البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف (الفهم المفهوم) وتأثيره على الحراك السياسي في الجنوب

2012-10-17 22:26
البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف (الفهم المفهوم) وتأثيره على الحراك السياسي في الجنوب
خاص :شبوة برس

البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف (الفهم المفهوم)

وتأثيره على الحراك السياسي في الجنوب

محاضرة  سياسية قدمها الدكتور نجيب إبراهيم سلمان  في مركز مدار  للدراسات والبحوث .. عد ن بتاريخ 26 /9/2012م

       اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة القائمين على هذا المركز بإتاحة الفرصة لي أولاً للتعرف على هذه الشخصيات الأكاديمية والسياسية والشخصيات الاجتماعية.. وهذا شرف لي وثانياً أنا هنا سوف أقدم تناولة أولية لإشكالية ـ البعد التكاملي في التوازن بين التباين والاختلاف والنظرة السائدة إليه بين (المفهوم والفهم) وتأثيره على الحراك السياسي في الجنوب.

       إذن هذه التناولة هي تقديم أطراف الخيوط للمشكلات وأنتم أقدر وأجدر على تناولها بعقلية أكاديمية وسياسية فاحصة وسنشترك معاً عندما نتناول إشكالية كهذه لأننا إنما نتحاور من أجل استخلاص هوية هذه الإشكالية وكيفية معالجتها.

       وأنا أنظر إليها الآن أمامكم على أنها إشكالية، لأن فهمها المغلوط والتعامل معها في واقع العلاقات السياسية يقود إلى نتائج ذات إشكالية أخطر وأبعد وأعمق تأثيراً.

       لذلكفهي إشكالية اليوم وفهمها فهماً سياسياً معتدلاً هو معالجة بحد ذاته لواقع العلاقة القائمة بين الكيانات السياسية في الحراك السياسي الجنوبي، لأن التحاور مع الواقع السياسي يفرض بالضرورة القبول بالتعايش والتسليم بحقيقةالألوان في الساحة الفكرية والسياسية والتشكّلات الناتجة عنها في الوعي والثقافة والسلوك الاجتماعي لذلك فإن لا مهرب لنا من مواجهة حقائق الساحة السياسية والاقتراب منها وهو أمر في غاية    الأهمية.. والهروب وإدارة الظهر لهذه المشكلات إنما يفاقم الصعوبات ويزيد العوائق الضارة بالقضية الجنوبية وحاملها الذاتي (الكيانات السياسية).

       إذنفنحن نقرُّ بالتعدد والتنوع ويعني أن هناك اختلاف وتباين في الرؤى السياسية والفكرية والصياغات المحكومة بذلك الفكر والسياسة،وطالما أن القضية المركزية وهي (القضية الجنوبية) هي محور الجذب وموضوع النشاط السياسي لتلك الكيانات.. فإن الواقع يستدعي بحثاً  مدروساً ومتأنياً للمشترك والجامع للعلاقات السياسية بين تلك الكيانات.

ويمثل مفهوم البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف ضامناً لوحدة النشاط وقيادته.. لا وحدة الكيانات ونشاطها.

ماهي معوقات تبنّي وحدة النشاط وقيادته؟

       أبرز تلك المعوقات هو الموروث السياسي:

       لعلكم تدركون تماماً الخلفيات السياسية التي أتت منها تلك التكوينات، وهي خليط فكري وسياسي وتنظيمي وثقافي واجتماعي له تأثيره الواضح على التجانس والتناسق والانسجام. ولا يعني ذلك عيباً سياسياً مضراً ولكنه عبئاً سياسياً إذا لم يحتكم لضوابط العمل السياسي المشترك في ميدان النشاط الذي يعني القبول بالآخر بالنسبة له كما هو أيضاً آخر بالنسبة للآخر.

       وطالما أن أسس بناء هذا الكيانات جاءت لتلبية حاجة القضية الجنوبية وضرورات خوض الصراع مع قوى الاستبداد والظلم والتخلف واستعادة كيان الجنوب بكل مقوماته فلتتخلى هذه الكيانات (القيادات) عن الأمجاد الشخصية لتتيح الفرصة لمعرفة النشاط برؤية الحاجات الملحة أمام الهدف الرئيس,فيجب التخلي عن موروثات أحزاب الستينات والسبعينات القومية والاشتراكية ولاحقاً أحزاب الأنظمة التوليتارية.

نعم قد يكون هناك سبقاً في استشعار الضرورة لمقاومة الظلم والخروج بشجاعة للمواجهة.. بيد أن تلك البدايات لا يحتكم لها خط سير التطور للقضية نفسها، لا مكانياً وزمنياً، ولا حتى جماهيرياً ففي الأمسكانت البذرة، أما اليوم فلم تعد البذرة هي البذرة. لقد أنتجت ثمارها.. ممثلةً في الحركة الشعبية الواسعة. فإذا كان المكان منطقة صغيرة في عدن فإن المكان اليوم هو امتداد الجنوب كله .

فالقضية الجنوبية انتقلت من المظالم المحدودة الى الحقوق السياسية ـ التاريخية المتمثلة بكيان الدولة ومؤسساتها على أرض وثروة وثقافة وهوية.

إذن فالقضية الجنوبية اليوم هي متنفس الحياة ورئة كل التكوينات السياسية وليس أمام تلك التكوينات إلاّ التعايش في نسقٍ من العلاقات السياسية الممثلة بالبُعد التكاملي بوصفه ميزاناً ضابطاً للتباين والاختلاف.

       وهناك معوق آخر يكمن في القاعدة التي تجري تعبئتها بصورةٍ خاطئة تجعل من الكيانات التي لا تنتمي إليها عدواً وربما تندفع بنشاط مضاد لايُحمد عقباه فتتعدد أشكال النضال وأساليبه لتحقيق الأهداف وينتقل الحامل السياسي للقضية الجنوبية من التآلف والتلاحم والتقارب والائتلاف إلى التضاد والصراع الحاد المضر بمكانة الكيانات نفسها في النظر الى مستقبل القضية.

إن إكساب الكيانات السياسية قيادة وقواعد ثقافة بأهمية التقارب في نسقٍ قيادي لا يتجاوز القضية الجنوبية وتمثيلها جماهيرياً لوحدة النشاط وسياسياً أمام العالم والإقليم (زالنا في المحلي).

لعلنا نتفق جميعاً أن الاوضاع السائدة اليوم تتطلب تكاملاً متوازناً يضبط التباين والاختلاف في حدوده الصحيحة والنظرة إليه بدون مبالغة أو تقليل.

ما هو مفهوم البعد التكاملي للتوازن بين التباين والاختلاف؟

       إنه النظرة الواسعة والعميقة لمنظومة العلاقات السياسية بين التيارات المختلفة (الفكرية والسياسية) المتباينة جذرياً أو جزئياً في ساحة نشاط وبيئة عمل مشترك للجميع.وتصبح أهميتها أكبر عندما تكون القضية جامعةً تلتقي حولها جميع التوجهات السياسية

فالتكامل يعني أن لا مجال لإدارة الظهر للآخر الذي يعمل معك في الساحة السياسية وتزداد الحاجة للتكامل عندما تلتهب الساحات وتتسارع وتيرة النضال وتحمل هذه الوتيرة مؤشر التغير والتحول ليس في البنى السياسية حسب، بل وفي طبيعة المهام التي تستحوذ على النشاط السياسي

       وهنا تبرز الى الصدارة أهمية الرؤية الشاملة للمهام العاجلة والبعيدة، وتنطلق هذه الرؤية من حقيقة المهام التي تنتصب أمام الكيانات السياسية.

إن البعد التكاملي هو مجموعة مؤشرات وتدابير هادفة إلى تطوير النشاط المشترك لقيادة فاعلة وتحديد اتجاهات العمل لمرحلة زمنية معينة يتفق عليها في المستوى القيادي الملزم بتوجيه القواعد لتحقيقها في الميدان. والتكامل ليس هدفاً بذاته وليس غاية النشاط الذي تقوم عليه الكيانات في الحياة السياسية، بل هو آلية عمل ووظيفة.إذ يصبح التكامل وظيفة لمنع التعارض الحاد بأي حال من الأحوال.ووظيفة تحقق التكامل والاتساق في العمل السياسي اليومي لمختلف المستويات القيادية التي يجمعها قاسم مشترك هو القضية الجنوبية.

       أين تكمن أهمية البعد التكاملي للتباين والاختلاف؟

1ـ يمثل التكامل مرجعية القيادات في حدود النشاط المشترك العام الذي لا يتعرض لخصوصية الكيانات التنظيمية الداخلية أوبناها الفكرية والسياسية.

2ـ يُعدُّ التكامل الوظيفة الحضارية الراقية التي يقوم عليها تنسيق الأنشطة وتنظيمها على ضوء المهام المطروحة ميدانياً.

3ـ يُعدُّ التكامل مصدراً ضرورياً من مصادر المعلومات المنسقة للنشاط المشترك في مختلف الميادين وعلى مستوى الجنوب كله.

4ـ يُعدُّ التكامل مصدراً مساعداً للعناصر المكلَّفة بتنفيذ مهام الإدارة والتنظيم للنشاط المشترك.

5ـ يشكل التكامل رافعةً أساسية لمستوى النشاط السياسي الميداني

6ـ يمثِّل التكامل وسيلة من وسائل الربط بين مختلف الاتجاهات السياسية بمستوياتها العليا والوسطى والدنيا.

7 ـالتكامل لا يترك مجالاً للتصادم أو الانحراف عن الخط السياسي المتفق عليه في إدارة النشاط الميداني.

8ـ التكامل يشكل عاملاً من عوامل توطيد العلاقات وتوسيع الروابط بين القوى السياسية في ساحات النضال على المستويين القيادي والقاعدي.

9ـ يمكِّن التكامل من الدراسة المشتركة للإمكانيات والقدرات والكفاءات البشرية القادرة على تحمل أعباء المسئوليات في تحقيق الأهداف.

10ـ التكامل هو محفِّز لتطوير النشاط المشترك ورفع درجة التفكير بالخطط والبرامج للفعاليات السياسية المشتركة.

11ـ التكامل يساعد على التمرُّس القيادي وتعزيز الإرادة الجماهيرية ورفع همة المكلفينبتنفيذ مهام النشاط المشترك.

إن التكامل يكتسب بُعده التطبيقي أكثر فأكثر عند اشتداد الصراع مع قوى التخلف وعندما تتعقد المشكلات إذ يصبح للتكامل أهمية قصوى في تنسيق الجهود لمواجهة الوضع المعقد جراء تداخل مسارات النضال التحرري السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.

 

مرتكزات البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف

يجب أن يستجيب البعد التكاملي لمتطلبات سياسة التطوير والتحديث للعلاقات السياسية البينية في جميع مسارات النضال السياسي قيادياً وجماهيرياً.ولا تستطيع التكوينات السياسة من أي مستوى تنظم نشاطها الميداني بمفردها مالم تنسق نشاطها مع بقية التكوينات وتحديد أولويات الأعمال الميدانية التي تتفق مع التوجهات السياسية العامة للنشاط.ومن ثم فإن البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف لابد أن يقومعلى عدة مرتكزات، أهمها:

أولاً: تحديد الأهداف والغايات من التكامل حتى لا يحدث لبسٌ أو تداخلٌ في استقلالية الكيانات مع أهداف وغايات النشاط العام المشترك القائم على مبدأ التكامل.

ثانياً: تحديد التوجهات ويعني ذلك ضبط إجرائي للمكلفين بالمهام وتحديد استخدام أشكال النضال وأساليبه في الساحات على طول وعرض البلاد. والتوجهات هي مجموعة ضوابط لتسيير النشاط التكاملي المنسق ويشمل مرتكز تحديد التوجهات جملة ضوابط، أهمها:

أ‌.        واقعية التوجهات للتكامل والنشاط المشترك.

ب‌.   فهم التوجهات فهماً جوهرياً.

ج. قابلية التوجهات للتطبيق

د. مرونة التوجهات وسلاستها بما يسمح للمكلفين العمل باستقلالية عن القيادات وبتنسيق أدنى.

هـ. تحرير توجهات التكامل من المركزية الشديدة والوصاية المطلقة.

ثالثاً: اختيار عناصر التنسيق للنشاط التكاملي بين مختلف الكيانات السياسية في ساحة النشاط وعلى المستوى القيادي الأعلى.

رابعاً: تحديد الإجراءات.. ويعني أن جميع المرتكزات للتكامل لنتكتسب حيويتها مالم تحدد خطط النشاط السياسي المشترك لكل الكيانات وآليات العمل والخطوات الإجرائية للتنفيذ. أي متى؟ وأين؟ وبأي شكل ستجري الفعالية؟ وبأي قوام وطرائق تأمينتلك الفعالية وهذا يجري بتنسيق مخطط يحققه التكامل بين التكوينات السياسية.

خامساً: التجديد الدوري:وهذا المرتكز مهم جداً في تحقيق التكامل ويعني بالتجديد الدوري تجديد أوجه النشاط وتجديد المكلفين بشكل دوري مع توثيق النشاط وتقييم النتائج.

 

مقومات نجاح التكامل:

1ـ الواقعية في التعاطي مع المشكلات الناشئة الناتجة عن العلاقات السياسية بين تكوينات الحراك الجنوبي بموضوعية بعيداً عن الشطط السياسي والمناطقي.

2ـ النظرة الشاملة للمشكلات التي تنتصب أمام القضية الجنوبية وتكوينات الحراك الجنوبي بحيث لاتكون هناك نظرة احادية الاتجاه والبُعد.

3ـ التواصل ـ الاستمرارية..وهذا يعني تجنب الموسمية أو المزاجية في العمل السياسي التكاملي.. بحيث تظل القضية الجنوبية حية وبنشاط جماهيري تصاعدي.

4ـ الاتفاق المسبق على أولويات النشاط بين مختلف الكيانات.

5ـ الوقوف أمام الاختلافات والتباينات أولاً بأول حتى لا تحدث تراكماً يصعب معه الاتفاق أو تجاوز الخلاف .

6ـ وحدة النشاط القيادي.. ويتم تحقيق ذلك بالاجتماعات الدورية واللقاءات التنسيقية التي تضمن استمرارية التكامل والابلاغ المتبادل عن النشاطات والنتائج لتحقيق تضامن وقوة تماسك في وجه محاولات تفتيت وحدة النشاط أو شق الاصطفاف الجنوبي.

       إن تنفيذ مثل هذا العمل يعطينا مؤشرات نجاح عالية ويجنب الكيانات السياسية العشوائية والارتجال وسوء التنظيم، ويرفع مستوى الوعي بالأهداف وآفاق النضال الجنوبي.

حال الكيانات السياسية اليوم وواقع المسار السياسي

الحراك السياسي الجنوبي اليوم ليس على نسق سياسي وفكري واحد وهذا أمر طبيعي .. لكن ما ليس طبيعياً أن يطفى الموروث السياسي الشمولي على القضية الجنوبية التي هي مجمع جذب لكل أبناء شعب الجنوب منمختلف مناطقهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية.. إذ تعد القضية الجنوبية مصدر رفد تلك الكيانات السياسية بالقاعدة الجماهيرية. وتدرك كل القوى السياسية أنها إن لم تكن القضية الجنوبية فلن يكن لها حياة في واقع اليوم.. ومع ذلك تلتفت هذه القوى لمشكلاتها الداخلية والذاتية وتغفل بين حين وآخر القضية الجنوبية المركزية وأمام هذا الوضع لابد من رؤية سليمة لحل مشكلة التنافر والتضاد بين مكونات الحراك السياسي وهو تضاد وتنافر غير مبرر.. الاّ من تباينات واختلافات سياسية وفكرية وما عداها تجمع عليها كل القوى.

إن التباين والاختلاف دليل صحة وتعدد حرية التفكير وإعمال الوعي في واقع الأحداث اليوم أمر مرحب به ومستحسن. ومادام الأمر كذلك، فإن الائتلاف السياسي هو الأنجع لتحقيق وحدة القيادة مع بقاء الكيانات التنظيمية مستقلةًتحتفظ بخصوصياتها السياسية والفكرية وتأتلف أو تتوحد القيادة في نسق ومسمى واحد يسمى القضية الجنوبية بوصفها تمثل الواجهة الاعتبارية للجنوب بكل أطيافه السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.

إن الرتم المتسارع للأحداث في المنطقة والجنوب أفرز لنا:

       حمى المؤتمرات ومردوداتها.

       إن دواعي عقد المؤتمرات للكيانات السياسية هو عمل سياسي تنظيمي بدرجة رئيسة، لكن أن تذهب المؤتمرات ليقرر كل منها مصير القضية الجنوبية وشعب الجنوب.. فذلك تشتيت للجهود وخسارة للوقت لأن هناك أيضاً مسار سياسي أخر تتبناه دول اقليمية ودولية في الشمال وهذا لا يمكن إغفاله.. بل يجب أن نعيره اهتماماً كبيراً، لأنه واحد من أهم العوائق أمام الاعتراف الدولي بالقضية الجنوبية. وهذا وحده يكفي مبرراً لدعوة كل الكيانات إلى الانضواء في ائتلاف جبهوي لتمثيل الجنوب في كل المحافل وتثبيت وحدة القيادة والتمثيل، أمّا أن تصبح المؤتمرات تسابقاً إعلامياً وإبهاتاً للقضية الجنوبية وليس خدمة لها.. فتصبح المؤتمرات ظاهرةً إجرائية لاتقدم دراسةً ولا تمحيصاًلواقع ولا تقيم تجربةً فهذا هو العبث وهو ما يرفضه شعب الجنوب.

ما هو حال الواقع السياسي اليوم؟

الواقع السياسي في الحراك الجنوبي اليوم يكشف حالةً من الارتباك مفتوحةً على جميع الاحتمالات.. إن لم يتم تدارك الوضع وانتشال القضية الجنوبية من الدوران في حلقة النشاط الداخلي إلى المحافل الدولية واختراق الدبلوماسية الإقليمية لتتخذ موقفاً ايجابياً من حركة الجماهير الجنوبية الرافضة للظلم والاستبداد والقهر والقمع، ولكن حركة الجماهير لا تكفي مالم يكن لها رأس قيادي واحد يعبر عن أهدافها وطموحاتها.

       فاليوم عندما يسأل العالم والدبلوماسية الدولية.. وحتى أطياف من الشعب الجنوبي لماذا تتعدد الكيانات والهدف واحد؟لا تجد جواباً مقنعاً ولا منطقاً سياسياً تحاجج به مَنْ يسأل ويحاجج مشككاً أو حتى مستهتراً.

       إن رفع شعارات وبيانات (هذا لا يعنينا) عيب سياسي بحد ذاته لابد من التخلُّص منه، لأن ما يجري في الشمال يستهدف وأد القضية الجنوبية، وللدفاع عن القضية الجنوبية لا بد من توضيح العلاقة مع منظومة النظام الذي يهيمن على الجنوب بكل مقوماته.

إن ما يجري في المبادرة الخليجية هو ج زء عن مسلسل وأد القضية الجنوبية، إذ أن الترتيبات تأخذ طابعاً شمالياً وتهميشاً جنوبياً في دبلوماسية الاشقاء في الإقليم والدول الراعية الاوربية وأمريكا، كما أن مصوغ ما يسمَّى بالحوار الوطني هو الآخر ملمح سياسي خطير لم تعط له الدراسة الكافية ولم تُقرأ أبعاده ونتائجه المحتملة المؤثرة سلباً على القضية الجنوبية. ولم تصاغ السياسات العملية للمواجهة المباشرة على كل الصُعد، لأن الجنوب شعباً وأرضاً وثروةً وهويةً  مازال تحت إدارة مَنْ نريد الفكاك منه.. وما زال يتمتع بحرية الحركة.والكيانات السياسية تنصرف وتنشغل بالثانويات وهوامش الأمور ومازالت قياداتها مثقلةً بالموروث السياسي العائق للارتقاء بأدائها إلى مصاف القضية المركزية (القضية الجنوبية) التي يتوزع فهمها بين: (الاستقلال) و(استعادة الدولة)و(فك الارتباط) و(تقرير المصير) و(الفدرالية).

       إن نقاط الحسم الضرورية التي تستبق كل التوجهات هي أن تجد لك كياناً يعبر عن مكونات قضيتك وهي (قضية شعب وأرض وهوية وثقافة وسيادة وطنية).فجميع الكيانات السياسية اليوم في الحراك الجنوبي تسهم في إضاعة كثير من الفرص وكثير من الوقت وهي مشغلة بالخلافات والتباينات المبالغ فيها.بينما هذه الخلافات والتباينات هي في الأصل ضابط تكاملي إذا أُحسن توظيفه لجمع الكل تحت مظلة التعايش السياسي.لكن فهم البعد التكاملي للتباين والاختلاف على أنه بُعد افتراضي في تحديد الموقف من القضية الجنوبية هو عبث بالمفاهيم وتجيير قاتل لروح التقارب السياسي.

إن اطلاق الثوابت في وجه البعد التكاملي هو نقيض للتعايش السياسي وبرجماتية السياسة.

إشكالية الثوابت في السياسية:

إن الثوابت في التعاطي السياسي هو سقف ضاغط على الحركات في نسق الفعل السياسي،فمؤسسات النظام السابق والحالي استخدمت الثوابت للضغط على شعب الجنوب وفعله السياسي، بل وتعميه السياسي الاقليمي والدولي بثوابت الوحدة وخطوطها الحمراء

ونحن نشعر بحجم ضغط الثوابت ثم نستعير منهم هذا المصطلح لنضعه عصاء في دولاب القضية الجنوبية لمنعها من الدوران. إذ أصبح هناك حديث قوي عن الثوابت داخل الحراك الساسي الجنوبي، فالكل يرى ثابته خطاً أحمر وما عداه خيانة للقضية الجنوبية والثوابت، وهذا يعني الافتراق وتمييع حقيقة الاختلاف والتباين في تسيير الصراع وإدارته مع التخلف وسبل الوصول إلى الهدف النهائي. والثوابت منقولة عن النظام التوليتاري (الاستبدادي) الذي معه فقدنا أرض ودولة بكل مقوماتها باتفاقية الوحدة في نوفمبر 1989م كانت قيداً على التعددية الحزبية والسياسية والفكرية عندما حكمت بالثوابت.وأصبح التراجع عن قبول الظلم والاستبداد وخيانة للثوابت وخطاً أحمر قاد إلى حرب 94 التي اسُتكملت فيها السيطرة النهائية والكاملة على مقدرات الجنوب.

إن الثوابت في العمل السياسي في الجنوب تشكل مصدات فولاذية لمنع التقارب السياسي على أساس ميزان وضابط التباين والاختلاف.

إشكالية المبادئ في العمل السياسي:

يفهم اليوم من المبادئ في العمل السياسي أنها ترتبط بالانتماء المصيري للقضية الجنوبية.. وهي في حقيقية العمل السياسي ليستمبادئ عقدية لافكاك منها.بينما هي مبادئ نشاط وتسيير سياسي لحالة الحراك الجنوبي بكل مقوماته يمكن الاتفاق عليها ويمكن الاختلاف حولها أيضاً.

والمبادئ أصلاً هي مصوغ ذاتي للعقل القيادي يضعها حيث يريد ووقت ما يريد على وفق ضرورات العمل السياسي وحاجته إليها فلا تؤخذ على أنها آياتٍ منزلة من رب العباد.

إن ما هو مبدأ في هذا الكيان السياسي ليس بالضرورة أن يكون مبدأ في الكيان الآخر. فربما يصاغ مبدأ هنا لا يُقبل هناك، لذلك فإن المبادئ ليست مسلمات ولا سيوفاً مسلطةً على الرقاب والعقول ولكنها مبادئ يتفق عليها المتفقون ويختلف فيها المختلفون من دون أن يتغير في العلاقات السياسية شيءٌ.

إشكالية الذاتية في القيادة (المزاج القيادي)

إن الحراك السياسي الجنوبي يعيش اليوم مشكلة الذاتية في القيادة والذاتية في بعض جوانبها تتحول إلى مؤشر ارتفاع وتيرة الحراك الجماهيري وتخفيف وتيرته، فتجري العملية السياسية برؤية مجزوءةوانتقائية وآنية القرار وانفعالية التوجه كردات فعل في كثير منها على مس الذات القيادية وفي بعض الحالات تتلاشى وتنخفض الحماسة القيادية على وفق مؤشر التنافس القيادي لاسيما عندما تصبح القيادات الحراكية تنتمي خلفياتها إلى جذر سياسي متعايش ومختلف تاريخياً.

      إن الذاتية في القيادة معوق رئيس من معوقات الحراك السلمي الجنوبي ومردوده خطير.. لأنه يخلق حالةً من التراجع الجماهيري وانخفاض مزاج الجماهير الثوري عندما تحصل حالات التذبذب فيالنشاط صعوداً وهبوطاً.. أو توظيف حركة الجماهير لإبراز الشخصيةفي الذات القيادية ويشتد ذلك الوضع عندما يظهر منافس قيادي جديد على الساحة.

(ظهور محمد علي أحمد، ظهور أحمد الحسني، تحرك باعوم، نشاط النوبة)

إشكالية التوافق في الحراك السياسي الجنوبي

البعض يبحث عن التوافق بديلاً للتعدد والتنوع والتباين والاختلاف في الحراك السياسي الجنوبي.بينما التوافق هو جامع للتعدد والتنوع والتباين والاختلاف في نقاط توافقيه يقبل بها الجميع لبلوغ غايات وأهدافٍ محددة سلفاً ومتفق عليها.

     إن تناول القضية السياسية الجنوبية هو في حقيقة الأمر توافق بمفهوم المتفقين وإن لم يوقع على وثيقة للاتفاق والتوافق.

كيف يفهم التوافقيون التوافق؟

يفهم التوافقيون أن التوافق هو البحث عن أب شرعي للحراك السياسي الجنوبي.. يمثله في كل محافل تناول القضية الجنوبية داخلياً وخارجياً، ويقود المسار السياسي للتعريف بالقضية وكسب التأييد والتعاطف مع القضية العادلة حتى داخل منظومة الحكم نفسه.

     وتظهر الحاجة للتوافق عندما تتعدد الكيانات وتتنازع الجماهير وتوزع على الكيانات السياسية, هذه حالة والحالة الأخرى عندما تبدأ النخبة في تنظيم ذاتها وحراكها في مراحلها الأولى.. ثم تكتسب طابعاً جماهيرياً ويتشكل كيانها بمراتب قيادته وقاعدية.. وتبرز الأهداف جليةً وواضحةً، حينها يحدث ما يشبه الفورة القيادية التي تشتهر فيها قيادات وتخبو قيادات أخرى.. حينها يحدث التفكك القيادي في وقت تتسع القاعدة الجماهيرية ليس للكيانات بل للقضية الجنوبية ومعها تتعدد القيادات.

     وهنا تصبح الحاجة ملحةً للبعد التكاملي لتوازن التباين والاختلاف.

     إن البعد التكاملي في توازن التباين والاختلاف يعني اشتراط كل منهما الآخر ويشكلان وحدة نشاط جامع في حدود التكامل ارتباطاً بالهدف النهائي ومجموع الأهداف المرحلية.

     ولا يشترط المفهوم التكاملي وحدة البناء التنظيمي أو الوحدة الفكرية ـ السياسية ـ.

     وعند تناول مفهوم البعد التكاملي يذهب كثير من الغيورين على القضية الجنوبية إلى مواقع المغالين بهذا المفهوم فيعدونه حجر الزاوية في التكامل الذي يبلغ حد تذويب وانصهار كامل في وحدة فكرية وسياسية لقيادة الكيان السياسي في الحراك الجنوبي.

وهناك فهم مغلوط آخر:يذهب إليه المقللون من أهمية التكامل فيعتقدون أن الحراك السياسي الجنوبي يعيش أزمة تباين واختلاف وإن هذا التباين والاختلاف سيقود إلى سابقاته من التجارب في الصدامات المميتة ولم يحيطوا هذا التباين والاختلاف بالتكامل ليكون ميزان توازن وضبط لها في نسق الحراك الجنوبي.

       إن كلا التيارين المغالي والمقلل:يضران بالبعد التكاملي ضرراً بالغاً وينعكس هذا القرار على الحركة السياسية الجنوبية.فالأول يقود إلى التنافر السياسي الحاد.

والثاني يقود إلى التسيب السياسي والارباك العام للعلاقة بين الكيانات وفي كلا الحالتين تغيب الضوابط للعلاقات السياسية على المستويين القيادي والقاعدي (الجماهيري) وتفقد الحدود والحقوق للكيانات بالتباين والاختلاف وفي رؤى الأفكار والسياسات وتصل إلى نقاط تحديد طرائق وأساليب إدارة الصراع في الميدان.

إشكالية التكامل في القيادة:

إن السؤال الذي يبرز إلى السطح اليوم هو: هل يحتاج الحراك الجنوبي السياسي إلى قيادة واحدة ذات صبغة تعددية تقود الصراع برؤية سياسية واحدة؟أم يحتاج إلى وحدة القيادة فكراً وسياسةً وكياناً تنظيمياً؟

       وهنا يجب أن نميز بين القيادة الواحدة المتعددة ووحدة القيادة في العمل الفكري السياسي والتنظيمي،وفي نظري فإن الحراك السياسي الجنوبي اليوميحتاج الى قيادة واحدة متعددة وليس الى أحادية القيادة في كيان سياسي وفكري واحد.

       فالقيادة الواحدة تقوم على أساس توافقي بمفهوم الهدف النهائي وليس بمفهوم التقاسم.وهذا التوافق ينضوي في نسق تنظيمي مشترك جبهوي أو اتحادي أو هيئوي أو أي تسمية كيانية يُعرف بها.

       وفي نسق هذا الكيان التوافقي يعمل بمفهوم البعد التكاملي لتوازن التباين والخلاف المحفز للنشاط السياسي جماهيرياً وسياسياً. ويجب أن يشمل هذا التوافق كامل الهرم ـ قمته ووسطه وقاعدته.

إشكالية فوبيا الاختلاف

إن الحركة السياسية في الجنوب تاريخياً عاشت الصراعات السياسية السلمية والمسلحة بمستويات مختلفة من الحدة تبعاً للوسائل المتوفرة في متناول قواعد وقيادات الفرقاء.

       ومن هذا المنطلق تتوجّس اليوم قوى ومحللون وباحثون تخوفاًمن الخلاف والتباين الحاصل، وهذا التخوف بمفهومه المطلق يتحول الى فوبيا الاختلاف والتباين،وهذا مصدره الحرص والقلق المبالغ فيه والخوف من الفشل في إدارة الصراع ونجاح المهام المباشرة للحراك السياسي الجنوبي (هذا ما يذهب اليه الجفري).

       وهذا الخوف مبرر والقلق أيضاً مبرر أما إن يتحول كل ذلك الى فوبيا تصبح مُعيقه لأي نشاط موحد للكيانات المتباينة والمختلفة وتبقى بعض المحاذير مهمة في توخّي الدقة في العلاقات السياسية بين القيادات من جهة وقواعدها من جهة أخرى.

إن فوبيا التباين والاختلاف تسحب نفسها على المستوى القيادي إذ يعتقد كثير من القيادات أن الاختلاف معها أو التباين معها إنما هو استهداف لها. وهي لا تفرق بين مكانتها في القيادة والتضحية الجنوبية وعدم التفريق يقود الى إسقاط غير مسؤول لاستهداف الذات القيادية على القضية الجنوبية. وهذه هي مشكلة المشاكل.

إن ظهور فوبيا التباين والاختلاف عند القيادات السياسية يعود في الاساس الى:

1ـ الخلفيات السياسية لتلك القيادات وانعكاسها على التكامل في ميزان التباين والاختلاف.

2ـ استدعاء مؤثرات الماضي ومخزونات ذاكرة الصراعات السياسية وموائمتها مع حاضر الخلاف والتباين. بصرف النظر عن الزمان والمكان.

3ـ التعصب للانتماء السياسي الذي يغير التباين والاختلاف عقائدياً وسياسياً ويصمه بالمؤامرة والخيانة....إلخ

4ـحالات الاندفاع عند الشباب من القيادات والقواعد دون دراية بمكنونات التباين والاختلاف كحالة طبيعية.. فهم لا يرون ذلك طبيعياً. بسبب مستوى النضوج السياسي والوعي بضرورات ومتطلبات الائتلاف في نسق متباين ومختلف.

       إشكالية الانحراف عن الخط العام:

إن الحراك السياسي الجنوبي الذي يفرض مزاجاً جماهيرياً عاماً يتحرك بقوة باتجاه الصراع الداخلي ولا تستطيع القيادة فرملة هذا المزاج وتوضيح مخاطر ذلك الانجرار.

       فهي تلوذ بالصمت أو تنجرُّ مع المزاج الجماهيري حتى لا توصم بالتهاون أو التهادن أو حتى الجبن.

وتتحول الحركة المنظمة سياسياً الى الحركة شبة عفوية تنساق وراء الفعل ورد الفعل غير عابهة القيادات بنتائج ومترتبات ومخرجات هذه الأفعال التي تبدأ بتصريح قيادي ثم تُتلى ببيان كياني وتنتهي بحراك ميداني أي مهرجان.إن لهذه الأفعال مترتبات خطيرة أهمها:

1ـ صعوبة سرعة المراجعة للقرارات والبيانات والتصريحات وإن حدثت مراجعة فتكون متأخرة لأن الفعل الجماهيري قد التقط الإشارة وبدأ بالحركة.

2ـ تصعِّب هذه الحالات إمكانية التكامل السياسي في خضم التباين والاختلاف.

3ـ خطورة تحول التباين والاختلاف إلى تباين وخلاف حاد، ومن ثم إلى تصادم وتنافر يصعب لملمته.

4ـ إهدار الوقت في صغائر الأمور على حساب القضايا المصيرية الكبرى.

5ـ تغذية الخلافات بدراية أو بحسن نية لا يهم هذا التقدير بقدر ما يهم هو نتائج تغذية الخلافات وتأثيرها على القضية الجنوبية.

6ـ تتقاطع حالات التباين والاختلاف مع محاولات أعداء القضية في تغذيته والبحث عن موطئ (اختراق)في كثير من حالات المواجهة الداخلية.

7ـ ظهور إشاعات مطبوخة بعناية المحترف وتظهر جليةً في ساحات الحراك السياسي قيادياً وقاعدياً وتُغذى هذه الإشاعات بشيء من حقائق ما يجري لتكتسب مصداقية أكبر.والانسياق وراء هذه الاشاعات يقود إلى توسيع الهوة بين قيادات الحراك السياسي الجنوبي وقواعده.وتحيل التباين والاختلاف إلى تناقض حاد وصراع شديد غير مبرر بمعنى آخر حرف التوجه في الصراع مع التخلف من أجل التحرر إلى صراع يخدم التخلف ويبقي عليه بعيداً أو يطيل بقائه جاثماً على الجنوب ومقوماته.

إشكالية التوجس (الشكوك):

هذه نقطة لا نريد الخوض فيها كثيراً.. لأن العمل الميداني في بيئة فيها العدو يملك كل امكانات البلاد ويسيطر على المؤسسات وغير ذلك فإن احتمالات المؤامرة واردة.. وزرع العملاء وارد وظهور الخيانة واردة أيضاً وحدوث التبعية ممكنة. ولكن على الحراك السياسي أن يشكل أدواته لحماية الحراك من كل ذلك وعليه ينبغي ألاّ يُترك الحبل على الغارب للتكهنات والشكوك أو حتى التوظيف غير المسؤول للخيانة والمؤامرة والتبعية لتوجه ضد المختلفين والمتباينين أو يسبب اجترار مخلفات ماضٍ ولّى.وتتحول مقاومة الاختراقات إلى ذريعةً لتصفية الحسابات.

الخاتمة:

في نهاية هذه التناولة اسمحوا لي أن أُشير إلى خلاصة مفادها أن التسابق المحموم في هذه الظروف لعقد مؤتمرات جميعها تحمل مسمى واحد يؤكد حقيقة أن التباين والاختلاف ثانوي في تواجده داخل كل الكيانات ولم يبلغ حدود الخطر الضار بالقضية الجنوبية وإنما التعامل معه مهماً وممارسته هو سبب إكسابه طابعاً حاداً إلى حدٍ ما.

إن تدارك الحالة السياسية اليوم لا يستدعي عقد مؤتمرات منفصلة ومتعددة، بل يستدعي استثمار جهود اللجان التحضيرية وجمع نتائج عملها وثائقياً لتُقدم الى مؤتمر واحد يضم كل الأطياف والألوان الجنوبية لتخرج بحصيلة تشكيل كيان لقيادة النشاط السياسي في الساحة الداخلية والخارجية على أن تكون وحدة الأداة القائدة للنشاط السياسي في الظروف الراهنة تحمل رؤية سياسية ببُعديها الاستراتيجي والتكتيكي. مع أنني أرى أن انعقاد المؤتمرات الخاصة بالتكوينات المنفردة هي حق مشروع حسب ما تستدعيه حاجته لمناقشة قضاياه وصياغة رؤاه وغير ذلك من تجديد قياداته وصياغة سياساته والتحضير لتطوره اللاحق.

       لكن الأفضل أن يجمع العقلاء وثائق التحضير للمؤتمرات ليُعقد مؤتمر واحد أو القبول بعقد المؤتمرات التمهيدية لاختيار مندوبين إلى المؤتمر الجنوبي الشامل الذي ستولّى مهمة اختيار القيادة الموحدة للمرحلة القادمة على أساس ائتلافي جبهوي يحفظ للكيانات ميزتها وخصوصيتها واستقلالها.

       المحاذير من تعدُّد المؤتمرات:

1ـ أن تصبح هذه المؤتمرات القشة التي تقصم ظهر الحركة السياسية الجنوبية.

2ـ أن تذهب هذه المؤتمرات بعيداً عن الهدف التحرري المحدد في الرؤية العامة للقضية الجنوبية.

3ـ أن تذهب المؤتمرات إلى تفضيل الواقع تعسفياً لبعث أمجادٍ خلت واستنهاض قوى شاخت سياسياً وتهالكت معنوياً.

4ـ أن تذهب المؤتمرات الى ترسيخ دعائم قيادة تعتقد أنها صالحة لكل زمان ومكان وظرف ومرحلة (سوبر سياسي) الذي يريد الحاضر وينظر الى المستقبل بعقلية بماضيه هو.

5ـ أن تذهب المؤتمرات إلى المحذور الأخطر وهو استدعاء مثالب الماضي المناطقي والقبلي والثأر السياسي.

وأخيرا يبقى الأمل معقودٌ على العقول الشابة المستنيرة التي تضع مصلحة الجنوب وشعبه فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى.

إن مَنْ يهمه مصلحة الجنوب وقضيته عليه أن يعمل بكل السبل للتوفيق بين جميع مكونات الحركة السياسية لعقد مؤتمر نوعي يحدث نقلةً في الحياة السياسية للحراك الجنوبي.. من خلال جمع وثائق التحضير للتقدم الى مؤتمر موحد مهمته الأساسية اختيار قيادة على أي شكل ـ جبهوي/ اتحادي/ هيئوي- يمثل القضية الجنوبية بمكوناتها بدون مبالغة بالقدرات والخبرات والكفاءات القيادية.

       إنني لأرى هذه المهمة جديرة بأن يتصدر لها المتفقون الشباب والأكاديميون الشباب والسياسيون الشباب والمهتمون بشأن القضية الجنوبية من الشباب مع تقدير خبرات السياسيين القدامى وتجاربهم فإنهم يستطيعون تقديم المشورة والاستشارة ولكن غير الملزمة.

       إن القضية الجنوبية تحتاج لجهود الجميع في هذا الظرف التاريخي من حياة شعب الجنوب. إننا نؤيد الشعار القديم/الجديد (نكسب الجميع ولا نخسر أحد).

وأختم تناولتي بالقول: (( إنّ العمل بدون تخطيط شيء خطير والتخطيط بدون تنفيذ لا قيمة له)).

والسلام وعليكم                 والله من وراء القصد .                                                         د. نجيب ابراهيم سليمان.