صنعاء تشاور نفسها في السويد مصطحبةً رهائن جنوبية

2018-12-11 17:19
صنعاء تشاور نفسها في السويد مصطحبةً رهائن جنوبية
شبوه برس - خاص - أمستردام هولندا

 

سألني صديق اثخنت قدميه ساحات الحراك، وسقط عن يمينه وشماله أصدقاء مستشهدين على درب الحرية: كيف ترى المشهد مع استئناف المشاورات في السويد بلا تمثيل للطرف الجنوبي؟

 

فرددت عليه: بعد اطلاعي على أجندة مشاورات السويد، يبدو لي أن عدم المشاركة أولى من المشاركة على طاولة ليست طاولتك، وأجندة ليس من ضمنها تداول قضيتك. تماماً مثل المشاركة في ما سمي بالحوار الوطني، الذي لم يكن شعب الجنوب طرفاً فيه، فحاول هادي استمالة "البعض" الذي انسحب معظمه لاحقاً عندما تبين له المكر والفخ الجديد.

 

ليلتقِ طرفا الصراع على السلطة في صنعاء في أي مكان، فقد طالت الحرب، ولم يعد بالضحايا طاقة لتحمل المزيد من الحمق والدجل الذي مارساه بصلف قبيح، وليكن العالم كله راعياً لاتفاقاتهم مثلما رعى حوارهم والمرجعيات إياها التي هي مأزق للشرعية والتحالف والمجتمع الدولي. لكن ذاك أمر ينبغي التشجيع عليه والدفع به لإنهاء الحرب أو تخفيف الوطأة الإنسانية. لكن مهما يتفق أولئك فإن (مضوى العرجا للدار)، فقضية الجنوب وطناً واستقلالاً ليست من شأن أولئك منفردين، وإن ضمت قائمتيهما أسماء جنوبية لا تمثل إلا نفسها، وفي أحسن الأحوال، من ادرجها ضمن وفده.

 

مازال هناك جنوبيون للأسف (يتآمرون)، نعم يتآمرون على شعبهم ومستقبله، وأولهم مزيف الإرادة الأول عبدالهادي منصور عبده، وليس آخرهم من يتبرعون بتقديم مشاريع الحلول المنتقصة من إرادة الجنوب الشعبية، التي وصلت إلى أقصى العالم. وهم بذلك يتآمرون على مستقبل الشمال والمنطقة ، ويضللون العالم بجنوبيتهم، ولا يسهمون في صناعة السلام، لأنهم ممن يستثمرون جنوبيتهم بانتهازية هابطة، فقضية الجنوب ليست قضية المجلس الانتقالي مثلاً ولكنها قضية شعب تجاوز مرحلة القبول بأنصاف الحلول.

 

سيتشاورون، مرة، مرات، هنا وهناك، وسيعدل غريفيث جدول أعماله مرة بعد أخرى، لكنه لسوء حظه لن يجد من ينتحل تمثيل الجنوب، كما كان السابقون لحسن حظهم، وعندئذ سيوقن أن المهمة ليست سهلة، وأن من استطاع تحويل ثورة شباب فبراير 2011 في صنعاء إلى أزمة فرقاء يتصارعون على السلطة، عبر المبادرة الخليجية، لن يستطيع تحويل ثورة الجنوب الاستقلالية إلى أزمة صراع على السلطة، بأي حال من الأحوال، فهناك وضعان مختلفان، ليس هناك من سبيل إلى التعامل معهما كحالة واحدة، فهناك في وفد الحوثي رهائن سياسية جنوبية وجودها ديكوري، وهناك في وفد شرعية هادي أراجوزات لتزييف الإرادة الشعبية الجنوبية ولاءً لحزب شمالي المنشأ أو ارتزاقاً شخصياً له أشباهه ونظائره في تاريخ المشاورات والنزاعات، فهم يشاركون في مشاورات لا تعنيهم، متطفلين على طاولة الآخرين لا أكثر بصفة شاهد زور.

 

ما لم يعلن الجنوب ويثبت خروجه، سياسياً، من عباءة ما يسمى بالشرعية اليمنية، فلن يتعامل معه العالم إلا كجزء منها، يحمل عنها أوزارها، ولا يجني إلا الحصرم من ثمارها. وعندما تفشل - وهي فاشلة منذ أن كانت - في أي تفاوض مع الحوثي على اقتسام السلطة معه، فإنها ستزاحم الجنوب على قراره، وستعمل على تفكيكه و إضعافه موقفاً وقضيةً، باستمالة هذا بلقب فارغ، وزغللة عينَي ذاك بمنصب هش وأموال، واصطناع أزمة هنا ومشكلة هناك، فيما هي تنقاد صاغرة لمشاورات (بناء الثقة المستحيلة !!!) مع من اختطف دولتها كما يختطف قطّاع الطرق شاحنة بلا حراسة في طريق صحراوي!

 

إعلان البراءة عملياً من أي صلة بالشرعية اليمنية سيجعل الجنوب طرفاً يُحسب له حساب، فهو الأرض الوحيدة المحررة، لكنها الوحيدة أيضاً التي سلمت تحريرها لمن سلموا صنعاء للحوثي وفروا متخفين بعباءات سود، ثم هاهم يجيّرون ذلك لخدمة مشروعهم المضاد للمشروع السياسي الجنوبي المعلن الذي تستخدم شرعية هادي بعض وجوهه لغاياتها المضادة، ضمن استراتيجية تصفية "القضية الجنوبية" على اعتبار أنها حُلت في مؤتمر الحوار إياه.

 

على أنه لن يجني الجنوبيون من البقاء في منطقة الظل السياسي (مع شرعية هادي وضد الشرعية اليمنية!!!!)، أكثر مما يجنيه واقف أمام أكوام الرماد عند هبوب الرياح. فقط ستنتعش أوضاع مُحدثي السلطة من مستوزرين وموظفين لدى شرعية بلا أرض، و سينشط سوق متعهدي الورش واللقاءات التشاورية لدى المنظمات و مكتب غريفيث، و ستتحرك جوقة التضليل الإعلامي، لإنماء مصالح أولئك جميعاً باسم قضية شعب، بلا ادنى إحساس منهم بما قدمه وما زال يقدمه من تضحيات عظيمة، لم يتخيلوا أن سيجني ثمارها شرعيون يدنسون معاشيق في عدن وهم لا يجدون لهم خرم إبرة يأويهم في صنعاء التي لفظتهم، ثم يفاوضون من هو على أرضه هناك، وهم لا أرض تقلهم ولا سماء إلا ما تيسر لهم كضيوف غير مرغوب فيهم جنوباً، إكراماً للتحالف الذي يرى الآن عياناً وهم إعادته الشرعية إلى صنعاء كما هو فرية تاريخية بكل المقاييس، لا يصدقها إلا إعلامه المثير للغثيان، لفرط استمرائه الدجل وصناعة الوهم البارحي.

 

قال صديقي: وماذا عن بيان الانتقالي بشأن المشاورات؟

فقلت له: ليس أكثر من تأكيد المؤكد، لكن المجلس مطالب بالمبادرة إلى خطوة غير تقليدية، لأن من مصلحة الحوثي والشرعية اللعب على عامل الزمن، ولا موجب لبقاء الانتقالي في منطقة رد الفعل، فالعين الحمراء أجدى من ألف بيان، وشعب الجنوب بمستوى التحدي، وليس في أدبياته " أنت وشرعك يا تحالف"، فخطوة نوعية على الأرض، لكن مدروسة، سوف تمحو المسافة بين ستوكهولم وعدن.

*- د سعيد سالم الجريري – أكاديمي وسياسي حضرمي – هولندا