الحي الديبلوماسي في عدن: حواجز خرسانية ونقاط تفتيش تتكاثر فيه كتكاثر الكلاب الضالة

2019-01-21 08:04
الحي الديبلوماسي في عدن: حواجز خرسانية ونقاط تفتيش تتكاثر فيه كتكاثر الكلاب الضالة
شبوه برس - خاص - عدن

 

وأنت تتجول في العاصمة عدن وتحديداً في حيّها الدبلوماسي بـ«خور مكسر» وهو الحيّ الذي يفترض أنه يحتوي على سفارات دول العالم أو قنصلياتها ومصالحها المختلفة أو حتى مقرات المنظمات الدولية والعربية التي تتواجد في أبسط عواصم دول العالم الثالث، لن تشعر بأنك فعلاً في قلب العاصمة ومركزها الرئيس، الذي يفترض أن يبعث في نفسك شيء من الطمأنينة والثقة بالنفس، ناهيك عن الإحساس بأنك تتجول بكل أريحية بين سفارات دول العالم ومنظماته المتعددة لتقضي منها معاملة خاصة أو عامة.

ففي حي السفارات بالجهة الغربية للمدينة تتكاثر نقاط التفتيش كتكاثر الفطر، بل قُل كتكاثر «الكلاب الضالة» التي تجوب فيه والتي أضحت قطعانها السمة البارزة والمريعة لهذا الحي وبالذات ليلاً، وهو الحي الذي يقال عنه عبثاً «حي السفارات» التي لا وجود لأي سفير فيه أو قنصل أو موظف دبلوماسي واحد يعطيها من اسمها نصيب، لا يوجد أحد من هؤلاء بمن فيهم بالتأكيد سفراء السعودية والإمارات اللاتي يقولان أنهما «حررتا المدينة من المجوس الانقلابيين وسلمتها للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي تسيطر على 90% من اليمن»، بحسب ناطق العاصفة الخليجية وناطق حكومة اليمن بالرياض، إذا ما استثنينا الزيارات المكوكية للسفير السعودي آل جابر، الذي أضحى يتصرف بكل ثقة كمندوب سامي، رئيس بدرجة سفير، كما أضحى معه بالمقابل الرئيس هادي في الرياض سفير بدرجة رئيس.

 

في رأس كل شارع تتمرس نقطة تفتيش، وأخرى وسطه وثالثة في نهايته، فبين كل نقطة ونقطة توجد نقطة، وضعفها من الحواجز الخرسانية وأعمدة حديد من الرصيف الى الرصيف، وعند كل بوابة فيلا وعمارة فخمة محاطة بأسوار عالية شائكة يمتلك معظمها مسؤولون حكوميون يتنقلون بين منتجع «معاشيق» في عدن، الى الرياض، وأبو ظبي، والدوحة، وإسطنبول والقاهرة، ومؤجرة لمنظمات دولية ومحلية افتراضية متناثرة بكل أرجاء الحي، بالعشرات إن لم نقل بالمئات من تلك المنظمات التي تتشابه بأسمائها واختصاصاتها بل ولون اللوحات البارزة على الأبواب والأسطح، جُــلّـها تشير الى اختصاصها بشأن الإغاثة، والتنمية البشرية والحقوقية والإنسانية، ومكافحة الفقر الذي تتسع رقعته يوماً إثر يوم كالنار بالهشيم، وبعضها تقدِّم نفسها كمنظمات مناهضة للفساد وهي ذاتها المتهمة بالفساد العابر القارات.

 

ومن لم يحالفه الحظ بمستأجر خارجي لفِـلّتهِ الوثيرة فالمؤجر المحلي الرسمي لا يقل دسومة ورغد عن المستأجر الخارجي الذي يستأجرها بأثمان خرافية كمقرات للوزارات والمؤسسات الحكومية، عادة ما تجدها شبه خالية من الموظفين ولا نقول من المسولين (الاطباق الطائرة) إلّا من حُراس بواباتها, و كله بالدولار، أو بالسعودي في أسوأ حال، الى درجة أوشكتْ معها استنفاد كل فلل الحي، بل فلل المدينة «خورمكسر» برمتها، مما اضطر بعض الوزارات الى استئجار شقق مفروشة كمقرات له، ولسان حال المواطن المشدوه من هذا العبث الطافح يردد ساخراً: «الوزارة بالعمارة».

خلال أربعة أعوام لم يُشاهد وزيراً واحداً أو نائب وزير واحد يسير راجلاً بهذا الحي فضلاً عن الأحياء الشعبية الغارقة بالفقر والبؤس، إذا ما استثنينا مرور الكرام الذي يقوم به بعض هؤلاء على شكل «تفحيطات» صاخبة بسيارات فارهة الموديلات، وأطقمٌ عسكرية ضارية السلوك توزّع الرعب بالمجان على نفوس المارة والعوام، قبل أن تبعث برائحة الإطارات في كل أنف وفم، والنقع يعمي كل عين ويغطي كل رأس.!

 

ليس الهاجس الأمني هو الذي يضطر هذه القيادات الى أن تعرِض عن النزول الى شوارع عدن كما يعتقد البعض وإن كان الوضع الأمني فعلاً لا يبعث عن الاطمئنان في قلوب البسطاء من الناس الذين لم ينهبوا ريالاً واحداً أو تلطخت أياديهم بدم بريء، ناهيك عن قلوب كبار اللصوص والفاسدين والقتلة، ولكن ارتباط مصالح هذه القيادات المالية والمادية في الخارج وبالذات في الرياض هو ما يحبّب إليها بقاءها خارج عاصمتهم المؤقتة المزعومة.

كما أنه يكون من السذاجة والسُخف التصديق بأن هذه القيادات وحكومتها عاجزة عن جعل عدن مستقرة أمنياً ومعيشياً، بل إنها لا تريد ذلك لحسابات مالية ومادية نفعية شخصية كما أسلفنا، وكذلك لحسابات سياسية حزبية محضة. فأي استقرار أمني وسياسي ومعيشي سيعني بالضرورة لكثير من هذه القيادات تفعيل المؤسسات الحكومية وبالذات مؤسساتها الرقابية والقضائية، والتي ستجعل مبدأ الرقابة والمحاسبة يمارس نشاطه الرقابي والمحاسبي ولو بحدوده الدنيا، والذي سيودي بالتالي الى إغلاق صنابير المال السياسي الفاسد القادم من خلف الحدود، والمال المحلي الذي ينهبه هؤلاء من أقوات الناس ومصالحهم، كما سيعني تفعيل هذه الأجهزة والمؤسسات الى قطع شرايين المال السياسي الخليجي الذي أفسد ضمائر هذه العاهات المسماة بالقيادات الحكومية ووزراء «الشرعية» الكارثية وأحزابها الانتهازية.

 

كما أن استقرار الأوضاع بالجنوب، وفي عدن خصوصاً، سيعني لكثير من هذه القيادات المتنفذة الفاسدة أن الارادة الجنوبية الشعبية والمشروع السياسي الجنوبي سيشق طريقه صوب التحقيق بوجه المشروع التآمري الذي تقوده هذه السلطة، على اختلاف مشاربها السياسية والحزبية، ومعها بالطبع الفئة الجنوبية النفعية التي تحيط بالرئيس هادي.

فإبقاء الجنوب على وضعه المتردي الفوضوي هذا، واستمرار حالة الانفلات المؤسسي على كل الصُــعد، وإبقاء عجلة الحرب بالدوران دون توقف كما تفعل هذه القيادات التي تمثّــل محور الفئات الطفيلية التي تكاثرت على جثة الوطن منذ مارس 2015م شأنها في ذلك شأن أية طفيليات ضارة تنمو في أوضاع استثنائية كأوضاع الحروب عبر التاريخ، يعني إبقاء مسارب النهب مفتوحة دون رقيب أو حسيب.

 

بالتالي سيظل الوضع يراوح مكانه من الفوضى والضياع إن ظلت هذه القيادات وهذه السلطات التي تقبع معظمها بالعواصم الخليجية تتلقى المال الخليجي بسخاء خدمة للمصالح الخليجية على حساب هذا الوطن ومستقبله وإرادته السياسية وسيادته الوطنية. والعكس صحيح أيضاً، فأية معالجة حقيقة لهذا الوضع لن يكتب لها النجاح إلّا لوقف ضخ هذا المال بهذه الطريقة المدمرة، ليس فقط لأنه قد افسد هذه الضمائر وجعلها تتنازل عن كل شيء بما فيه الوطن والكرامة والوطنية والاعتزاز بالنفس، بل لأن وقف هذا المال الخليجي الفاسد أو على الأقل ترشيده والسيطرة عليه سيجعل هذه القيادات أن تعيد ربط مصالحها ومستقبلها بالوطن مباشرة وتسعى على إثر ذلك الى تحسين وضعه والنهوض به، أو على أقل تقدير لن تكون حجر عثرة بمستقبله أو تجهض مساعي الخيرين فيه الذين يسعون لإقالة عثرته والانتصار له ولإخراجه من محنته الكئيبة هذه.!

*- صلاح السقلدي