حصن بارشيد
"سنوات ما بعد ( الاستقلال ) الى اليوم ، قد راكمت من عناصر الفقد و الضياع في ازمة الهوية الحضرمية اليوم"
في لحظات الحسم التاريخي ، كثيرا ما تبرز الادعاءات بمشاريع مستقبلية ذات بريق جذاب ، و يكثر الحديث عن الماضي الزاهر و الحاضر التعيس و المستقبل المنشود .
و هذا هو حال الخطاب اليوم حول حضرموت و هويتها و مستقبلها ،و كل يطلب صيد غير ان الشباك مختلفات...
يتميز الخطاب حول حضرموت اليوم ، بانه خطاب اجوف ، خالي من أي سند يسنده سياسيا او علميا او ثقافيا يستحق الاعتماد عليه في البناء عليه ..................
هذا الخطاب لا يغادر الطرح العاطفي و المزايدة السياسية بغرض المكايدة لاهداف لاعبين خارجيين في الاغلب ، و اقلها لاعبين داخليين ....................
و لكن دعونا نتحدث على المكشوف في هذا الامر ، لعلنا نكشف ما تيسر من تجويفات ذلك الخطاب ، حتى لا يسري خواؤه في( العظم ) الوطني الحضرمي الذي يعاني من هشاشة مزمنة ..
نحن اليوم – كحضارم – نجهل تماما من هم الاعداء و من هم الاصدقاء عبر تاريخنا الاسلامي ، كما نجهل تماما مسارات ذلك التاريخ ، و اعلامه و شخصياته و قادته و معاركه و انتصاراتنا و هزائمنا ، نجهل تماما حقيقة تراثنا الذي تركه لنا الاسلاف ليضىء لنا الطريق ،نجهل تماما جهود الاسلاف الادبية و العلمية و الاجتماعية،كما نجهل الرسالة او الرسائل التي تركها لنا الاسلاف لنقولها لابنائنا و اطفالنا في مدارسهم و معاهدهم .؟
نحن اليوم في خاتمة المطاف نجهل تماما من نحن ، تماما كما نجهل حقيقة علاقاتنا التاريخية بمحيطنا الاقليمي، و لهذا عجزت حضرموت ( الثقافة و التاريخ ) ان تؤسس دولة تمثل هويتها و شخصيتها لانها لا تملك ما تقوله للاخرين عن نفسها .......... ، و لاننا كذلك حقا لا ادعاءا، فقد كان البديل هو (يمنية ) حضرموت ، و ماركسية المسار..............و تلك كانت قاصمة الظهر اليوم .
كان لابد ليمننة حضرموت و ( مركست) مسارها ، ان تدفع بمزيد من ( الاغتراب ) عن الجذور و الاصالة ، أي مزيد من ( العدمية ) في مجال ( الهوية )، و هو الامر الذي ادى الى ( شحن ) ثقافة ( نحن - الهوية ) بمزيد من الزيف و التضليل و الكذب و الافتراء الوقح في مسألة الانتماء و ما يترتب عليه من استحقاقات
.................
النتيجة التي لابد ان نصل اليها مما سبق ، هي انه اذا كانت الهوية الحضرمية المكتوبة هي في حكم ( المفقودة ) منذ قرون خلت ، فان سنوات ما بعد ( الاستقلال ) الى اليوم ، قد راكمت من عناصر الفقد و الضياع في ازمة الهوية الحضرمية اليوم ، و اصبح تلمس مسار المستقبل اكثر صعوبة مما كان قبلا ، لان شرط ذلك المسار الاساسي هو فهم الماضي و الحاضر ، و هذا الفهم له شروطه العلمية ،تلك الشروط لم يتم بعد البدء في تأسيسها في مؤسساتها المتخصصة ، و لن يتم ذلك التأسيس الا بقيام دولة الهوية التاريخية الاصيلة
.......
مشروع ( البحث عن الاصول التاريخية ) للهوية الحضرمية لابد ان يكون مشروع ( علمي ) صارم ، لا يقبل أي انحراف عن شروط المعرفة العلمية نحو أي قدر من العاطفة او التساهل او التعالم، لانه يهدف الى تأسيس الحقيقة الوطنية ( الغائبة ) ، و تطهير العقل و الوجدان الوطني من كل ما علق به من وعي وطني زائف و ثقافة لا تملك شروط اصالتها و ثباتها و ديمومتها ، و هي لهذا لا تقبل التأسيس المستقبلي عليها
..................
مشروع كهذا و بهذه الاهمية الوطنية ، لا بد ان يكون في الاساس مشروع وطني سياسي استراتيجي ، يتطلب رجال من عيار ثقيل وطنيا و علميا ، تحشد له كل امكانيات الدولة و المجتمع ،و جهود سياسية كبيرة على مستوى السياسة الدولية ، و يستفيد من كل الانجازات العلمية المعاصرة في هذا المجال ، عبر مراكز الدراسات المتخصصة ، لانه لا يقبل الفشل باي حال من الاحوال .
في خطاب (حضرموت الحضارة و التاريخ ) كما يتم اليوم ، لا نجد أي تشخيص عن ما ذكرت اعلاه ، و ما ذكرت الا القليل في موضوعه ، و لهذا نقول عنه انه خطاب اجوف ، وهو من ناحية اخرى لم يأت ليؤسس لمستقبل زاهر لحضرموت ، لانه مجرد حديث لغو ليس لديه من مؤنة سوى استثمار اسم حضرموت التاريخي، اعتزاز الحضارمة بسلوكهم الحضاري المتميز ، و شعورهم القوي الثابت باستحقاقهم لدولة تحمل اسمهم ، للحشد لاجندات لا تخص حضرموت المستقبل ، بمثل غياب تلك الاجندات الايجابي عن حضرموت الماضي و الحاضر ، فما كان لتلك الاجندات و المشاريع الخارجية منها بالذات ، ان تبصر الحضارمة بحقيقة ازمة الهوية التي يعانونها ، لان هدفها هو استغلال تلك الازمة لصالحها و تحقيق مراميها الخاصة بها .....، و هذا يشترط غياب الوعي بالحقيقة لتجنيد العاملين لديها في احسن الاحوال ، ان لم تقم ب ( تغييب ) الوعي اولا .
* سالم فرج مفلح ( باحث- مؤرخ )
6 يونيو 2014م