمثل بيئة وسطية بين اليابسة والماء، لذا فهي سريعة الاضمحلال والزوال، والحفاظ عليها أمر بالغ الأهمية؛ نظراً للتوازن البيئي والمناخي الذي تلعبه في تلطيف وتنقية المناخ المحلي للمنطقة، وفق اختصاصيي البيئة.
وكانت هذه المحمية مغمورة بمياه البحر على طول اتساع الطريق العام حتى ثمانينات القرن الآفل، قبل أن تتعرض لأعمال ردم وتدمير مع سنوات الوحدة، ولازالت ساحتها المتضائلة تمثل استراحة (ترانزيت) للمئات من أنواع وأسراب الطيور المهاجرة، التي تحط رحالها ذهاباً وإياباً، على خطوط ثلاث قارات آسيا وإفريقيا وأوربا، وتبدأ دوران هجرتها ابتداءً من قارة أفريقيا إلى أوربا مروراً بشواطئ مدينة عدن، لاسيما خلال شهري مارس وأغسطس من كل عام.
تقول جمعيات حماية البيئة في عدن إنه “جرى خلال السنوات الأخيرة رصد 70 نوعا فقط من هذه الطيور، منها ما هو مستوطن في سواحل ومحميات عدن،والآخر مهاجر وزائر” .
وكانت (منظمة الطيور العالمية) قد صنفت هذه المحمية المائية كأهم مواقع للطيور المهاجرة، باعتبارها تمثل موئلاً منتظماً لآخر 3 أنواع من الطيور المهددة بالانقراض عالمياً، وتوفر بيئة مناسبة لـ 3 أنواع من الطيور المسجلة حصرياً على مستوى الشرق الأوسط، هي طيور (النورس أبيض العين) (والنورس السويدي) و(طائر زقزاق السرطان) ما يجعل هذه البحيرات مصدر جذب سياحي للمهتمين في مجال البيئية ومراقبة سلوكيات الطيور.
* وظائف المحمية والإشكاليات
مازالت هذه المحمية تؤدي وظائفها في توفير وسائل الحياة الضرورية لعدد كبير من الكائنات الحية، وتشكل موئلاً مناسباً لحضانة العديد من أنواع القشريات والسرطانات، من ضمنها (القواقع) البحرية التي يستخرج منها مادة (الظفر) المستخدمة في صناعة المواد العطرية التقليدية، و(قناديل البحر المقلوبة) التي تلعب دوراً حيوياً في امتصاص الرواسب البحرية، والحفاظ على نظامها البيئي.
ومن أبرز الإشكاليات الراهنة التي تهدد المحمية أعمال الردم والبسط غير القانوني، والتلوث الناجم عن المصادر البرية، ومخاوف انسداد 12 عبارة تمر أسفل الطريق البحري وتسمح لمياه (خليج عدن) بولوج مسطحاتها، ما قد يهددها بخطر الجفاف والانحسار.
يؤكد أعضاء الهيئة العامة لحماية البيئة في عدن،: “إن نضوب هذه المسطحات المائية تحت عجلات التنمية والتوسع العمراني، سيؤدي لا شك إلى إخلال كبير في المنظومة البيئية وفي المناخ المحلي للمنطقة، الأمر الذي سيسهم في ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف”.
* محمية الحسوة
تتجسد الأهمية البيئية لمحمية (الحسوة) من حيث مساحاتها الخضراء الواسعة نسبياً، وهي تمثل جزءاً من مشروع الحزام الأخضر حول عدن، الذي يساعد في الحد من العواصف الرملية الموسمية.
من أبرز خصائص هذه المحمية،إنها تعد مباتا وموئلاً للعديد من أنواع الطيور والحيوانات والكائنات الحية، منها الطيور البحرية والبرية والزواحف والثعابين والخفافيش والثعالب والأرانب البرية، وأنواع مختلفة من الحشرات وغيرها يقول إبراهيم سعيد رئيس جمعية شؤون المحميات والبيئة بعدن: “تم رصد أكثر من 107 من أنواع الطيور البحرية، و 14 نوعا من الطيور البرية،بينها أنواع نادرة في العالم تستوطن محمية (الحسوة) والتي وفرت بيئة مناسبة لهذه الطيور في الحضانة والتكاثر، من بينها طيور (البجع، وأبو منجل المقدس، وأبو ملعقة، وبلشون البقر، وبلشون الصخور، والنحام الصغير، والنحام الكبير، والزقزاق الرمادي، والكرسوع،والبط الجراف، وطائر النورس أبيض العين المهدد بالانقراض)”.
ويضيف: “في محمية (الحسوة) أنواع من النباتات الطبيعية والمستزرعة، مثل نباتات البيئة الساحلية والصحراوية، أهمها نبات نخيل الدوم (البهاش) ونبات السويداء (العصل) وهما من النباتات التي لها العديد من الاستخدامات التقليدية والفوائد الطبية، بالإضافة إلى أنها تضم نحو 23 نوعاً من الأشجار، و 95 نوعا من العوائل النباتية، مثل نباتات (نخيل البلح والإثل ولؤي والأيبوميا وسم الدجاج والتمام وصيد الشحر والشوخم والكرشة ونبات أبو فوشة)” .
كما يؤكد خبراء البيئة والحياة البرية في عدن، أن المستقبل الواعد الذي ينتظر محمية (الحسوة) يكمن من حيث حرص واهتمام السلطة المحلية والمجتمع في استغلالها وتوظيفها كنظام بيئي مستديم،والحفاظ على تنمية مواردها وتنظيمها إدارياً، بالاستناد إلى مقوماتها الطبيعية التي لا تحتاج سوى إلى تحسين مستوى معالجة المياه العادمة في المحطة،وتشجيع السياحة البيئية والعلمية،ونشر الوعي البيئي العام بأهمية الأراضي الرطبة.
* خليج حقات وطن السلاحف النادرة
كانت شواطئ (خليج حقات) تعج بأنواع مختلفة من السلاحف والكائنات الحية، من بينها (السلاحف الخضراء) النادرة عالمياً، التي ظلت لعقود طويلة تستوطن هذه المنطقة وتتناسل على رمال سواحلها.
ويعرف عن هذه (السلاحف) بأنها عندما تبلغ بلوغها الجنسي مع سن الثلاثين، تعود بعد رحلة غوص طويلة في أعماق البحار، إلى موطنها الأصلي لتضع بيضها في ذات الشواطئ التي فقست فيها، وفي حال تعرضت مناطقها للدمار والتخريب فإنها ترحل دون رجعة ولا تعود لأرضها من جديد، وهذا هو الحال الذي حدث لسلاحف عدن الخضراء التي هجرت منطقتها بسبب عوامل الهدم والتدمير التي تعرضت لها سواحل المنطقة.
ويعتبر شاطئ (خليج حقات) من أكثر الشواطئ في عدن حيوية وازدهارا بكائنات وأحياء بحرية متنوعة أصبحت هي أيضاً مهددة بالزوال والانقراض،بسبب توسع أعمال الردم والمساس بالمنظومة البيئية الطبيعية.
ومن أكثر الكائنات البحرية المهددة بالانقراض (سرطان الشبح) الذي كانت تصل أعداده إلى الملايين في المنطقة الساحلية الممتدة من محيط (ساحل أبين) وحتى محيط (حقات)، غير أن هذه الكائنات أصبحت تشاهد مؤخراً بأعداد ضئيلة وبصور نادرة جداً.
إلى جانب سواحل منطقة (بئر أحمد) التي تعرف حالياً باسم (الخور الفارسي) في مديرية البريقة، وهذه السواحل تعتبر بيئة حيوية خصبة لأكبر تواجد وتعدد بيئي للأحياء البحرية والرخوية وللأسماك بكل أشكالها، والتي كانت تقوم بوضع بيضها في هذه المنطقة وتتكاثر فيها خصوصا خلال شهر أغسطس.
* الأيام