يمر اليمن بمعضلات سياسية وأمنية أثرت على مسار المساعي الرامية إلى وضع البلاد على سكة الاستقرار ولعل ممارسات تنظيم القاعدة المتغلغل فيها من أكبر العوائق التي يحاربها اليمن.
أخذت جرائم اختطاف الأجانب في اليمن تنتقل إلى طور أكثر خطورة بعد “تهديد الخاطفين ببيع المختطفين لتنظيم القاعدة” كأسلوب جديد لزيادة الضغط على الدولة لتنفيذ مطالبهم، لكنه مؤشر بالغ الخطورة يخدم في محصلته النهائية أهداف تنظيم القاعدة على المدى القادم بتشجيعه رجال القبائل على إشاعة هذا السلوك الجديد في مجتمع تزداد فيه نسبة الفقر والبطالة عن 40 في المئة، في حين يتخذ مسلحو القبائل من اختطافهم للأجانب أداة لابتزاز السلطات اليمنية بالحصول على امتيازات وتوفير مشاريع الخدمات لمناطقهم.
وبعد أن هدّد، قبل أكثر من أسبوعين، مسلحون يحتجزون، بمأرب شمال شرق اليمن، المواطن الألماني روغرز فيديس الذي اختطف مطلع فبراير العام الجاري، “ببيعه” لتنظيم القاعدة بمبلغ 12 مليون دولار في حال عدم استجابة السلطات اليمنية لمطالبهم، وذلك في محاولة للضغط عليها لإطلاق سراح سجناء لهم صلة قرابة بالخاطفين، يبرز حدث مشابه يتمثل في خاطفي الطبيب الأوزبكي في محافظة مأرب شمال شرق اليمن، الذين أمهلوا الدولة 48 ساعة لتسليمهم فدية، مهددين ببيعة لتنظيم القاعدة، مقابل 500 ألف دولار.
وتأتي العملية بعد أيام من محاولة فاشلة لاختطاف دبلوماسي إيطالي يعمل لحساب الأمم المتحدة، في ترسيخ للظاهرة التي تسبّب خسائر اقتصادية كبيرة للبلد حيث تساهم في شل قطاع سياحي كان يمكن أن يكون واعدا بما تمتلكه البلاد من جمال طبيعي ومأثورات حضارية فريدة.
هذه التطورات في المشهد الأمني تحمل مؤشرات عديدة لاسيما أنها تزامنت مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر أصدقاء اليمن المزمع في 29 أبريل في لندن، وتؤكد أن تنظيم القاعدة لايزال يشكل عقبة كبيرة أمام التحولات السياسية في اليمن.
تجاوزات القاعدة
لايزال تنظيم “قاعدة الجهاد في شبة جزيرة العرب” يمثل التحدي الأكبر أمام إرادة اليمنيين وإجماعهم الشعبي على تحقيق الأمن والاستقرار، برغم اختلافهم حول كيفية تحقيق هذا الهدف الذي يؤيده الكثيرون من أبناء الشمال والجنوب إلا أنهم يجمعون على أن السبيل الأفضل لتحقيقه يتم من خلال بناء الدولة، وبسط نفوذها تدريجيا وإرساء دعائم الأمن والاستقرار.
ولكسر إرادة اليمنيين ومساعيهم لبناء الدولة عمد تنظيم “القاعدة” إلى استخدام القبائل اليمنية كورقة لإضعاف علاقتها بالدولة والاستمرار في عملية تفكيك ما تبقى من الدولة وإضعاف هيبتها، وبالمقابل يعمل التنظيم على تعزيز علاقته بالقبائل التي بتناميها يوفر لعناصره الحماية، في مناطقها (صنعاء – مأرب – ابين – البيضاء – شبوة – وحضرموت) ويشجعهم ويدفعهم إلى ارتكاب بعض الأعمال والجرائم التي تعزز من بقائهم من خلال اختطاف الأجانب والاعتداء على أنابيب النفط وأعمدة الكهرباء والمنشآت الحيوية واختطاف رجال الأمن والجيش وقتلهم.
كل هذه الأعمال تصب في صالح تنظيم ” قاعدة الجهاد في شبة الجزيرة العربية ” لأنها تؤدي إلى ابتزاز القبائل للدولة المتهالكة، وتمنع بسط نفوذ السلطات في أراض يتواجدون فيها، وتنشر أجواء الفوضى والاحتراب في مناطقه التي باستمرارها يتوفر له المناخ المناسب وتتحول مناطق “القبائل” إلى ملاذ آمن له، فضلا عن استفادته من أموال “الفدية” لإطلاق سراح المختطفين الأجانب أو المحتجزين اليمنيين.
الاختطافات وأثرها على اليمن
منذُ العام 1998 عندما اختطفت الجماعات الإرهابية السياح الأجانب وقتلتهم في جنوب اليمن، أصبح هذا النوع من الجرائم مجتمعا مع الجرائم والعوامل الأخرى كالاغتيالات والتفجيرات واستهداف المؤسسات والمصالح الحكومية والفساد يهدد بقاء الدولة اليمنية، حيث تشير الإحصائيات إلى وقوع 19 جريمة اختطاف لرعايا أجانب في 2012.
ويمكن توصيف هذا الصنف من الجرائم الإرهابية بأنه الأخطر على هيبتها، بالنظر إلى آثاره السلبية على مصالح الشعوب، وعلاقة اليمن بالدول الأجنبية، وما يلحقهُ من تشويه لسمعه عند تلك الدول ومجتمعاتها، بل وصل التأثير إلى تقليص المساعدات المالية لاستمرار سوء الإدارة والاضطرابات فيها، وخشية من عدم استيعابها الأمثل للمنح والمساعدات التي تقدمها الدول الأجنبية، أو أن تذهب تلك المنح دون الاستفادة الحقيقية منها، وتستفيد منها التيارات المصنفة لدى بعض الدول بأنها على مسافة قريبة من تنظيم (القاعدة) في ظل وجود الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وغياب الرقابة المالية على تنفيذ المشاريع وصرف المساعدات الخارجية.
هذه التداعيات والتأثيرات السلبية لجرائم اختطاف الأجانب بدافع من الإرهابين وبواسطة مسلحي القبائل أو غيرهم أحدثت خدشا عميقا في صورة وسمعة اليمن لدى الشعوب والدول الأجنبية وقبلها في دول الخليج التي تعرض مواطنوها وموظفو سفاراتها للاختطاف.
لم تدرك بعض القبائل اليمنية من التي، ربما، تقاطعت مصالحها وأهدافها الآنية مع الأهداف الخفية بعيدة المدى لتنظيم القاعدة، خطورة هذه العلاقة التدميرية عليها وعلى الشعب والوطن ككل، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتدهور لليمن الذي تزيد نسبة الانكماش الاقتصادي فيه عن 12 في المئة، حسب إحصائيات رسمية العام الماضي، ومازال يتعرض لضغوط مالية بسبب التفجيرات المتكررة لخطوط أنابيب النفط التي ينفذها رجال قبائل والتي تشكل صادراتها الخام ما يصل إلى 70 بالمئة من إيرادات الميزانية للدولة.
فالتأثير السلبي لهذه العلاقة يُدمر مصالح القبائل بل ويزيد من توسيع الفجوة القائمة بينها وبين الدولة، وكبح أية محاولات للأخيرة لردمها، أو أية مساع تقوم بها فيما يتصل بإحداث التنمية وتطوير البنية التحتية في مناطقها والاستفادة من عائدات الثروات النفطية بصورة منتظمة ومخطط لها بعيدا عن استخدام سياسات “ليّ الذراع″ الذي يدفعها التنظيم إلى انتهاجها، إذ تؤكد الأحداث خطورة هذه الجرائم المتتالية على الوضع الأمني، حيث تصب نتائجها في صالح التنظيمات الإرهابية بدءا بقتل السياح في 1998 في جنوب اليمن ثم التفجير الانتحاري الذي وقع ضد المدمرة الأميركية “يو اس اس كول” في 12 أكتوبر 2000 في عدن، والذي أودى بحياة 17 بحارا أميركيا، والاعتداء على ناقلة النفط الفرنسية “ليمبورغ” في 2002 قبالة المكلا جنوب اليمن، مرورا بإعلان تــشكيل تنظيم ” قاعدة الجــهاد في شبة الجزيرة العربية ” وإقامة إمارة أبين في 2011 -2012 وسقوطها بعد مرور عام.
خلال فترة وقوع هذه الأحداث، حيث لا يمكن تبرئة القبائل من إيواء عناصر تنظيم “القاعدة” أو التستر عليهم أو السماح لهم بالمرور في أراضيها، تواصلت أيضا جرائم اختطاف الأجانب وشاعت ثقافة “الفدية” لتحل محل الرهائن لتنفيذ مشاريع خدمية وتحولت إلى الحدث الأبرز لتتجه صوبه أنظار الخارج.
لا يمكن لأحد أن ينكر ارتباط بعض القبائل اليمنية بعناصر التنظيمات الإرهابية ودورها في ظهور وتشكل هذه الأعمال الإجرامية التي أسهمت في إنتاجها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حتى وإن أظهرت القبائل مواقف رافضة لوجود تنظيم “القاعدة” والجماعات الإرهابية في أراضيها، إلا أن تلك المواقف تظل للاستهلاك الإعلامي ورفع شعارات فقط لافتقارها إلى التطبيق وربط (القول بالفعل)، مما جعل تلك الأعمال والعلاقة اللينة بينهما تؤثر على وضع وسمعة القبائل اليمنية داخليا وخارجيا، خصوصا تلك التي توفر المناخات الآمنة لتنقل مسلحي وقادة تنظيم (القاعدة) في أراضيها، بل هذه العلاقة أسهمت بشكل واضح في زيادة نسبة البطالة في صفوف أبناء القبائل، وتقلص فرص العمل والاستثمارات والسياحة،والذي يخدم في المقابل أهداف تنظيم القاعدة في تقسيم البلاد.
تحدي القرار الأممي
ولم يمض على إصدار قرار مجلس الأمن الدولي (2140) في 26 فبراير من العام الجاري الفترة التي يمكن اعتبارها كافية لتنفيذه، حيث ينظر الكثيرون إلى بعض بنوده على أنها ستحد من استمرار دفع الفدية المالية للإرهابين التي جاء فيها “إذ يؤكد من جديد القرار 2133 ويهيب بكافة الدول الأعضاء إلى منع الإرهابيين من الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من مبالغ الفدية أو من التنازلات السياسية وتأمين الإفراج عن الرهائن بشكل آمن” وبالمثل لم يمر إلا أسبوع على اختتام اللواء محمد ناصر أحمد وزير الدفاع اليمني زيارته للولايات المتحدة الأميركية لبحث التعاون الأمني والعسكري، التي لابد أن نتاءجها تندرج في إطار التنفيذ الأمثل لبنود القرار لبسط هيبة الدولة ومحاربة الإرهاب، حتى نفاجئ بإعلان خاطفي المواطن الألماني بالتهديد ببيعه لتنظيم القاعدة بعد أن عرض عليهم 12 مليون دولار ثم يسارع خاطفو الطبيب الأوزبكي بالتهديد ببيعه لتنظيم القاعدة بـ (500) ألف دولار.
لا يمكن ترجمة وفهم إعلانات المزاد العلني الصادرة من القبائل أو تنظيم القاعدة بشكل غير مباشر إلا أن اليمن والمجتمع الدولي أمام تحد جديد وواضح لإرادتهما وللقرارات الدولية التي نصت بوضوح على منع دفع الدية للإرهابيين.
* نهى البدوي - العرب لندن