*جنوب اليوم يختلف.. وولاية حضرموت لن تكون بنظام 67م
*جئت للمشاركة في الحوار حاملاً في رأسي الانفصال فقط
*خلافات البيض وباعوم لا مبرر لها وستضر بالقضية الجنوبية
*لا أحد يستطيع فصل حضرموت وشبوة والمهرة عن عدن.. المسألة فقط توزيع الثروة والسلطة
*ثورة 14 أكتوبر أكلت أبناءها وأحفادها
*الجفري أصدر قرار تعييني محافظاً لحضرموت قبل الهزيمة بأربعة أيام
ما الذي تريده مجموعة الـ85 المشاركة في الحوار الوطني باسم الحراك؟
وما السقف الذي وضعته لمشاركتها؟ وهل المجموعة على رأي واحد؟
وماذا في حال كان شكل الدولة اتحادية من إقليمين مع حق تقرير المصير؟
هل حُلّت القضية الجنوبية؟ وهل للمجموعة المشاركة في الحوار وزنها الشعبي في الجنوب، بحيث تكون الحامل الوحيد للقضية وبما يمكنها من تثبيت مخرجات الحوار؟
أسئلة طرحتها صحيفة "اليمن اليوم" على طاولة عضو فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار رئيس المجلس الوطني لمؤتمر شعب الجنوب المشارك في الحوار باسم الحراك الجنوبي، اللواء الركن (خالد أبو بكر علي باراس) في حوار مع صحيفة ـ"اليمن اليوم" لم يقتصر على مجريات الحوار الوطني.. وإنما فرض علينا تاريخ باراس التطرق إلى قضايا أخرى ذات صلة.
حاوره عبدالناصر المملوح
*لا يزال الفشل هو سيد الموقف في مهام لجنة الـ16 المناط بها تحديد شكل الدولة، وأمامنا خياران: دولة اتحادية من إقليمين أو متعددة الأقاليم، وكلُّ طرف متمسك برأيه، ولا بوادر للانفراج، وقد تعقد الجلسة الختامية بعد غد الثلاثاء، وتؤجل القضية لما بعد الحوار؟
- صحيح، الموقف هو بهذا الشكل، لكن في الأخير لا بد من التوافق على ما هو أفضل للبلد، ولن تبقى الأمور مفتوحة، ولا بد من حسمها بالتوافق.
* بُذلت حتى اللحظة جهود كبيرة، وحصلت ضغوط من قبل المبعوث الأممي بنعمر وسفراء العشر ولكن دون جدوى؟
-لا بد من تنازلات يقدمها هذا الطرف أو ذاك، أو الاثنان معاً، وهذا هو شرع الحوار في أي زمان ومكان.. وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة، وعلى كل حال إذا لم يتم التوافق داخل لجنة الـ16 كان عليها أن تقدم تقريراً لملخص ما وصلت إليه إلى لجنة التوفيق، أو أن يلتقي الرئيس أعضاء الـ16 والقوى السياسية أيضاً، ويعمل ما من شأنه الحصول على تنازلات والوصول إلى توافق.
الإقليم الشرقي
*إذا لم يتم التوافق داخل لجنة الـ16 فكيف سيكون التوافق داخل لجنة التوفيق، أليست الـ16 أعلى شأناً، وتم تشكيلها لحل القضية؟
-من قال إن الـ16 أعلى شأناً من التوفيقية، لا.. الـ16 نحن فريق القضية الجنوبية اخترناها كلجنة مصغرة بدلاً من أن نتحاور الـ40 عضواً، يقتصر الحوار على 16 وإذا عجزوا عن الوصول إلى حل فعليهم العودة إلى الفريق ورفع تقرير إلى لجنة التوفيق وفقاً لما هو محدد في النظام الداخلي لمؤتمر الحوار.
*لكنكم مجموعة الحراك ترفضون ذلك.. محمد علي أحمد يكفر بهكذا طرح، ولطفي شطارة مثلاً قال قبل أيام إنه تم التوقيع في لجنة الـ16 أن يكون الحوار بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية؟
-سمعت هذا فعلاً، إنه عبارة عن تفاوض بين الجنوب والشمال، لكني فقط سمعته من طرف واحد، من طرفنا نحن ممثلو الحراك ولم أسمعه من الأطراف الأخرى ولا حتى من جمال بنعمر ولا من أمين عام الحوار بن مبارك، والأمر يحتاج إلى الدقة.
*لماذا لست عضواً في لجنة الـ16 .. أنت أحد أبرز المشاركين في الحوار باسم الحراك، وعدم وجود اسمك في قوام اللجنة يضع علامات استفهام؟
-لا، لا.. الحقيقة أنني لم أُرشح لذلك.
*لم تُرشح أم أن هناك من اعترض ترشحك؟
-أنا لم أُرشح، ولو رُشحت لعضوية اللجنة هذه لن أقبل.. أنا أشعر أنها مسئولية كبيرة حساسة وحاسمة جداً.
*ما أعلمه ومن مصادر وثيقة أن ثمة أسباباً حالت بينك وعضوية اللجنة؟
-(يبتسم)، قد تكون هناك أسباب حقيقية ولكني أحتفظ بها لنفسي، ولا أرى داعياً للنقاش فيها.
* اسمح لي أتحدث في واحدة منها، إن صحت معلوماتي وتقديراتي فإن تعصُّبك لحضرموت مع أصحاب الإقليم الشرقي أزعج محمد علي أحمد، الذي لا يطيق حتى سماع هذا المصطلح "الإقليم الشرقي".. نهاية الأسبوع الفائت شنَّ هجوماً حاداً من عدن على أصحاب الإقليم الشرقي؟
-بعيداً عن أن يكون ما ذكرت سبباً من الأسباب أم لا، أنا لا أرى داعياً أن يظل الأخ محمد علي أحمد، ولا أرى مبرراً لهذا الاهتمام من قبله تجاه الإقليم الشرقي وأصحاب هذا الإقليم، فالتكرار دون مبرر يعكس شيئاً من الفراغ.. الأمر الآخر أننا حين وقَّعنا مجموعة من أعضاء الحوار من أبناء حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى قلنا إن هذا تطلع.. يتطلع أبناء هذه المناطق إلى أن يكون لهم إقليمهم، سواءً في ظل الدولة اليمنية الاتحادية أو في ظل الدولة الجنوبية المستقلة.. إذ ليس هناك ما يمنع حتى أن تكون المحافظات ولايات.
*لكن الإعلان عن قيام الإقليم الشرقي يأتي في إطار مؤامرة تستهدف تمزيق الجنوب، وهذا ما أشار إليه محمد علي أحمد في لقاءات وعبر بلاغات صحفية، بل أنه وعقب عودته الأخيرة من لندن للمشاركة في الحوار تحدث عن "خونة في أوساطنا"، وكانت الإشارة واضحة، والمقصود الأول هو أنت كونك نائبه في رئاسة مؤتمر شعب الجنوب؟
-أعتقد أن آخر ما يمكن لأيٍّ كان تجاه خالد باراس، مثلاً، هو المزايدة عليه بالوطنية والإخلاص للجنوب وشعب الجنوب والانتساب إليه في السابق واللاحق.. لقد كنتُ- ولي الشرف- واحداً من الذين ساعدوا عقب الاستقلال عام 67م بالدفع بحضرموت أن تكون المحافظة الخامسة في دولة الجنوب، مع أنها لم تكن جزءاً من اتحاد الجنوب العربي أيام الاحتلال البريطاني، بل كانت تُعرف بالمحميات الشرقية.. وإذا اتفقنا اليوم أصحاب المناطق الشرقية، مثلاً، ألَّا نكون جزءاً من دولة الجنوب فهذا من حقنا كما كنا قبل الاستقلال محميات شرقية.
أنا شخصياً ليست لديَّ مشكلة، ننفصل وتكون لنا دولتنا الجنوبية أو دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي، وسنراعي ونحافظ على هذا الاتحاد، وليس عندنا حساسية في شيء.. الحساسية هي في من لديه مشروع محدد ومعروف في رأسه.
*الحساسية هي في إقليم شرقي.. يعني حضرموت بهذا الإقليم؟
-(مقاطعاً) سيظل الناس يتكلمون عن الإقليم الشرقي حتى تأتي الحلول، وأياً كانت الحلول انفصال أو اتحادية من إقليمين نحن موافقون، بحيث تكون المحافظات ولايات ولكنها لن تكون ولايات بنظام 67م.
*كيف؟
-ولايات لها وزنها وحقوقها، ولايات لها قيمتها بحجم وزنها، إذا وزنها واحد طن فهي واحد طن، ولن نقبل أقل من ذلك.
*وكأنك تشير إلى تهميش عانته حضرموت في السابق مقارنة بوزنها أمام المحافظات؟
-نعم حصل تهميش، لكن الآن ليس هذا مجال الحديث عنه، يهمنا الآن قبل أي شيء حل القضية الجنوبية، ولكل حادثة حديث.
*ألا ترى أن عصبويتك الحضرمية واضحة؟
-إذا كان اهتمامي بهموم أبناء منطقتي عصبوية فلتكن، اليوم غير الأمس.. اليوم نحن في وضع "خيركم خيركم لأهله".. سأتحدث بكل شجاعة لما هو في صالح حضرموت وأبنائها، وفي نفس الوقت أنا جنوبي وسأتحدث وأعمل لصالح شعب الجنوب.. كما أنه لا أحد يستطيع أن يفصل حضرموت وشبوة والمهرة عن عدن، فهذا نسيج اجتماعي مترسخ.. المسألة فقط توزيع الثورة والسلطة في إطار كيان موحد.
الانفصال لا سواه
* أعلنتَ انسحابك من الحوار في بداية الأمر عندما أُعلن عن أسماء أعضاء الحوار، لكنك-وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً- التحقت بزملائك المشاركين باسم الحراك.. لماذا؟
- كنا متفقين في عدن قبل قدومنا إلى صنعاء على أسس وشروط معينة، وموقعين على ميثاق يحدد طبيعة المشاركة في الحوار، وعندما طلع الصريمة ومحمد علي والمجموعة إلى صنعاء أعلنت انسحابي، كون آلية الحوار مخالفة للشروط التي حددناها كسقف للمشاركة.
* أبرز الشروط مثلاً؟
- أن يكون الحوار ندياً بين الشمال والجنوب، وأن يكون خارج البلد، وتحت إشراف دولي وإقليمي.
* وبعد انسحاب الصريمة ومغادرته البلد إلى محل إقامته في عمان التحقت بالحوار، لماذا.. هل لانسحاب الصريمة علاقة؟
- أبداً، وإنما اطلعت على المواقف، وراجعني الكثير ممن أحترم آراءهم بضرورة وأهمية المشاركة لحل القضية الجنوبية، وجدت أن عدم المشاركة هو الخطأ، إذ أن في ذلك تجاهلاً حتى للإرادة الدولية والإقليمية.
* لكنك، وحسب علمي، جئت إلى صنعاء والتحقت بزملائك في الحوار، وفي رأسك خيار واحد فقط وهو الانفصال عبر الحوار؟
- (وهو يضحك).. أكيد.
* وهل كلكم مجموعة الـ85 المشاركين باسم الحراك تحملون نفس الهدف، أو بمعنى آخر: ما هو السقف الذي وضعتموه لمشاركتكم في الحوار كمجموعة، وما الذي تريدون الوصول إليه؟
- الشعب الجنوبي وصل إلى قناعة بأن الوحدة انتهت، وأنه لا بد من استعادة دولته طالما وأن دولة الوحدة لم توفر له العيش الكريم، فضلاً عن اختلال الشراكة وإصابتها في مقتل بحرب 94م.. نحن جئنا على هذا الأساس، نطرح قضيتنا، ومع الحوار وجدنا في الصالات والقاعات من الشمال أناساً نعرفهم ويعرفوننا، وتكشَّفت لنا بعض الأمور التي ربما خفضت السقف قليلاً، وكذلك موقف المجتمع الدولي والإقليمي المتمسك ببقاء الوحدة، وبالتالي فالمطلوب الآن بقاء الوحدة ولكن بشكل آخر.. دولة اتحادية لفترة انتقالية تنتهي بحق تقرير المصير.
* يقال إنكم قبلتم المشاركة في الحوار بعد حصولكم على وعود بأن تكون النتيجة فيدرالية من إقليمين تنتهي بحق تقرير المصير؟
- حقيقة أنا شخصياً لست مطّلعاً على أية وعود من هذا القبيل أو غيره.
* هل أنتم في مجموعة الـ85 (مؤتمر شعب الجنوب) على رأي واحد حول الفيدرالية من إقليمين، أنا شخصياً أعلم أن من بينكم من يشترط أن تنتهي الفترة الانتقالية الثانية بحق تقرير المصير، وآخرين يشطبون "حق تقرير المصير"؟
- يفترض أن تكون المجموعة على رأي واحد، سواء على إقليمين مع تقرير المصير أو إقليمين بدون تقرير المصير.. ما لم ربما أنه وفي اللحظة الأخيرة يظهر الخلاف من داخل المجموعة.
* وأيهما الأكثر قبولاً؟
- إقليمين مع حق تقرير المصير، ومن يوافق على غير هذا فعليه أن يستعد لإقناع الجنوبيين لأن في هذا حلاً للقضية الجنوبية.. بدون تقرير المصير سيكون الحل أياً كان مرفوضاً، لأنه لا يحمل حلاً لا للقضية الجنوبية ولا للقضية اليمنية بشكل عام.
* طيب.. إذا وصلت الأمور إلى (فيدرالية من إقليمين مع حق تقرير المصير) هل حُلّت القضية الجنوبية.. مكونات الحراك الجنوبي الفاعلة هي أكثر منكم وزناً في الشارع الجنوبي، ولا أعتقد أنها ستقبل، كما أنها أصلاً لا تعترف بالحوار الوطني؟
- فعلاً.. هذا وارد، فصائل الحراك الجنوبي السلمي الموجودة في الساحات لا تقبل بغير استعادة الدولة المستقلة، ولكن الفيدرالية من إقليمين مع حق تقرير المصير ويصاحبها شيء من حسن النية وإجراءات ملموسة للتغيير وإظهار الدولة في الجنوب دولة النظام والقانون، ربما يلقى قبولاً مع جهود تبذل من قبل السلطة والرعاة لإقناع الجنوبيين، وفي الأخير نحن سنقول لأصحابنا هذا ما أمكننا فعله، وسنذهب إلى بيوتنا ونترك لهم أن يواصلوا مسيرتهم إلى حين يأتون بالحل.
* وبالنسبة لخيار (الإقليمين بدون حق تقرير المصير)؟
- هذا لن يقبل به أحد، ومن سيوافق على هذا فعليه أن يستعد لفرضه على شعب الجنوب بالقوة، والقوة ستقابلها قوة أيضاً، وأنا شخصياً لا أقبل أن يتحول الجنوب إلى ساحة للصراع والتجاذبات الدولية، وأرى أنه ما لم يكن الحل (فيدرالية من إقليمين مع حق تقرير المصير) وتكون المحافظات داخل كل إقليم عبارة عن ولايات تدير شؤون نفسها، فالحل هو تعدد الأقاليم، والجنوب اليوم يختلف تماماً عن جنوب 67، ويختلف حتى عن جنوب 94م.. وهناك قوى فاعلة كثيرة ومتنوعة المشارب.
* أفهم من كلامك أن حضرموت اليوم، وفي الدولة الاتحادية القادمة، لن تكون هامشية.. في حين أن محمد علي أحمد وياسين سعيد نعمان يبحثان عن إقليم جنوبي يكون على مقاسهم؟
- لن تكون حضرموت هامشية على الإطلاق، سواء في ظل دولة اتحادية من إقليمين أو متعددة الأقاليم، الدولة القادمة أياً كان شكلها، إذا أردنا لها الثبات والاستقرار فلا بد أن تبنى على ثلاثة مداميك رئيسية (صنعاء، عدن، وحضرموت)، بحيث تكون صنعاء مثلاً عموداً رئيسياً لأقاليم الشمال، وتكون عدن عموداً لإقليم الجنوب، وتكون حضرموت عموداً للإقليم الشرقي.. ولا بد أن تكون الدولة الاتحادية القادمة بهذا الشكل، وهذا الرأي مطروح من قبل من هم أكثر معرفة ودراية بأوضاع البلد.
واقع الحراك الجنوبي
* كيف تقرأ وضع الحراك الجنوبي الآن وبعد مضي 6 سنوات من تشكيل مكوناته؟
- في الحقيقة الشكل العام فيه التفاف كبير حول الهدف الرئيسي وهو الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية، وتبقى الخلافات حول التفاصيل الأخرى.
* في البدايات الأولى من مسيرة الحراك كان لك حضور سياسي، ولكن سرعان ما خفت نشاطك وتواريت.. لماذا؟
- في البداية، فعلاً عام 2007م كان لي حضور ونشاط أثناء تشكيل النواة، ولي علاقة طيبة مع كل المكونات الرئيسية، ولكن شعرت أني ربما لتقدمي في السن لا أستطيع أن أجاري حركة الشباب المتغيرة وغير الثابتة على شيء، وغير الثابتة حتى على قيادات معينة، وأمام أبسط شيء يمكن تصل إلى خلاف حاد مع فلان أو علان.. إلخ.. وأنا أعتقد أن لي رصيداً في العمل الوطني النضالي ولا أريد أن تشوبه شائبة.
*لعل أبرز مكونات الحراك الفاعلة هي المرتبطة بالرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، والقيادي البارز حسن أحمد باعوم.. برأيك ما طبيعة الخلافات بينهما والتي أدت مؤخراً إلى تشظي المجلس الأعلى للحراك الجنوبي إلى قسمين، الأول بقى بنفس الاسم ويتبع باعوم، والثاني المجلس الأعلى للثورة الجنوبية ويتبع البيض؟
-أنا حقيقة لا أعرف سر الخلاف هذا ولا أجد له أي مبرر.. الكل متفق على الاستقلال، إذاً ما السر للخلاف؟ خلاف أشخاص وتفاصيل لا لزوم لها، وهو خلاف غير مقبول، وسيضر بالقضية الجنوبية كثيراً.
*ربما أنها الارتباطات الإقليمية المتناقضة؟
- أنا لا أستطيع أقول كلاماً مثل هذا، وأنا بعيد عن دائرة صنع القرار في هذا المكون أو ذاك.
حرب 94م
*عصبويتك لحضرموت ليست جديدة، ففي المواقف المفصلية نجدك دائماً حضرمياً أكثر من أي شيء آخر، مثلاً في 94م ومع أنك من المحسوبين على (زمرة) علي ناصر إلا أنك التحقت بالبيض، كقائد عسكري متحمس للانفصال ولكن بحضرموت وليس بالجنوب؟
- أبداً، كنت متحمساً لاستعادة الدولة الجنوبية، وعملت لذلك كثيراً.
*لكنك انتقلت مع البيض وقيادات حضرمية أكثر فاعلية من عدن إلى حضرموت في إطار مخطط الانفصال بحضرموت على الأقل؟
-هذا غير صحيح، فكرة الانفصال بحضرموت لم تكن واردة على الإطلاق، وإنما هي إشاعة نقلتها القيادة في الشمال، وتلقفها الإخوة في عدن، وساعد في شيوع الإشاعة ربما انتقال البيض إلى حضرموت.
*وكميات الأسلحة التي وصلت من الخارج إلى حضرموت.. لماذا؟
-لأن إنزالها في حضرموت في ذلك الحين أسهل بكثير من إنزالها في أي مكان آخر، وعلى أن يتم توزيعها بعد ذلك.
*من أين كان مصدرها؟
-لا أعرف، ثم أنها وصلت متأخرة بعد فوات الأوان، كانت القوات الشمالية النظامية والنهَّابة على مشارف المكلا.
*وكنت حينها محافظاً لحضرموت بقرار من حكومة الانفصال؟
-(يضحك)، محافظ لمدة أربعة أيام فقط، القرار صدر من الجفري في عدن وأذيع في إذاعة عدن قبل دخول القوات الشمالية إلى المكلا بأربعة أيام.
*لم تكن ممن خرجوا مع البيض إلى عمان؟
-صحيح، رحت أولاً إلى قريتنا في مديرية حجر، أخذت راوشن (مستلزمات) من الحامية في المكلا (دقيق، سكر، معلبات، وبترول)، تحركت ومعي سيارتان شاص وحوالي عشرة أشخاص، وكانت المليشيات القبلية النهَّابة على مشارف المكلا تتقدم القوات النظامية تقريباً بـ20 كيلو.. طبعاً اليوم الذي تحركت فيه كنت ومن معي قد صعدنا إلى تل مرتفع على الساحل، يكشف الساحل والطريق البري، وشاهدت منظراً يبدو لي أنني قد شاهدته في الأفلام، وهو لحظة الانهزام.. جلسنا نشوف.. القوات التي كنت عندها البارحة تدافع عن ساحل حضرموت وهم منسحبون على الساحل، منهم من رمى بندقيته ومنهم كذا، ومنهم....، المهم كلهم شباب متوجهون للمكلا، خلاص انهزموا، فقلت لمن معي خلاص، هذا هو شكل الهزيمة عندما ترى قواتك قد تخلت عن مواقعها.
* أبو بكر بن حسينون، قتل وهو يدافع عن المكلا؟
- هو قتل في ذات المكان، لم يكن يعرف أن قواتنا المدافعة عن ساحل حضرموت قد تخلت عن مواقعها وعادت منهزمة إلى المكلا.. هو قتل بعد ساعة من تلك اللحظة التي شاهدنا فيها الهزيمة.. الله يرحمه.
ثورة أكتوبر
* ونحن نستعد للاحتفال باليوبيل الذهبي لثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة، باختصار وباعتبارك أحد روادها، هل كانت ثورة كفاح مسلح بحت أم ثورة شاملة؟
- للأسف، الإعلام الرسمي هو من يصورها كأنها كفاح مسلح فقط، من خلال الصور واللقطات التي دائماً يعرضها، حين يكون الحديث عن ثورة 14 أكتوبر.. والحقيقة أنها ثورة شعبية شاملة.. ثورة 14 أكتوبر ليست عبارة عن ثورة مسلحة كما يفهمها غير المطلعين على الأوضاع، بل هي ثورة وطنية شعبية وجدت قاعدتها الشعبية قبل اللجوء للسلاح.. لم تأت عن فراغ، ولم تكن أول شرارة، هي البداية، فتوسعت فيما بعد كما يبسطها بعضهم حتى وصلت إلى حضرموت شرقاً، وزحف ثوارها من جبال ردفان حتى سقطرى عاصمة السلطة المهرية.
وعلى هذا الأساس فإني أوجه النقد للإعلام الرسمي أولاً، ثم لبقية الإعلام في اليمن، وأقول لهم إن ثورتنا شعبية وطنية قاعدتها جماهير الشعب ومنظماته العمالية والجمعيات والتنظيم السري الواسع قبل بدء العمل المسلح الذي هو المكمل.
أقول لهم هي ثورة شعبية منظمة وليست عبارة عن (البوازيك) التي تعرضونها ومجموعات من المقاتلين، لماذا لا تعرضون المظاهرات التي كانت تقوم في عدن والمكلا والشحر وسيئون.
أين الإضرابات والمظاهرات التي استقبلت لجنة تقصي الحقائق الدولية.
لا تحاولوا إيهام المشاهد أن ثورة 14 أكتوبر كانت قد بدأت في ردفان بتوجيهات من صنعاء، فصنعاء في ذلك الوقت لم تكن في وضع يسمح لها بمثل هذا العمل، فهي مشغولة بمعارك الدفاع عن الجمهورية، ومع اعتزازنا بالثوار الذين كان لهم شرف بدء أول شرارة للثورة فإن انتشارها في بقية مناطق الجنوب ليس لأنهم تقدموا زاحفين إلى بقية المناطق لتحريرها كما يحاول البعض تبسيط الأمور، لكن الحقيقة هي أن هناك ثورة كان يُعدُّ لها مسبقاً قبل 26 سبتمبر، ولها وجودها المنظم.. صحيح أن 26 سبتمبر هيأت الظرف المناسب، وأن مقاومة المقاتلين في ردفان أشعلت الفتيل، ولولا القاعدة السياسية المنظمة التي وجدت من قبل كما قلت آنفاً لحوصر ثوار ردفان هناك وربما قد لا نعرف شيئاً عن الشهيد لبوزة.. لكن الواقع أن الإعداد للثورة قد وجد من قبل، وكنا ننتظر فقط ساعة البداية، ولهذا تم بسرعة فتح جبهات قتال أخرى وأعلنت حركة الفدائيين في عدن ووزعت البيانات حول الثورة في جميع أنحاء جنوب اليمن المحتل ومحميات عدن الشرقية، وبانتظام، ومعها الإضرابات والمظاهرات.
* يقال عن الثورات إنها تأكل أبناءها، فهل الحال كذلك مع ثورة 14 أكتوبر، خصوصاً مع ما شهدته دولة الجنوب العربية عقب الاستقلال من صراعات دموية؟
- للأسف، هي لم تأكل أبناءها وحسب، بل وأحفادها.
* لماذا؟
- التخلف.. لم يكن اليسار يساراً ولا اليمين يميناً، كانت تجربتنا الاشتراكية هي فقط صدى للاشتراكية القومية في بيروت، ولهذا جاءت أحداث 13 يناير 86م، مناطقية في الغالب، لا يسار ولا يمين.
* طبعاً كنت ضمن (زمرة) علي ناصر محمد؟
- حسبوني على الزمرة مع أنني كنت آنذاك في موسكو ملحقاً عسكرياً.. في نهاية يناير وصلت الدعوة للوصول إلى عدن لحضور الجلسة الطارئة للجنة المركزية للحزب، فوصلت إلى عدن بداية فبراير كما أعتقد، ومجرد نزولي من الطائرة في مطار عدن الدولي أدركت مدى الكارثة التي حلّت بالمدينة والوطن كله، أدركت ذلك من خلال نوعية المستقبلين والعاملين والحراسات من ملامح الوجوه وحالة التوجس والريبة لديهم، من خلال قسمات الوجوه التي تعبر عن الفجيعة وغياب الرضا والبشاشة، لقد أخافتني نظرات بعضهم نحوي، وسؤالهم عن هويتي، حتى أن أحدهم همس للأخ سيف صائل الذي أجلس بجواره في الصالة وسمعته يقول لذلك العسكري الذي لم يحلق ذقنه منذ يوم النحس، وهي صفة تشمل معظمهم، سمعت سيف صائل يقول: هذا باراس أحد مناضلي الثورة البارزين، ولم أسمع بقية الحديث، لكن النظرات مريبة.. حرص سيف صائل أن يرافقني إلى منزلي في المعلا، وهو ما يعني أن آخذ جانب الحيطة.