إخفاقات غريفيث : خطأ محدود، أم نهجاً أممياً مقصود ؟

2018-08-31 14:43

 

في يناير الماضي استبشر الشعب خيراً بقدوم السيد مارتن غريفيث كمبعوث جديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن؛ لما تضمنته سيرته الذاتية من تاريخ مليء بالخبرات في مجال قيادة الحوارات وفض النزاعات، علاوة على خلفية الرجل وإطلاعه الكبير بخصوص مسارات الصراع على الساحة اليمنية التي اكتسبها إبان رئاسته للمعهد الأوروبي للسلام، عبر قيادته لعددٍ من الحوارات ذات الصلة.

 

وبرغم ذلك التفائل، إلا إن خطواته وتصرفاته حتى الآن لا تحمل مؤشرات إيجابية، بل تدل على أنه ماضٍ نحو الفشل الذي مني به سلفيه(جمال بن عمر و اسماعيل ولد الشيخ أحمد، بل يخشى أن يؤسس دوره الحالي لتوسعة رقعة جغرافيا الصراع، لتتجاوز حدودها الراهنة وتشعل صراع إقليمي وربما دولي.

 

ولعل أبرز مؤشرات فشل مساعي المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث تتمثل في الآتي:

 

– عدم التعامل مع القضية الجنوبية بما تستحقه من اهتمام باعتبارها القضية الأساسية التي تستحق تصدر أولويات التفاوض، إذ تعاملوا معها كمسألة ثانوية في كافة مشاريع الحل الدولية السابقة بدءاً بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومروراً بمساعي الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن وحوار صنعاء، وانتهاءً بمفاوضات الكويت وجنيف.

 

ولذلك منيت جميع الحلول السابقة بالفشل؛ لأنها تجاهلت جوهر الصراع وأساسه ومصدر كل أزمات البلاد منذ عام 1994م وحتى اليوم، فيما أنها تعد معيار الحكم على نجاح أو فشل أي حلٍ سياسي للأزمة.

 

– الإصرار على التقيد بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة كمرجعيات أساسية للتفاوض، مما يعني فرض شروط للتفاوض وتحديد سقف الحل وطبيعته قبل بدء المفاوضات، وهو ما يفقد التفاوض جدواه طالما وهي مشروطة بشروط مسبقة وحلول مفصلة وجاهزة قبل الدخول بعملية التفاوض من أصلها.

 

كما إن تبني المجتمع الدولي لتلك المرجعيات وتأكيده عليها، يفقده صفة الحياد ويجعله منحازاً لطرف، بل يصبح شريكاً في الالتفاف على قضية شعب الجنوب ومطالبه التي عبرت عنها الإرادة الشعبية، وهو الأمر الذي يتناقض مع نصوص قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد جميعها بضرورة أن يكون الحل ملبياً لتطلعات الشعب.

 

– الإصرار على تمثيل الجنوب بشكلٍ مشوه وقاصر عبر توزيع مقاعد تمثيل الجنوب على قوى لا وجود حقيقي لها على الأرض، فلا يمكن للتفاوض أن يحقق أهدافه بسيطرة أو غلبة ثقافة أو مشروع على الثقافات والمشاريع الأخرى، ظناً منهم بأن وجهاً من وجوه الطرف الآخر سيمثل الأطراف كلها، عبر استنساخ قوى وهمية ومنحها حق تمثيل الآخرين، بالتحايل أو الاستقواء بسلطاتها.

 

ويتجلى ذلك، بوقوف قوى النفوذ الشمالي وأدواتها الجنوبية مجتمعة كحجر عثرة أمام حضور القضية الجنوبية كقضية محورية وتمثيلها بالمجلس الانتقالي كطرف أساسي في المفاوضات، مستغلين تساهل المجتمع الدولي وقبوله تمرير إملاءاتهم الرافضة لمطلب تمثيل القضية الجنوبية بقوى الجنوب الفاعلة على الأرض.

 

– افتقار أطراف التفاوض للجدية والمصداقية، وتسيد الذات، واستخدام لغة العنف والتهديد، وتهميش دور الآخر، وشيوع ثقافة التخوين والانتقاص من حقوق الآخرين.

 

– لا تزال مختلف قوى نظام صنعاء التقليدية بطرفيها الشرعي والانقلابي، تتعاطى مع الجنوب بثقافة الغزو والتكفير والإقصاء والتمييز العنصري والتهميش امتداداً لذات النهج الذي مورس تجاه الجنوب على مدى 27 عاماً.

 

– امتناع كافة الأطراف السياسية المتصارعة عن تقديم أي تنازلات لإنجاح التفاوض، لاجئة للاستقواء والإملاء وفرض الوصاية، فضلاً اتخاذهم التفاوض كتكتيك لإعادة استجماع قواهم، كي ينكثون بمخرجاته أو ينقلبون عليها، مما يجعل التفاوض مهدد بالفشل قبل أن يبدأ لعدم توافر الجدية.

 

وختاماً نؤكد على إن أي حلولاً أو معالجات يراد إحلالها لتسوية الأزمات اليمنية فإن نجاحها أو فشلها مرهونٌ باستيعاب أولويات القضايا ومحوريتها، انطلاقاً من فهم الأسباب لا الانشغال بتفاعلاتها، فمتى ما تم حل مسببات المشاكل والعلل أصبح من السهل السيطرة على تفاعلاتها.

 

وبالنظر إلى واقع الصراع في اليمن نجد إن خطأ الوحدة الارتجالية، وما لحقها من صراع واحتلال للجنوب عام 1994م هو السبب الأساسي لكل الأزمات اللاحقة، وبزوال ذلك السبب الذي تأسست عليه الصراعات في اليمن وحل القضية الجنوبية بما يرتضيه شعب الجنوب، سيصبح من السهل إزالة كافة التفاعلات والتداعيات الأخرى للأزمة.

 

#أنيس_الشرفي