الجنوبيون بعد توافقات السويد

2018-12-20 07:17

 

المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ظل يمارس إصدار البيانات ويقدّم مصالح الإقليم العربي على مصالحه بات أمام توازنات مختلفة. فلم تعد البيانات صالحة للاستعمال ولم تعد قاعدته الجماهيرية تقبل بخلق الأعذار.

 

أفضت مشاورات السويد إلى توافقات بين الشرعية والانقلابيين ودخلت الأزمة اليمنية منعطفا له ما بعده. هذه الأزمة التي نشأت مع فشل نظام علي عبدالله صالح في السيطرة على الحراك الجنوبي الذي كان يمثل في سبتمبر 2007 القوة التي أعلنت تمردها واستطاعت بجموحها الشعبي فرض وجودها بين عدن والمكلا كجناحين للطائر الجنوبي الذي حلّق بعيدا عن قبضة الرئيس صالح، لتفتح الأبواب لكافة القوى لتحاول الخروج من قبضته حتى حانت الفرصة المواتية مع هبوب رياح الربيع العربي في 2011.

 

تم إقصاء الجنوبيين من المبادرة الخليجية، ثم عمل الرئيس عبدربه منصور هادي على إقصائهم من مؤتمر الحوار الوطني رغم أن الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي عبر مقرها في الرياض كانت قد وجّهت دعوات للطيف السياسي الجنوبي والتقت به وأخذت منه موافقة التمثيل السياسي في مؤتمر الحوار الوطني، مقابل عقد مؤتمر جنوبي يفرز قيادة جنوبية موحدة إلا أن الرئيس عبدربه منصور أفشل تلك المساعي وأصر على فريق جنوبي يتوافق مع توجهاته، فهو لا يرى في الجنوب سوى ذاته وهو الذي لا يزال مسجونا في قفص أحداث يناير 1986 حتى بعد أن اقتحم عدن على ظهور الدبابات الشمالية في حرب صيف 1994.

 

استبسل الجنوبيون في الدفاع عن أرضهم عندما غزت جحافل الحوثيين عدن في 2015، وأخطأت إيران في حساباتها وهي تدعم ميليشيات الحوثي لغزو الأراضي الجنوبية. خطأ الإيرانيين الجسيم كلفهم معركة حامية الوطيس انتهت في يوليو 2015 بهزيمة مذلة هي الأولى على التراب العربي منذ تمدد المشروع الإيراني في المنطقة العربية.

 

انعكاسات تحرير عدن وإن لم تتبلور سياسيا لكنها منحت العرب أرضية كما منحت الجنوبيين وافر الثقة بما يمكنهم من أن ينطلقوا به، وهذا ما حدث عندما كانوا على مدار سنوات عاصفة الحزم الطرف الأكثر التزاما مع السعوديين والإماراتيين ما كان له الأثر الأهم في المشهد العسكري بهزيمة الحوثيين وتحجيم دور حزب الإصلاح أمنيا.

 

أفرزت المرحلة ظهور المجلس الانتقالي كممثل سياسي للقضية الجنوبية، غير أنه على غرار الحراك الجنوبي وجد الأبواب موصدة رغم استجابته لحوارات محدودة مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي ظل منذ استلامه الملف اليمني يؤكد على ضرورة معالجة القضية الجنوبية، لكنه بقي عاجزا عن فرضها على طاولة المشاورات سواء في جنيف أو ستوكهولم، مع أنه نجح في استعمالها لابتزاز طرفي النزاع، الشرعية والحوثيين، لدفعهما إلى الحوار بعد أن توافقا على إقصاء الجنوبيين من أي مشاورات سياسية.

 

رفض المجلس الانتقالي المشاركة في أي مشاورات سياسية كمراقب وأصرّ على التمثيل كطرف سياسي واصطدم بعقبات الشرعية والحوثيين وتردّد الأمم المتحدة التي فضلت إبعاد القضية الجنوبية من إجراءات بناء الثقة التي انعقدت وسط زخم دولي غير مسبوق، ودفعت طرفي النزاع إلى تقديم تنازلات لتمرير الأجندة الدولية الهادفة لوقف الحرب اليمنية، لا لإيجاد حلول سياسية لها بعد تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد الضغط العسكري على الحوثيين، ويلاحظ أن أداة الضغط كانت ألوية العمالقة المحسوبة على الجنوبيين والمدعومة من التحالف العربي.

 

الجنوبيون وجدوا أنفسهم خارج المعادلات بعد توافقات السويد ليس لأن المنهجية الأممية اقتضت تجزئة الحل، بل لأن الأطراف اليمنية توافقت على استبعاد القضية الجنوبية من الإطار التفاوضي في الجولة التالية التي ستناقش الحلول النهائية بما فيها الانتقال السياسي وتشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية التي سيوكل إليها استلام الأسلحة المتوسطة والثقيلة من كافة التشكيلات العسكرية بما في ذلك التشكيلات الأمنية والعسكرية الجنوبية، وهذا ما سيقود الجنوبيين إلى المربع الأول الذي سبق عام 2015 وسيضعهم في الزاوية.

 

المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ظل يمارس إصدار البيانات ويقدّم مصالح الإقليم العربي على مصالحه بات أمام توازنات مختلفة. فلم تعد البيانات صالحة للاستعمال ولم تعد قاعدته الجماهيرية تقبل بخلق الأعذار، وعلى المجلس الجنوبي أن يكون في مستوى المرحلة السياسية مهما كانت صعبة. الأسقف العالية التي رفعها الجنوبيون أمام لحظة اختبار لا تقبل أنصاف حلول كتلك التي اختارها المجلس الانتقالي في يناير 2018 على أبواب المعاشيق، فقد كانت فرصة مواتية لفرض الأمر الواقع وتحقيق الأهداف الجنوبية التي تراجعت آنذاك إكراما للسعوديين والإماراتيين وللعرب المخلصين.