كتاب : حضرموت بين القرنين :العاشر و السابع عشر للميلاد : بين الاباضية و المعتزلة (مشروع رؤية)
( الحلقة الاولى)
(بيان للناس)
مشروع الرؤية :
في كتاب : حضرموت بين القرنين : الرابع و الحادي عشر للهجرة ، العاشر و السابع عشر للميلاد : بين الاباضية و المعتزلة (مشروع رؤية)
و مستقبل الكتابة التاريخية في المسألة الحضرمية
بقلم الكاتب والمؤرخ : سالم فرج مفلح
(أن نكون الاوائل هو أن نكون ملعونين محتقرين – نيتشه-)
..........................
قال المؤرخ الالماني (رانكه) - 1795 -1886م - : (ان علم التاريخ يبدأ بنقد التقليد . ) ، ما يقصده رانكه بنقد التقليد ، هو ذلك النقد المؤدي الى الكشف عن منطق خاطئ و مضلل ، و ابداع غيره . و في هذا الاتجاه لمعنى الكتابة التاريخية تأتي دراستنا التاريخية في الكتاب المذكور، فهي تنتمي إلى ما يسمى بالكتابة التاريخية النقدية ، أو التوثيق التاريخي المضاد ، هذا النوع من الكتابة يهتم بإعادة كتابة التاريخ على أسس أكثر دقة وصرامة علمية ، وهي الكتابة التي تهتم بها الجامعات ومراكز البحوث والدراسات . وإذ أن المادة التاريخية في الكتاب المذكور تحمل عبارة ( مشروع رؤية ) ، فإن هذا يعني أنها تحمل في طياتها قراءة نقدية لرؤية سابقة عليها وسائدة ، مضمونها هو : ( السيادة المبكرة للاعتقاد السني في العصر الوسيط ) ، وتطرح مشروع رؤية أخرى جديدة ومخالفة لما قد رأته الرؤية السائدة ، مضمونها هو : ( استمرار سيادة الاعتقاد الاباضي و المعتزلي حتى العصر الحديث ، اي القرن العاشر الهجري على الاقل – السابع عشر الميلادي .).
و حيث ان هذه الدراسة او مشروع الرؤية ، هي في محتواها (رؤية تأسيسية) ، اي غير مسبوقة مادة و منهجا ،و تقف على قطيعة مع (الرؤية السائدة) في الكتابات التاريخية المشتركة معها في موضوعها خاصة الحضرمية منها ، و ترى ان تلك (السيادة) تقوم على المهترئ المتهالك المتآبد او الساعي للتآبد ، اي انها في مهمة اختراق التقليدي و المألوف و زعزعة يقينياته و ثوابته و بداهاته ، هكذا يمكن فهم مهمة حديثنا - كأول خطوات هذه الرؤية - حول (الرؤية السائدة و نقضها ) و ليس مجرد نقدها ، هذا (النقض) الذي تم (جذريا ) ، اعتمد على تبيان التناقضات الذاتية والموضوعية ( الداخلية و الخارجية ) للرؤية السائدة ، اذ انه لا يحق لرؤية ان تدعي (العلمية) في الوقت الذي تحمل فيه تناقضاتها في ذاتها ، اي في منطقها الداخلي و صميم بنائها ، و هو الامر الذي وضع تلك الرؤية في مأزق علمي خانق ، ان لم تكن قد ولدت ميتة ، لا ارى افقا للخروج و الخلاص منه بحيث يعيد لها حضورها المرجعي السابق ، و ذلك للاسباب التالية :
1- ان تلك الرؤية انما هي حصيلة و ضحية ( منهجها ) الذي جانب و حاد عن (العلمية) حتى في ابسط شروطها و هو (عدم التناقض) حسب مبدأ (الثالث المرفوع او الممنوع) ، ، فليس من العقل أو المنطق أو العلم في شىء ان يقول مؤرخ : انه في القرن الرابع الهجري اذاب الله الاباضية كاذابة الملح ، ثم نجده يقول بحضورها القوي في قرون لاحقة متأخرة ، او ان يقول آخر : ان حضرموت في القرن السادس الهجري كانت كلها سنية الاعتقاد ، ثم نجده يقول عن الاوضاع في نفس ذلك القرن : و كانت الاباضية و المعتزلة طامة على الملة الاسلامية .أو يقول آخر : انه في ظل الغزو الصليحي لحضرموت في منتصف القرن الخامس الهجري ، ارتفعت راية اهل السنة . فكيف يمكن ان نفهم ان تقوم الدولة الصليحية الشيعية الاسماعيلية المذهب باعلاء راية أهل السنة ؟. هذا المنطق المختل و المتناقض الى درجة السذاجة ، هو منطق كل المؤرخين الحضارمة الذين عانوا الكتابة التاريخية الحضرمية ، و كل يتناقض على طريقته ، غيرأنهم متفقون على السيادة المبكرة للاعتقاد السني في حضرموت و هو الامر الذي يرى مشروع رؤيتنا خلافه تماما . ولهذا فان اعتماد نفس هذا المنهج – ان كان هناك منهج - للبحث عن مخرج من ذلك المأزق ، لابد ولا محالة ان يكون عديم الفائدة ، و لن يعطي جديدا يذكر ، و بالتالي سوف يظل الموقف العلمي لتلك الرؤية حبيس مأزقه الخانق ، اذ ان الجديد لا يأتي الا من خلال اعتماد منهج آخر اكثر علمية و حداثة ...................
2- في حالة اعتماد منهج آخر اكثر علمية و حداثة ، فانه يستحيل ان يعطي مخرجا موافقا لتلك الرؤية و يعززها ، لآن ازمتها لم تكن الا نتاج تناقضاتها الفجة و الصارخة ، فالحداثة انما هي ثورة عقلية ضد التقليد و الاتباع و النقل و الانغلاق و الجمود على الموجود ، بل هي (العقلانية ) التي تغطي فضاء الوجود الانساني في هذا العصر ، و ليس مهمة مناهج الحداثة الا التفكيك و النقض و الهدم من خلال بيان العيوب المنهجية و كشف التهافت ،اي الهدم من اجل اعادة البناء ، و ليست مهمتها تصليب المفتت و المفكك ، و لا تجهد و تجتهد في تصليب المفتت و المفكك الا افقر الكلمات و اعجزها عن التجديد و تجاوز التقليد ، و لهذا فان اعتماد مناهج الحداثة لن تقدم الا تعزيزا اضافيا لمشروع رؤيتنا هذه ، و هو الامر الذي يترتب عليه ان تكون الرؤية السائدة التقليدية من كتابات الماضي التي فقدت قدرتها المرجعية ( التفسيرية ) ، اذ لا فائدة ترجي من حقن الدواء لجثة هامدة ...................................
3- ان انتفاء (العلمية ) عن الرؤية السائدة ، و بالمقابل المنهجية الصارمة التي شكلت بناء مشروع رؤيتنا ، كل ذلك يمنع (الصدام العلمي ) بين الرؤيتين ، نظرا لعدم التكافئ ، كما ان اية محاولة لفتح مجالات صدام مع مشروع رؤينتنا ، لن تقدم الرؤية السائدة من خلاله الا حشفا و سوء كيل ، و سوف يؤدي الى مزيد من التعرية لجسدها الضئيل المتهالك ...... و حول (عدم التكافئ ) بين الرؤيتين ، حدث في شهر فبراير 2016م ، في جامعة حضرموت ، أن كانت هناك مناقشة لرسالة ماجستير بعنوان:( موقف علماء حضرموت من الشيعة) ،كان الطالب من حضرموت و الدكتور المشرف من جامعة حضرموت ، و كان الدكتور المناقش الخارجي من جامعة عدن ، و هو الذي بادر الطالب و المشرف بالسؤال التالي : لماذا تجاوزتم دراسة الاستاذ سالم مفلح الواردة في كتابة (حضرموت ...) و هي دراسة رصينة و تغطي اغلب المواضيع الواردة في الرسالة ، و هي تختلف مع ما تقومان بتسويقه .؟. و لعل فيما قاله الدكتور المشارك دلالات أخرى ، و لكن حسبنا منها ما يخص عدم التكافئ بين الرؤيتين..............
4- هذه المنهجية الصارمة و القيمة العلمية التأسيسية لمشروع رؤيتنا هذه ، هي التي دعت المجلس العلمي بجامعة عدن الى الموافقة على مقترح ( مركز الدراسات اليمنية ) بالجامعة على عقد ندوة علمية (بحضور المؤلف ) لمناقشة مشروع الرؤية هذه ، و حددت محاور الندوة و المسؤول العلمي عن كل محور ، و حدد تاريخ انعقادها في شهر سبتمبر 2007م ..
و في الوقت الذي يمنع مشروع رؤيتنا اعتماد ما قبله ، و يشل قدرته المرجعية التفسيرية ، فانه بالمقابل لا يقبل مواكبته و مسايرته في نهجه التجديدي الا من خلال مناهج بحث موافقة لها في نهجها ، اذ انه لا يقبل الا الكتابة العلمية المنهجية ، و هو الامر الذي يتطلبه البحث في اغوار التاريخ الحضرمي و مجاهيله و فجواته الكبيرة و بياضاته الواسعة ، من اجل الاجابة على السؤال المركزي و الاساسي فيه و هو : ما هي حقيقة سيرة الاسلاف التي اخجلت الاخلاف و دعتهم الى اخفاء و افناء سيرة السلف ،حسب المقولة التي اوردها المؤرخ علوي بن طاهر الحداد ، حين قال في اشهر سقطاته على الاطلاق : (ان الأخلاف وجدوا في سيرة الأسلاف ما ينكرونه عليهم اليوم ، فعمدوا الى اخفائها و افنائها ) ، وهي التي اثبت صحتها مشروع رؤيتنا أو يزعم ذلك.؟ ، ثم ماذا ترتب على عملية الاخفاء و الافناء تلك في كل مناحي الحياة السياسية و الاجتماعية و الثقافية ؟ ، ثم هل ثمة علاقة ما بين الرؤية السائدة تلك و أزمة الهوية التي تعصف بالمجتمع الحضرمي منذ قرون خلت ، ثم ما هي الطرق و السبل و الحيل التي اتبعها الاخلاف في تحقيق و انجاز مهمتهم في الاخفاء و الافناء ؟ . ثم قبل ذلك و ليس بعده ، ألا تسقط و تقوض و تدحض الى حد التسفيه تلك المقولة كل ما قاله و كتبه و وثقه الاخلاف عن حقيقة سيرة اسلافهم .؟؟