اعرف كثير من البريطانيين الذين ولدوا في عدن ايام حقبة الاستعمار لعدن والمحميات الاخرى في الجنوب ، منهم كيث فاز وزير الدولة البريطاني لشؤون أوربا الأسبق في حكومة توني بلير والذي ولد في حي القطيع في كريتر ، والكاتبة البريطانية فيكتوريا كلارك مؤلفة كتاب ( الرقص على رؤوس الثعابين ) والتي حلت ضيفة على والدتي رحمة الله عليها وألف رحمة على والدي في شقتنا المتواضعة في المعلا عام ٢٠٠٦ ، والتي قدمت لها افضل الطبخات العدنية حتى ان فكتوريا لم تتمالك نفسها من استمتاعها بالأكل فاتصلت بي من منزلنا بالمعلا الى لندن لتشكرني على هذه الوجبة المفاجأة التي كنت اتفقت مع الحجة عيشة والدتي الله يرحمها مسبقا قبل ان تصل فيكتوريا من صنعاء الى عدن ، والكوميدي الساخر والأكثر شعبية في بريطانيا ( ايدي ايزاد ) الذي يتفاخر باستمرار في كل حفلاته بانه من مواليد عدن.
في بريطانيا الكثيرين من هؤلاء وغيرهم من اليمنيين الذين يحملون الجنسية البريطانية والذين يكنون لعدن مكانة خاصة في قلوبهم كمدينة ولدوا وترعرعوا فيها قبل ان يغادروها الى بلدهم وليس مسقط رأسهم ..
ينتابني نفس الشعور كعدني بالمولد وبريطاني الجنسية ..
فمن ذكرتهم سلفا يشعرون بعدنيتهم في الولادة لا بالانتماء ..
الانتماء يعني ان مسقط رأسك وبلد الولادة يجب ان يحافظ على كرامتك وكبريائك وهذا ما لا يشعروا به هم في عدن .
في الوقت الذي يشعر به أولادي ان انتمائهم وكبريائهم وصيانة حقوقهم تأتي من مسقط رأسهم لندن لا من مسقط رأس أبيهم عدن ..
أحس في بريطانيا انها بلدي وفي عدن احس أنها مسقط رأسي فقط ..
هذا الإحساس ينتاب كل من عاش في الغرب ان بلاده صارت غريبة بالنسبة له ، في الوقت بلد مسقط رأس الأولاد صارت بلاده الأصل ..
يحمل جنسيتها ويعامل بأحترام شديد في كل مطارات العالم ، ناهيك عن تمتعك بكافة الحقوق والواجبات بدون من أو تعالي أو ابتزاز ..
السؤال ماذا قدم لك بلد ولادتك غير شهادة الميلاد وتنصله عن كافة التزاماته تجاهك كمواطن .
المقارنة قد يقول البعض صعبة للغاية ، وهذا صحيح ..
ولكني أراها غير ذلك في اليمن لان الكرامة تعني احترام الدولة لكافة حقوق مواطنيها كما تحب ان يلتزم المواطن بكل واجباته ..
مسقط الرأس لا يعني البطاقة او منحك جواز السفر وشهادة الميلاد ..
انها الكرامة والشعور بالأمن والاستقرار وبمكانتك حيث ما ذهبت او استقريت ..
اليمن صار المواطن فيها بشهادة الميلاد وجواز السفر الذي يجعلك عرضة للشبهة والتحسس من حاملها في المطارات ..
دول صارت ترفض عمل اليمني لا لشخصه ولكن لهوية البلد التي يحملها ..
صار اليمني غير مرغوب به في دول الجوار ليس لنقص في كفاءته او لخلل في سلوكه ، بل لعدم كفاءة السلطة وخلل في كل أجهزتها أدت الى ان يكون اليمني شخص غير مرغوب فيه لمبررات أكثرها ان الإرهاب صار موطنه اليمن ، وصارت السلطة عوضا من ان تنفي هذه التهم عن نفسها ، تقوم بذاتها في ضرب مواطنيها لتهم غير مؤكدة ..
المواطن في اليمن صار رقما في سجلات الدولة منزوع الإرادة ، ومهان الكرامة ، واكبر من يسيء له هي الدولة التي يردد نشيدها ويرفع صور مسؤوليها ويمنح لصوصها صوته عند الحاجة ..
اليمن مسقط رأسي ولكني لا اشعر اني مواطن فيها ..
بريطانيا ليست مسقط راسي ولكني اشعر اني كمواطن فيها تحترم كرامته وتصان حقوقه ومسموع صوته ..
سمعت خلال جولتي هذه الى الخارج قصصا تقشعر لها الأبدان عن حالة فقدان الهوية والوطن والكرامة لكثير من المهاجرين اليمنيين في بلاد الشتات ..
هل تفهمون يا هؤلاء الفرق بين المواطنة وشهادة الميلاد ؟ ..
أجيبوني عندما تحافظون على كرامة المواطن العادي كما تحافظون على كرامة أولادكم
* السياسي والاعلامي العدني : لطفي جعفر شطارة