تتوالى المشاريع الشخصية للوالي المغلفة بالأغطية البرلمانية الجنوبية من ( دعوة التشاور ) إلى ( المجالس الأهلية الجنوبية ) التي يرسلها إلى أعضاء البرلمان تباعاً متجاوزةً وجود خطةٍ عمليةٍ مدروسةٍ ومقرةٍ من جميع أعضاء البرلمان ، ناهيك عن عدم العلم بذلك المشروع الخاص بـ ( المجالس الأهلية الجنوبية ) المنشور على صفحة التواصل الاجتماعي الفسبكي ، وعدم أخذ الموافقة على إقراره من أعضاء البرلمان أو تأجيل ذلك إلى حينٍ منظورٍ فيه ، ودراسته في إطار البرلمان تقضي تلك الدراسة باستحقاقه التداول مع الرأي العام ومع المكونات السياسية ومع الطلائع المثقفة في المجتمع ، فضلاً عن الجهات الرسمية في سلطة المحافظات الجنوبية ومجالسها المحلية بالإضافة إلى اللجان الشعبية التي تعمل في الميدان، وهذه الجهات جميعها تحتاج إلى رؤية مشروعٍ مكتملٍ ناضجٍ ومتميزٍ ومتواءمٍ مع الواقع السياسي ومستجيبٍ لاحتياجٍ ملحٍ يتقبله المجتمع ويدافع عنه ، وتجد فيه السلطة ومجالسها المحلية عوناً مطلوباً ورافداً مساعداً على حل المشكلات التي تعجّ بها الأمكنة والأزمنة الراهنة والمشاهدة ، إن المفاجاءات تسقط الاتجاهات وتلغي التوافقات وتحقّر السياسات وتذيب المؤسسات ، وتصبح المراهنات خزعبلات لدى بعض الرجالات ، وتصبح سفسطات في فلسفة الغفلات .
إن البرلمان الذي أسس في مطلع هذا العام يستلزم من جميع أعضائه الوقوف على كل ما يعتمل فيه أو باسمه من دعواتٍ أو مشاريعَ أو اتصالاتٍ مع جهاتٍ معينة ؛ خصوصاً والواقع السياسي يعجّ بالكثير من الكيانات السياسية التي ترتبط بجهاتٍ مشبوهةٍ تريد أن تنحرف بنضالات شعب الجنوب إلى مزالقَ غير محمودةٍ ، ولذلك يجب على الجميع أن يوجهوا دعوةً عامةً للبرلمان محتواها (( وضع ضوابط تنظيمية صارمة للسياسة الداخلية والخارجية )) تشتمل على الحدود الممنوحة لرئاسة البرلمان ، ووضع الضوابط والأحكام التي بموجبها تتم محاسبة رئاسة البرلمان فيما أقدمت عليه من وضعٍ لمشاريع أو دعواتٍ أو اتصالاتٍ انفردت بها وحدها من غير علم البرلمان بجميع أعضائه .
إن ( دعوة التشاور للقوى الجنوبية ) ذات اللون الطيفي الواحد ؛ التي لم يمضِ على توجيهها أكثر من شهرٍ حتى فوجئنا بـ ( مشروع المجالس الأهلية ) التي يراد لها عونُ الإدارات المحلية في محافظات الجنوب ، ولعلها ستكون على غرار تلك الدعوة السابقة ، إن مثل هذه الأعمال تتطلب قراراً جماعياً بعد دراسةٍ متأنيةٍ وواعيةٍ لمثل هذه الأمور ، وقد وجدت أحد المتحاورين على صفحة الفسبكة يقول : يكفينا ما قد مر من مشاريع ، ويقصد تلك الدعوات لمشاريع صادرةٍ عن أفرادٍ في معظمها أساسها الطموح في أيجاد حضورٍ شخصي ، أو تسجيل موقفٍ سياسيّ مجهول ، والبرلمان يجب أن ينأى عن مثل هذه الظنون ، البرلمان مؤسسة ديمقراطية تعلم الآخرين السلوك الديمقراطي ، وتبتعد عن العمل الفردي الارتجالي ، لذلك عليها أن تحتكم للصوت الجماعي بأرضيته الديمقراطية وكلمته العامة .
إن الغريب في امر المشروع أن هناك مسودةً له لم نرها نحن في البرلمان أو على صفحته إلآ وهي مذيلةٌ بـ ( مسودة ) قد اطلع عليها آخرون وقد استلم السيد الوالي ملاحظاتهم عليها ، ولم نرها إلآ بعد أن عُرِضت على الآخرين ، وقد قدموا ملاحظاتهم عليها ، وقد استلمها صاحبنا ، ولم يؤخذ رأي البرلمان فيها قبل ذلك ، ولم يقرها ، ولم يناقشها ، ولم يخرجها الإخراج النهائي لكي تكون أتم وأكمل ، ويرى الوالي أنه إذا نوقش باستفاضة يعرض على البرلمان وتشكل له لجنة لدراسته ، وهذا يعني أن مناقشته باستفاضةٍ ــ طبعاً خارج البرلمان ــ ثم يعرض على البرلمان ، ومناقشته خارج البرلمان تعني أن أطرافاً معينةً قد اقتنعت به وقبلته كما رأته بعد مناقشاتها له ، إن مثل هذا الأمر يتطلب طرح الفكرة في البرلمان أولاً ، ثم وزنها في الواقع الذي نعيشه وتحديد مدى قبولها ، وبعدها اتحاذ القرار فيها قبولاً أو رفضاً ، وإذا قُبِلت دُرست وغُربلت وأخرجت للناس من ميدانها الحقيقي [[ البرلمان ]] وليس من ميادين أخرى لا يدريها إلا من حبكها وأعدها .
ومما جاء في صدارة ذلك المشروع : { المجالس المحلية في حاجةٍ إلى دماءٍ جديدةٍ } ، وهذا يذكرني بالتكاليف الشبابية والحزبية في إطار اتحاد الشباب اليمني الديمقراطي ( أشيد ) وفي إطار الحزب الاشتراكي اليمني سابقاً ؛ تلك التكاليف التي يراد منها الاستقطاب للأفراد وترشيحهم لاتحاد الشباب أو للحزب لكي نمدهما بدماء جديدة في جسديهما ؛ في كيانيهما الشبابي والحزبي اتقاءً لهرم العضوية فيهما ، وهذا يعني ــ حسب السيد الوالي ــ أننا سنجدد الدماء في جسد المجالس المحلية في المحافظات الجنوبية بإدخال تلك المجالس الأهلية في قوام العضوية للمجالس المحلية تلك !!! إنني لا أجد ما أعبّـر به أمام هذه الشخصنة المقيتة والممقوتة إلآ ما قاله البردوني ــ رحمة الله عليه ــ : ماذا أحدّث عن صنعاء يا أبتي ، والبقية تأتي على ألسنتكم ..
إن الدكتور عبدالرحمن الوالي ــ على الرغم من لطفه وحبنا له ــ إلآ أنه لم يراعِ المعايير الديمقراطية في شخصه ؛ أعني الشخصية الاعتبارية البرلمانية التي يتمتع بها في إطار هذه المؤسسة ، فضلاً عن معاييرها التي يحترمها جميع الأعضاء ، ومع احترامهم لها واحترامهم لك يا سيد عبد الرحمن ؛ يا رئيس البرلمان ؛ هذا الاحترام المزدوج الممثل في المؤسسة وقائدها يجب أن يكون له تبادل مشترك بين الأعضاء ( البرلمان ) والقائد ( الوالي ) ، ولكن السيد الوالي أسقط إسقاطاً متوالياً المؤسسةَ ؛ البرلمانَ وقوامَها ؛ الأعضاءَ ، وجميعَ معاييرِها وأنظمتِها وقوانينِها في ممارساتها وأخلاقياتها الحضارية والواعية والمستوعَبَة ، وهذا الرد على ( المجالس الأهلية ) بعد الرد على ( دعوة التشاور) ؛ كلاهما موجهان إلى البرلمان أولاً ، وإلى السيد الوالي ثانياً ، وإلى الرأي العام ثالثاً ؛ لكي نقرر أن الإسقاط المتوالي بالدعوات والمشاريع والاتصالات أمرٌ مرفوضٌ ، وإذا تكرر فإننا سنطالب بدورةٍ انتخابيةٍ برلمانيةٍ يحضرها جميع الأعضاء ، ومن جميع محافظات الجنوب ، وفي زمنٍ مناسبٍ ومعقولٍ ومقبولٍ من جميع الأعضاء ، وبعد وقتٍ يمكن الأعضاء من تحضير أنفسهم للسفر مادياً ومعنوياً ، وسنسقط الإسقاط ؛ إسقاطاً وارتباطاً ..
* بقلم د.ناصر العيشي عضو البرلمان الجنوبي