تطورات متسارعة, وقفزات نوعية حققها مؤتمر الحوار في آخر أيامه, كلها تصب في خانة تشييع المؤتمر ومخرجاته.
بعد أن تجاوزت رئاسة المؤتمر وأمانته العامة مبدأ "التوافق" الذي نشأ على أساسه مؤتمر الحوار وأبدلوه ببدعة "الأغلبية", ها هو المؤتمر يختتم أعماله بفضيحة "تزوير" وعلى الهواء مباشرة لتُدشن بها المرحلة القادمة.
تأسيس مؤتمر الحوار على التوافق لم يكن أمراً عبثياً أو ترفاً زائداً, فالهدف منه هو الوصول الى توافق على حلول مرضية لكل القضايا التي عرضت أمامه بما يُسهل تطبيقها على أرض الواقع, ويُحول تلك التوافقات النظرية الى واقع ملموس على الأرض.
بعد تجاوز مبدأ " التوافق" تم تجاوز الركيزة الأساسية الثانية للمؤتمر, وهي أن المؤتمر عبر مخرجاته سيكون المدخل لبناء "يمن جديد" يتسع لكل أبناءه ومكوناته السياسية, فاذا بالمؤتمر يتحول الى مدخل للتمديد "للمبادرة" بكل مساوئها.
ضُغط على الأطراف التي سعت الى صياغة ضمانات حقيقية وبعدة وسائل, وتم وضعها بين خيارين لا ثالث لهما, اما أن تمضوا معنا في التمديد للحكومة الحالية ولمجلس النواب وبمعنى أصح التمديد "للمبادرة", وإما سنعتبركم معرقلين للحوار.
استخدموا كل الوسائل ليصلوا الى تلك النهاية المأساوية لمؤتمر الحوار الوطني, فتسليم مُخرجات الحوار للحكومة الحالية حتى مع اجراء تعديلات عليها, وتسليم قوانين التحول الى مجلس النواب الحالي يعد كارثة حقيقية للمخرجات التي تعبنا جميعاً حتى وصلنا اليها.
انسحب مكون أنصار الله " الحوثيين " في الجلسة الختامية بعد اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين, كان يفترض أن تُعلَق الجلسة لـ 24 ساعة على الأقل احتراماً لدم زميلنا في الحوار, ليتمكن الأعضاء من متابعة ملابسات الجريمة والضغط على الأجهزة الأمنية لكشف المُنفذين, وللوقوف مع أهل الشهيد في أولى ساعات محنتهم.
لو أعلن الرئيس في كلمته الافتتاحية للجلسة أنها معلقة ليوم واحد حتى يتدارس الأمر مع مكون أنصار الله والأجهزة الأمنية لكان تغير مسار جلسة الأمس بالكامل, لكن الرئيس انتقل الى جدول الأعمال وكأن القتيل " ذبابة " مرت من أمام المنصة.
تواصلت أعمال الجلسة بعد انسحاب الحوثيين, وتوالى التصفيق لخطاب الرئيس, في نفس الوقت كانت دماء الشهيد لا تزال تنزف وتسيل قطراتها على الإزفلت على وقع تصفيق زملائه وهتافهم للرئيس.
مشهد درامي مرعب, اكتمل بفضيحة أخلاقية على الهواء مباشرة, أحدهم أعطى الرئيس ورقة وسرب له معلومات أنها من مكون أنصار الله يبلغونه فيها – بعد انسحابهم - أنهم مع كل مخرجات الحوار بما فيها وثيقة الضمانات, أخبر الرئيس الأعضاء بفحوى الرسالة والمعلومات, وتم التصويت على الوثيقة بعد تلك الحيلة المحكمة التي جعلت أغلب الأعضاء يقولون في أنفسهم: اذا كان هذا موقف أصحاب الشأن فما الداعي لاستمرارنا في الصياح أو الاعتراض؟ ومُنع الكلام على الكثير من المعترضين وحوصر بعضهم وتم دفعهم عبر مرافقي الرئيس.
اكتمل المشهد بتبرع عبدالملك المخلافي ليتحدث باسم "نية" الشهيد, ونصب نفسه ناطقاً باسم الحوثيين, ونفى صحة موقف مكون الشهيد, دون أن يطلع على الرسائل التي تبادلها الشهيد مع مكونه والتي على أثرها انسحب بهدوء من الجلسة المسائية, كل هذا ليحظى ببعض التصفيق الذي قد يوصله الى كرسي حزبه في الحكومة القادمة.
أعلن الحوثيون أن الرسالة مزورة وأن المعلومات مُفبركة, لم ترد الأمانة العامة أو رئاسة المؤتمر, المهم أن الوثيقة أقرت بغض النظر عن الوسيلة.
مثل هكذا فضيحة تُسقط فيها أنظمة ورؤساء دول, عندما يقرأ رئيس جمهورية ورقة مزورة من على منصة وفي مؤتمر يبث على الهواء مباشرة.
عرف الرئيس أنه تم توريطه, لا أدري متى بالضبط أدرك ذلك؟ ومن أبلغه؟ لكنه سأل بعد أن عرف بالفخ الذي نُصب له بإحكام: هل تُبث الجلسة على الهواء؟ أجابه الحاضرون: نعم, ضرب على رأسه بكلتا يديه قائلاً "ورطتموني".
من الذي ورط الرئيس؟ ومن كتب الرسالة؟ ومن سلمها؟ اذا لم يعرف الرأي العام في اليمن تلك الأسئلة فمعنى ذلك أننا ندخل الى اليمن الجديد من بوابة "التزوير".
*السياسي اليمني عضو الحوار : علي البخيتي