الحوار الجنوبي وأهمية تصحيح مصطلحاتنا السياسية

2019-07-16 08:45
الحوار الجنوبي وأهمية تصحيح مصطلحاتنا السياسية
شبوه برس - خاص - عدن

 

كباحثين متخصصين في العلوم السياسية نحرص دوماً وننبّه ونشدد على توخي الحيطة والحذر عند تناولنا لأي من مصطلحات السياسة، سواء في النظم السياسية والدستورية أو قضاياً الفكر السياسي أو القوانين والعلاقات الدولية وبرامج السياسات العامة والتنمية السياسية وإدارة الأزمات أو قضايا الحريات والإعلام والرأي العام، وهي في مجملها تلزمنا وفق مقتضيات منهجية وعملية أن نركز جيداً على الدلالات والأبعاد والنتائج عند قراءة مضامين هذه الجهود والاصطلاحات.

 

وعليه.. أرجو حين نتحدث عن الحوار في ساحتنا الجنوبية أن نبتعد قدر الإمكان عن مصطلح الحوار (الجنوبي - الجنوبي)، لأن هذا المصطلح سيرسخ في الأذهان فكرة الاختلاف والتباعد بين الجنوبيينُ.. لأنه يعطي انطباعاً بوجود طرفين في الجنوب (جهتين أو شعبين) ونحن كما ندرك يقيناً شعب واحد وقضية واحدة.

 

و أنبه.. إن علينا إدراك أن المنظومة السياسية والحزبية في الشمال هي التي ساهمت بقوة، منذ أكثر من عقد، في نشر (مصطلح الحوار الجنوبي - الجنوبي)، من خلال وسائلها الإعلامية الكثيفة والمتنوعة وأصبحنا كجنوبيين نردد هذا المصطلح على عواهنه دون أن نتنبه إلى مخاطره السلبية على مستقبل التقارب بين أبناء شعب الجنوب الواحد، فالصحيح، يا إخواني، أن نقول: (الحوار الوطني الجنوبي) وليس (الحوار الجنوبي- الجنوبي).

 

علينا أن نتذكر أن قوى الشمال كانت حريصة من زمان على عدم إطلاق مصطلح (حوار يمني - يمني) في مختلف المراحل.. حتى قبل ما يسمى الوحدة، كانوا يطلقون مصطلح الحوار بين الشطرين، ودلالاته (أن الوطن واحد وفيه شطرين وليس وطنيين) ولا أعلم لماذا كانت عقول ساسة الجنوب مغيبة عند تناول هكذا اصطلاحات؟. وبالتالي فإن قوى الشمال كانت وماتزال ترفض مصطلح الحوار (الشمالي - الجنوبي) بما في ذلك مؤتمر الحوار الأخير بصنعاء، الذي أطلق عليه تسمية (مؤتمر الحوار الوطني) حتى كلمة اليمني ألغوها لما لذلك من دلالات ومقاصد إستراتيجية، نظراً لأنهم يدركون أن الأساس في الحوار ينبغي أن يكون (جنوبياً - شمالياً)، وبناء عليه، فهم يدفعون بقوة لتجسيد مصطلح (الحوار الجنوبي - الجنوبي) هروباً من حقيقة (الشمالي - الجنوبي) التي ستأتي في يوم ما طال الزمان أو قصر.

 

وأذكركم أن المصطلحات والمسميات السياسية مهمة جداً.. ففي تونس أو ليبيا أو السودان أو العراق، على سبيل المثال، نسمع عن حوار وطني تونسي، وحوار ليبي، وحوار عراقي، ولم نسمع عن "تونسي - تونسي" او "ليبي - ليبي" أو "عراقي - عراقي"، رغم إن هناك قوميات لها تاريخ وتراث خاص وحكم ذاتي، مثل الأكراد ولكن لم نسمع عن حوار (عراقي - كردي) وإنما تم حل خلافاتهم واختلافاتهم في إطار الحوار الوطني العراقي.

 

مرة اخرى، نحن في الجنوب ليس لدينا قوميات أو أقليات عرقية حتى نقول (حوار جنوبي - جنوبي) وإنما نحن وطن وشعب نصطف خلف قضية واحدة يعرفها القاصي والداني.. وليس بيننا أي خلافات أو تباينات حادة وإنما توجد اختلافات في وجهات النظر أساسها الخوف على المصالح وضمانات الشراكة الوطنية مستقبلاً، وهي أمور تحتاج إلى (مؤتمر حوار وطني جنوبي) حقيقي وقد بذلت هناك جهود طيبه جداً خلال السنوات الماضية، سواء تلك المتعلقة بالتحضير لمؤتمر الحوار الجنوبي الجامع، ما قبل انطلاق عاصفة الحزم ولم تكتمل نظراً لظروف الحرب وما أفرزته من تحديات واقع جديد، أو الجهود الحوارية الطيبة التي تبذل منذ سنة تقريباً من قبل الإخوة في المجلس الانتقالي الجنوبي وما تشكله من إضافات تبني على ما سبقها من الاجتهادات الجنوبية.. وحقيقة هي جهود وغايات تستحق أن نبني عليها ونثريها وندعمها بالمشورة والنصح والرؤى والأفكار الناضجة الجادة والمثمرة.. وأن نعد لها جيداً دون أي استعجال أو تسرّع، وإنما ننمي نضوجها ككرة الثلج التي تزداد حركة وتأثيراً كلما كبرت وتماسكت أكثر وصار بمقدورها سحق وتجاوز كل ما يعترض طريق سيرها المستقيم.

 

وسيكون من شأن كل ما سبق تجاوز السلبيات وتحسين وتنقية وتهيئة مناخات وبيئة الحوار الذي نتطلع إليه جميعاً، من خلال تجسيد قيم التواصل والتسامح والتغلب على ثقافة صناعة الخصوم والتخوين والإقصاء والكراهية وإرساء دعائم متينة للتقارب والشراكة والتغلب على ثقافة التفرد والانفراد بالقرار والوطن والوطنية.. وذلك لما فيه سعادة واستقرار أبناء جنوبنا الحبيب على طريق استعادة الدولة الوطنية الاتحادية الجنوبية العربية، كاملة السيادة والضامنة لحرية وكرامة ورفاهية كل أبناءها من المهرة إلى باب المندب ومن سقطرى إلى الحد الشمالي لوطننا الجنوبي وعاصمته التاريخية عدن.

 

والله ولي الهداية والتوفيق وخير شاهد على ما في الصدور والعقول.

 

*- هاجــع الجحــافي

*كاتب وصحفي وباحث متخصص في العلوم السياسية