> كلية الاقتصاد.. أعرق كلية يمنية تغرق في الفوضى والخراب !!
- لا تعليم أكاديمي مواكب لمتطلبات التنمية.. ولا إدارة قادرة على توفير أبسط الخدمات الأساسية للطلاب
- الكلية تشهد أوضاعاً إنسانية صعبة.. النظافة منعدمة.. ولا وجود لدورات المياه أو مياه للشرب.
لا يختلف الوضع الذي رأيناه في كلية (الاقتصاد) عما هو موجود في بقية كليات - جامعة عـدن- حيث تلخصت مجمل الهموم والشكاوى التي استمعنا إليها على لسان عدد من الطلاب والطالبات في انعدام النظافة العامة وغياب الخدمات الأساسية، وقصور العملية التعليمية والإدارية، وتدهور كل الدعائم التي تربط الطالب الجامعي بمستقبله.
والمعروف أن بلدان العالم اعتمدت وبشكل أساس على تنشئة أجيالها من خلال كلياتها المختلفة التي وفرت كل الاحتياجات والإمكانيات المتطورة لأجل تعليمهم وتدريبهم على العلوم والمهارات العالية، لاسيما في المجالات التي تتعلق بمتطلبات واحتياجات التنمية لعدد من مرافق الدولة.
لكن وما تشهده جامعة عدن حالياً يؤكد أن لا وجود لمستقبل حقيقي لهؤلاء الطلاب الذين يدرسون في ظل مناخات تخجل بقية جامعات الدول التحدث عنها، لا سيما عندما تتحول مؤسساتها ودوائرها الأكاديمية إلى واقع مشوه بملامح الفوضى والخراب والإهمال.
وعلى الرغم من التخوف والتحفظ اللذين أبداهما العديد من طلاب كلية (الاقتصاد) في الحديث عن المعاناة التي يقاسوها يوميا خشية من ردود فعل الإدارة إلا أن المعاناة كانت أكبر من أن تحبس في كتمان الصمت.
*معاناة طائلة ومستمرة
بدايتنا كانت مع الطالبة سمية زين (إدارة أعمال) والتي تطرقت في كلامها إلى غياب الاهتمام الكامل بأوضاع النظافة العامة في الكلية، حيث قالت: "كل شيء في الكلية ينعدم فيه النظافة حتى الدرج والممرات الداخلية تملؤها الأتربة والأوساخ، والحال ذاته بالنسبة للحمامات التي لا يوجد لها أبواب، ولا يتوفر فيها الماء الذي ينقطع في كل مرة أسبوعيين متتالين" .
وتضيف قائلة: "وبسبب الإغلاق العام لأبواب الكلية الداخلية، فإنني إذا قررت الذهاب إلى قاعة المحاضرة، فإنه يستوجب عليَّ قطع شوط كبير في الترجل لعبور البوابة الرئيسية والصعود إلى الطابق الثالث، ثم معاودة المشي في الممر لدقائق، وبعدها أنزل مرة أخرى إلى الطابق الأول لبلوغ القاعة" .
وتكمل: "مواقع الاستراحة في وسط الكلية تخلو من الكراسي الصالحة للجلوس، وهي استراحة لم يعد يتبقى فيها سوى المظلات التي قد تتلف في أي وقت بسبب التقصير في الحفاظ على الأثاث والممتلكات العامة في الكلية" .
وأشارت سمية في حديثها إلى وضع المناهج التي تدرس في الكلية فقالت: "هذه المناهج كثيرة ومكثفة ومعظمها فيها حشو لا يستطيع الطالب فهمها والخروج بأية معلومة بسيطة منها" .
وفي كلامها عن الأوضاع العامة التي يعاني منها الطلاب ذكرت: "الوساطة في هذه الكلية منتشرة بشكل كبير، حتى أنك تلاحظ طلاب منقطعين عن الدراسة يتم تصعيدهم من مستوى إلى آخر، بخلاف زملائهم الآخرين الذين يكدون ويتعبون للحصول على أعلى الدرجات العلمية، وفي النهاية يتم مساواتنا مع الطالب المنقطع عن الدراسة" .
وتشاركنا إحدى زميلاتها في الكلام، قائلة: "نحنُ كبنات نعاني من عدم صلاحية المصلى الخاص بنا، والذي لا يتوفر فيه مفرش واحد للصلاة، ونعاني كذلك من كثرة (الشحاتين) الذين يدلفون حرم الكلية ويتسولون بجانب قاعة المحاضرات، ولا نعلم كيف يدلف هؤلاء (الشحاتين) إلى الكلية التي ترفض دخول أي شخص عبر بوابتها إلا من لديه بطاقة دخول" .
وتضيف: "هناك فوضى تعيشها الكلية، حيث تجد بعض الطلاب يقومون بافتعال أمور فوضوية في أثناء ساعات المحاضرة دون وضع أدنى مكانة واحترام للدكاترة" .
*كلية بدون حمامات
ويشير الطالب نبيل فضل إلى عدم توفر في الوقت الراهن مجلس طلابي في الكلية يستطيع من خلاله الطالب إيصال همومه ومشكلاته للإدارة العليا، وقال: "كان لدينا في السابق مثل هذا المجلس الذي كان يرأسه الزميل أحمد زكي لكن بعد تخرجه انتهت وتوقفت أنشطة هذا المجلس" .
ويضيف: "لكن أكثر المعاناة التي نعانيها تكمن في عدم قدرتنا على استيعاب ما يقوله بعض الدكاترة الذين أغلبهم لا يملك مهارة إيصال المعلومة بالطريقة التي تسهل علينا فهمها، وكذلك فإن غياب الوسائل المساعدة للتعليم في قاعات المحاضرة، وعدم توفر أجهزة الصوتيات والمرئيات، يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة لنا كطلاب متلقين" .
أما زميله الطالب نائل الهبوب فتطرق في حديثه إلى خلو قاعات الدراسة من أجهزة تكييف صالحة للعمل، وإلى مسألة غياب النظافة في الكلية، وهي معاناة تضاف إلى قائمة معاناة ومشكلات كثيرة يواجهها جميع زملائه الطلاب.
وأردف قائلا: "النظافة في الكلية متردية بشكل كبير، والبيئة العامة التي نعيش فيها غير سليمة، فكل الحمامات التي يراد لنا ارتيادها غير صالحة للاستخدام، حيث لا أبواب فيها نستتر من ورائها، وتنبعث منها روائح كريهة ومقززة بسبب عدم توفر المياه فيها" .
وتضمن في كلامه جملة من الصعوبات التي يعاني منها طلاب الكلية، والتي تأتي في مقدمتها مشكلة تأخير بيانات ودرجات الامتحانات، وقال :"نعاني كثيراً من قسم التسجيل الذي مازال يؤخر بيان الدرجات الخاصة بالاختبارات والامتحانات، ويوجد حالة من صعوبة التعامل الروتيني بينه وبين الطلاب، والذي ينتج بسبب عدم تعاونه ومماطلته، حيث يظل الطالب لأعوام وهو لا يعلم شيئاً عن درجاته" .
*جانب من المشكلات
ويتحدث الطالب محمد طه قائلاً: "في الكلية هناك بعض الدكاترة لا يلتزمون بالوقت، وبعضهم يتأخر لأكثر من ساعة عن موعد المحاضرة، والآخر يرفض إكمال محاضرته ويكتفي بنص ساعة ثم يغادر القاعة" .
ويكمل كلامه: "هذا بالطبع يدل على عدم وجود رقابة حقيقية وإرادة جدية من قبل الإدارة قادرة على ضبط الأمور وإلزام المدرسين على إكمال محاضراتهم بموجب الوقت المحدد لهم في اللائحة التعليمية".
ويضيف: "بعض الدكاترة للأسف يتعاملون مع طلابهم بطريقة لا تمت للاحترام والمحبة التي تربط بين الأستاذ الأكاديمي والطالب الجامعي، حيث إن هناك بعض الدكاترة لا يستحقون لقب (دكتور) بخلاف بعض المعيدين والأساتذة الذين بأخلاقهم وبراعتهم في ترسيخ التعليم يستحقون هذا اللقب بجدارة" .
وقال مختتماً: "هنالك شعور ينتاب بعض الطلاب بوجود حالة من العنصرية والإقصاء، بسبب المعاملة الراقية والرقيقة التي يتعامل بها بعض دكاترة الكلية مع الطالبات، فيما يتعاملون بنوع من الحدة والقسوة إزاء الجنس الأخر" .
ويوضح أحد الطلاب الدارسين في الكلية متحدثا عن جوانب أخرى تضاعف من أوضاع المعاناة والتبرم لدى طلاب وطالبات الكلية، حيث قال: "مشكلة الانقطاع المتكرر للكهرباء لاسيما في أوقات الامتحان تمثل حالة مؤرقة بالنسبة لنا كطلاب، ما يجعلنا غير قادرين على استيعاب الدروس والمحاضرات، والكهرباء وإن كانت متوفرة فإن لهيب الحر من جانبه يلسع أجسادنا، حيث لا يوجد مفر منه، ولا تستطيع مكيفات الكلية مكافحته لأنها شبه منتهية وبحاجة إلى صيانة وإصلاح" .
ويستطرد بقوله: "كذلك حمامات الكلية حدث ولا حرج، فهي أصبحت مهجورة بلا أبواب وبلا مياه ولا تصلح للاستخدام الآدمي أبداً، مع أننا ندرس في كلية تقع في منطقة نائية لا توجد فيها أسواق ولا منازل، ويضطر عدد كبير من الطلاب على حبس قضاء حاجته حتى إتمام موعد دراسته والعودة إلى منزله، وبعضهم يترك المقاعد ويضطرون مغادرة الكلية والتوجه صوب منازلهم" .
ويختتم كلامه: "للأسف، الإدارة العامة لا تجيد التعامل بشفافية مع الطالب، خصوصاً من قبل القائمين على إدارة سجل الطلاب في الكلية، كما نعاني أيضاً من عدم وجود تطبيق عملي يساعدنا بعد التخرج في تبديد صعوبة البدء في شق حياتنا العملية على ترجمة ما تعلمناه خلال الأربعة سنوات من التعليم الجامعي، والسبب أننا تلقينا دروسا نظرية دون تطبيق" .
*حالة تصحر وجفاف
وتحدث الطالب محمد فضل، مشيراً في حديثه إلى ما يحدث في نطاق الكلية من وساطة ومحاباة يمارسها بعض الدكاترة، وقال: "نلاحظ أن أكثر الأشياء التي تنحصر ببعض الدكاترة هو الاهتمام والمعاملة الاستثنائية للفتيات" .
ويضيف: "الأمر لا يقتصر فقط على ذلك، بل هناك أيضاً بعض زملائنا الطلبة تجدهم غير ملتزمين بالأخلاق، وكثيراً ما تسمع من لسانهم ألفاظ وعبارات بذيئة، ويحضرون إلى الكلية بملابس وتقليعات لا تليق بمكانة الطالب الجامعي" .
واستطرد واصفاً الوضع العام في الكلية، بالقول: "كلية الاقتصاد صارت اليوم تشهد حالة من التصحر والجفاف بسبب عدم توفر المياه فيها، والتي بدورها قضت على خضرة الأشجار التي كانت تتوفر في فنائها بعد أن تم إهمالها، ناهيك عن عدم توفر حمامات صالحة للاستخدام، وهذه تعد أهم المشكلات التي يعاني منها جميع الطلاب والمنتسبين" .
واختتم كلامه مطالباً إدارة الكلية في إيلاء جزء كبير من اهتمامها بشؤون وأوضاع الكلية من الداخل، حيث قال: "إن كلية الاقتصاد في جامعة دبي بالإمارات تعتبر من أفضل الكليات الخليجية والعربية، بينما كلية الاقتصاد في "جامعة عـدن" والتي لها تاريخ عريق لازمها منذ تأسيسها عام 1973م، فهي بدلاً من أن تكون الأفضل أصبحت من أسوأ الكليات اليمنية" .
*إشارة لا بد منها
في أثناء قيامنا بإجراء هذا الاستطلاع الميداني كثيراً ما كان يلفت الطلاب في أحاديثهم إلى وجود سلوكيات تتعارض مع القيم والأخلاق العامة في مجتمعنا اليمني، وهي سلوكيات اعتبرها الكثيرون من الطلاب الذين التقينا بهم بأنها تعكس مدى التراخي والاستهتار من قبل إدارة الكلية في الوقوف ضدها ومنعها بحسم.
* الأيام