السيد الحبيب صالح بن علي الحامد

2013-08-14 07:39
السيد الحبيب صالح بن علي الحامد
شبوة برس- خاص سيئون

 

السلطنة الكثيرية ..

ورد في الكتاب المرجعي (معالم تاريخ الجزيرة العربية - ص 236) لمؤلفه سعيد عوض باوزير: «أما السلطنة الكثيرية فتقع أراضيها في داخل حضرموت ما بين تريم شرقا إلى الحزم شرقي شبام غربا وتمتد حدود المنطقة الكثيرية من تريم شمالا إلى حصن الضبيعة ووادي زبون في الجنوب في شبه خط متعرج، ثم يمتد الخط من وادي زبون إلى جهة الغرب حتى يحاذي وادي الحرية المتاخم للحزم فتتجه الحدود في خط مستقيم إلى جهة الشمال حيث يمر بالحزم شرقي شبام ووادي جعيمة».«وتقع في هذه المنطقة سيئون عاصمة السلطنة الكثيرية وتريم وتاربة وبور ومريمة وتريس والغربة والحوطة وجفل والحزم ومدودة والفرق، وهذه المدن والقرى في وادي حضرموت الرئيس وفي الجنوب من هذا الوادي تقع بلدان غيل عمر وساه وغيل بن يمين».

 

«وأهم القبائل في السلطنة الكثيرية هي آل كثير والشنافر، أي القبائل التابعة لهم مثل آل جابر وآل باجري والعوامر وغيرهم».

 

السلطنة الكثيرية الحاضرة سلطنة آل عبدالله

تحت هذا العنوان ورد في الكتاب المرجعي (أدوار التاريخ الحضرمي - ص 409) لمؤلفه العلامة محمد بن أحمد الشاطري: «أول سلاطينها غالب بن محسن الكثيري من سلالة أبي طويرق ولد سنة 1222هـ بحضرموت الداخل وقد تأثر منذ نشأته بما يسمعه عن تاريخ آبائه الذين كانوا سلاطين هذا القطر وله إلمام كبير ببعض العلوم الدينية والأدب الشعبي...».

 

العاصمة سيئون .. الخصائص والشراكة المبكرة للقطاع الخاص

ورد في الكتاب المرجعي (معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت - ص 391) للعلامة المؤرخ السيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف أن سيئون تتميز بعدد من الخصائص منها عذوبة الماء حتى أن قائلهم يقول «سيئون والماء ولا سمن البقر في شبام» ومنها اعتدال هوائها وكثرة صفائها، ولهذا كان لها منظر جذاب يأخذ بقلوب أهلها فيكثر حنين الغائبين من أبنائها إليها ولأهلها ميل إلى الأنس ويخرجون في رحلات مع أفراد أسرهم في فصلي الصيف والخريف. ويضيف العلامة بن عبيدالله أن من خصائص سيئون ملاحة نسائها ولين طباع أهلها (ص 395)، واستنادا لما أورده العلامة الشاطري (مرجع سابق- ص 419) أن السبق لإدخال الكهرباء في حضرموت كان للمكلا إلا أن سالم باحبيشي أسس في العام 1375هـ بمدينة سيئون شركة الكهرباء الحضرمية المحدودة وتغلب على العقبات التي تعترض سبيله، وتلتها شركه كهرباء الشحر فشركة كهرباء تريم وشبام وغيرها.

 

آل الحامد

اطلعت على كشف بالقبائل الساكنة من سادة ومشايخ في دوعن أورده بن عبيدالله (مرجع سابق- ص 184) أن السادة والمشايخ الساكنين في رباط باعشن هم آل العطاس وآل الحامد وآل الصافي وآل باعشن وآل باسندوة وغيرهم كما أورد بن عبيدالله (مرجع سابق- ص 287): «وبالقارة ناس من (آل الحامد) بن الشيخ أبي بكر بن سالم، وكان فيهم الشيخ علي قيران، سائل مدفوع عن الأبواب، ولكنه من أهل السر والخصوصية يسأله أرباب القلوب عن مشكلات صوفية فيجيبهم عنها بما لا يخطر على بال».

أورد العلامة الشاطري (مرجع سابق- ص 385) في الفصل 21 عن (السادة): «أن آل الشيخ أبي بكر منتشرون في أماكن أخرى كحملة سلاح منها وادي عمد وفيه آل الحامد منهم» ويضيف في موضع آخر أن آل المحضار وآل الحامد يسكنون مقاطعة الواحدي وغيرها كما يسكنها آل الجنيدي وآل البغدادي وآل فدعق.

 

الميلاد والنشأة

صالح بن علي صالح الحامد من مواليد سيئون، عاصمة السلطنة الكثيرية عام 1903م. تلقى تعليمه الأولي في زاوية العلامة الحبيب محمد بن هادي السقاف وأظهر تميزا على أقرانه من طلاب الزاوية (سند بايعشوت: صالح بن علي الحامد عاشق جاوا الجميلة - «الأيام» 28 سبتمبر 2003م).

تربى صالح بن علي الحامد في كنف والده الثري رجل البر والإحسان علي بن صالح الحامد وتفتحت عيناه على مكتبة والده ونهل منها الكثير في اللغة والأدب والدين والاجتماع والسياسة والتاريخ وغيرها من العلوم.

 

صالح الحامد وأدب الرحلات

عشق صالح بن علي الحامد الأرخبيل الأخضر في جنوب شرق آسيا وكانت فاتحة ذلك العشق رحلة في العام 1923م إلى سنغافورة وأعقبتها رحلة أخرى إلى سنغافورة أيضا وذلك في العام 1936م ومنها انطلق إلى اندونيسيا وكانت حينئذ مستعمرة هولندية وساح فيها وغاص في مجتمعها متنقلا بين جزر الأرخبيل بوقور وسوكابومي وباندونج وقاروت وسورابايا وملاح وبالي وغيرها وخصّ جاوا بالذكر العطر.

 

وثّق صالح الحامد الهجرات الحضرمية إلى جاوا بدءا من الهجرة الأولى لآل عظمت والهجرة الثانية لآل باشيبان وآل بافقيه وآل باعبود وآل الحداد وآل العيدروس، والهجرة الحضرمية الثالثة التي بدأت في مطلع القرن العشرين واستمرت حتى نيل اندونيسيا استقلالها.

 

لم يكتف صالح الحامد بالتوثيق وحسب بل ووضع ببلوغرافيا عن شخصيات حضرمية من العيار الثقيل بحجم السيد علي بن عبدالرحمن الحبشي وعلوي المحضار ومحمد بن أحمد سميط وعلي يحيى العلوي وعلوي بن طاهر الحداد وعبدالله بن محسن العطاس وأحمد بن عبدالله السقاف والشيخ محمد بن علي الكثيري والشيخ حسن بن محمد بارجاء وشيخ بن أحمد بافقيه ومحمد بن أحمد المحضار وعبدالقادر بن عيدروس بن سالم ومحمد بن علي الحييد بن الشيخ بوبكر وسالم بن أحمد بن جندان وعيدروس المشهور وأحمد بن غالب الحامد وعمر بن زين بن سميط وعبدالله بن صالح بن هرهرة وأبوبكر محمد السقاف ومحمد بن صالح بن عقيل وعبدالله بن علي الحداد وفيدان بن عبدالرحمن السقاف وسقاف بن محمد السقاف والنقيب عوض بن شحبل وأحمد بن طالب العطاس والشيخ عبدالرحمن عمر جواس (بايعشوت - مرجع سابق).

 

ولا يفوته التطرق إلى رموز التنوير الحضرمي في المهاجر

تناول صالح الحامد مشاهداته وانطباعاته عن ذلك الأرخبيل الذي كان يعرف بـ (جزر الهند الشرقية east indies) - لأن جزر الهند الغربية west indies كانت واقعة في البحر الكاريبي بين الأمريكتين الشمالية والجنوبية - فتناول الأستاذ والشاعر الكبير أحمد بن عبدالله السقاف صاحب رواية «قناة قاروت» ووصفه بـ (شيخ شعراء حضرموت) وقال عنه إنه أحد أقطاب النهضة الأدبية في مهاجر الحضارمة، إضافة إلى أياديه البيضاء في النهضة التعليمية، كما تناول محمد بن عبدالرحمن بن شهاب والأستاذ محمد بن هاشم، القلم الوطني المعروف ومؤسس جريدة «حضرموت» الذائعة الصيت وصاحب مدرسة حضرموت وسكرتير الدولة الكثيرية (بايعشوت - مرجع سابق).

 

صالح الحامد مؤرخاً

يحسب لصالح بن علي الحامد أنه رفد المكتبة الوطنية والإنسانية بمؤلفات تاريخية أهمها «تاريخ حضرموت» في جزئين، وتتميز كتاباته التاريخية استنادا لقراءة الزميل بايعشوت بالروح النقدية القوية، ووظف أسلوبا جمع بين المقاربة للمدارس التاريخية كالحوليات والتراجم والسرد وأعطى وزنا لمشاهداته وتمحيص ما وقع في يديه.

 

صالح الحامد رجل المنتديات والمحاضرات والمناظرات

دأب صالح الحامد على اعتماد مبدأ التواصل مع الوسط الاجتماعي والثقافي من خلال تخصيص ندوة أسبوعية في منزله بسيئون عصر كل جمعة في منتداه المسمى «الطويلة» - غرفة أو قاعة متميزة بالطول - وحرصت الشخصيات الأدبية والعلمية والاجتماعية على حضور الندوة الأسبوعية للشخصية المرموقة صالح بن علي الحامد، بل إنه ما من سائح أجنبي يفد على سيئون إلا وزار المنتدى، ناهيكم عن عقد جلسات «الحياء» الرمضانية اليومية على امتداد شهر رمضان، وكان الحامد رحمه الله يقرأ جزءا من القرآن الكريم كل ليلة رمضانية ويفسر آياته حتى تكتمل الليالي الثلاثين بالأجزاء الثلاثين للقرآن الكريم.

 

الشيخ القدال والوجاهات الحضرمية الثلاث

يفيدنا التاريخ الحضرمي المجيد بأن الشيخ القدال سعيد القدال قاد النظام التعليمي في حضرموت خلال الفترة -1939 1950م، حيث عمل مساعدا للمستشار البريطاني للشؤون الثقافية وعُين ناظرا لمعارف الدولة القعيطية والدولة الكثيرية، وتم إعداد برنامج لتطوير التعليم في الدولتين الحضرميتين وزار لذلك الغرض السلطنة الكثيرية والتقى أبرز الشخصيات هناك وفي مقدمتهم السيد أبوبكر بن شيخ الكاف والسيد عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف، مفتي حضرموت وشاعر حضرموت السيد صالح بن علي الحامد. (لمزيد من التفاصيل راجع: التعليم في وادي حضرموت، النشأة والتطور -1905 2005م - إعداد لجنة توثيق تاريخ التعليم بالوادي).

 

صالح الحامد والسلطان صالح بن غالب القعيطي

في العام 1945م قام السيد صالح بن علي الحامد بأول زيارة له للسلطان صالح بن غالب القعيطي، واحتفل به جلالته في مجلسه الأدبي والعلمي والفني، وقد ألقى السيد الحامد العديد من المحاضرات في المكتبة السلطانية وقد أهداه جلالته مؤلفه المشهور «الآيات البينات» وأثنى الحامد على تلك المكرمة بقصيدة مطلعها:

 

هات من علمك النفيس وهات *** وخذ الشعر رائعا من لهاتي

 

أحمد رامي وعلي باكثير يقدمان دواوين الحامد

لصالح بن علي الحامد دواوين شعرية منها (نسمات الربيع) الذي كتب مقدمته الشاعر الكبير أحمد رامي، فيما وضع الأديب الكبير علي أحمد باكثير مقدمتي (ليالي المصيف) و(على شاطئ الحياة).

غنى عدد من الفنانين من كلمات السيد صالح بن علي الحامد، منها أغنية (قف معي نشهد جمالا) التي غناها أولا الفنان شيخ البار (ثنائي الحامد في أندونيسيا) ثم غناها محمد جمعة خان، ورد في مطلعها:

 

قف معي نشهد جمالا *** يملأ القلب ازدهاء

أي زهر أي نبت *** أنبت الروض المريع

كما غنى من كلماته يسلم دحي ومحمد سالم بن شامخ أغنية (أقبلت في الحرير غصناً رطيباً) وغنى محمد سعد عبدالله أغنية (ارحمونا يا أهل الشنف والمدارة سقونا) وأبوبكر بلفقيه (يا نسيم الصبا والأنس حيا قبالك) و(حولكن يالسويح القبالي) و(أيا ثمل الجفون بغير سكر).

 

صالح الحامد رجل صحافة بارز

الحضارمة أصحاب ريادة وفروسية في ميدان الصحافة ويحسب لمحمد عقيل بن يحيى تأسيس «الإمام» عام 1906م بسنغافورة، وفيها أسس أيضا «الإصلاح» عام 1908م، وأسس محمد بن عبدالرحمن «الوطن» بسنغافورة عام 1910م وأسس محمد بن هاشم «البشير» بأندونيسيا عام 1920، وفي سنغافورة أسس أبوبكر طه السقاف «النهضة الحضرمية» عام 1932م و«صوت حضرموت» عام 1943م، وذلكم على سبيل المثال لا الحصر.في ذلك المناخ أسهم صالح بن علي الحامد بكتاباته في صحف المهجر الاندونيسي مثل جريدة «حضرموت» للسيد عيدروس المشهور و«النهضة الحضرمية» للسيد أبوبكر طه السقاف، «وقد لعب الحامد مع علي أحمد باكثير دورا ثنائيا خطيرا في تقديم الأدب الحضرمي من خلال صحيفة «التهذيب» نثرا وشعرا مع نخبة من أدباء وعلماء سيئون وتريم وخاصة أستاذه عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف ومحمد أحمد بن يحيى وعيدروس بن سالم السقاف ومحمد بن شيخ المساوي». (بايعشوت – مرجع سابق ).

 

هل عصفت نكسة حزيران بالراحل الكبير الحامد؟

انتقل إلى جوار ربه الشاعر والكاتب والباحث الكبير صالح بن علي الحامد في سيئون يوم 14 يونيو 1967م، إثر جلطة دماغية أصابته وهو يتأهب لأداء فريضة العصر، وكان رحمه الله بكامل عافيته.

ترى هل كانت نكسة «حرب الأيام الستة» سببا في التعجيل بوفاة الرجل الكبير، رغم إيماننا بأن الحياة والموت هما بيد الله سبحانه وتعالى، والله وحده أعلم إن كان سبحانه قد جعل النكسة سببا لوفاته ليحفظه من قادم قاتم؟

* منقول من عدة مصادر