جنيف.. خديعة تنتظر الجنوبيين لإخراجهم من العملية السياسية

2018-08-28 05:46
جنيف.. خديعة تنتظر الجنوبيين لإخراجهم من العملية السياسية
شبوه برس - متابعات - عدن

 

 في القتال الميداني الانتصار هو كل شيء، لكن في السياسة تطغى حسابات الربح والخسارة.

لقد وصلت مفاوضات الوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية إلى طريق مسدود، رحلات إلى سويسرا والكويت ومفاوضات عقيمة بين أطراف لا تريد الوصول إلى حل.. فكل أطراف الصراع في اليمن لا تريد وقف الحرب.

ومفاوضات جنيف القادمة في 6 سبتمبر، والتي تحولت - بحسب المبعوث الأممي جريفيثس نفسه- إلى مشاورات، لن تأتي بحل، ولكنها من الممكن أن تؤدي إلى إحراق أطراف بعينها وتؤدي إلى مفاوضات في المستقبل.

وإذا نظرنا إلى المشاورات القادمة في جنيف فهي بين الشرعية من جهة وبين الحوثيين من جهة أخرى، أي أن الشرعية أصبحت طرفا في المعادلة وليست صاحبة الحق، وأصبح «أنصار الله» طرفا مساويا للشرعية.

 

أي أن الشرعية التي تدعي تمثيل 27 مليون يمني ستكون على قدم المساواة مع الحوثيين الذين يمثلون 1.6 % من تعداد السكان أو 432 ألف نسمة.

والحقيقة أن الشرعية نفسها تستمد شرعيتها من اعتراف العالم فقط، فلا وجود للشرعية على الأرض، والحوثيون لن يستطيعوا فرض سيطرتهم على الأرض بشكل يمكنهم من الحكم حتى في صعدة نفسها، لكنهم يستطيعون الاستمرار في زعزعة الاستقرار وإشعال الحرائق إلى ما لا نهاية في شمال اليمن.

الجديد في هذه المشاورات المقررة في جنيف هو إضافة وفد للنساء ووفد للجنوبيين إلى هذا الخليط، في الوقت الذي انصرف فيه طرفا المشاورات الرئيسيان (الشرعية والحوثيون) إلى التقليل من فرص النجاح ولوم كل طرف للآخر على الفشل المتوقع لمفاوضات جنيف الجديدة.

 

السؤال اليوم هو لماذا تم ضم الجنوبيين إلى المشاورات؟

موظفو الأمم المتحدة يقولون إن دور الجنوبيين هو «تقني بحت» بحيث يقومون بالاعتراض على أي مقترحات ستقوّض مشاريع الجنوبيين المستقبلية.. فعلى سبيل المثال إذا ما تم الاتفاق على دستور انتقالي فيحق للجنوبيين الاعتراض على أي مواد تنتزع منهم حق تقرير المصير.

لكن في الوقت نفسه، الوفد الجنوبي المشارك سيكون تقسيمه بواقع مقعدين لكل مكون، وتم حصر المكونات في المجلس الانتقالي، مؤتمر حضرموت الجامع، المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى، الائتلاف الوطني التابع للشرعية، وحراك باعوم، وهذا الأخير تم ضمه لإرضاء طرف ضالع في تهريب السلاح للحوثيين ليس إلا.

 

إن مشاركة المجلس الانتقالي في هذة التركيبة وبهذا الشكل هي عملية تحجيم للانتقالي، فلن يستطيع ممثلوه فرض أي شيء على الرغم من أنهم هم أصحاب القوة الأكبر سياسيا وعسكرياً على الأرض.. كما أن الجلوس على قدم المساواة مع ممثلي الشرعية المطالبين بالحفاظ على الوحدة، وحراك باعوم الذي وافق وبارك غزو الحوثيين للجنوب، سيقوم بشرخ مناصري المجلس في الداخل.

 

والأخطر هو أن يقوم المتشاورون بطلب إلغاء أو تعديل على قرار مجلس الأمن رقم 2216، وهو ما يسعى إليه الحوثيون وأنصار النظام السابق والعاملون ضد الشرعية من داخل الشرعية.. حيث سيتم الإيقاع بالجنوبيين في جنيف واستخدام حضورهم كذريعة للتوافق اليمني على إلغاء القرار 2216 أو إصدار قرار جديد يلغيه، فلا معنى آخر لتواجد الجنوبيين في تلك المشاورات.

 

إن الغاء القرار 2216 هو مسعى شمالي تقوده أطراف الصراع لمنع الجنوبيين من المطالبة بمحكمة جرائم حرب لتحاكم كل من شارك في قتل المدنيين في الجنوب عامة وعدن خاصة. فبحسب مطلعين في صنعاء والرياض، فإن المجموعات السياسية تسعى إلى عفو عام شبيه بذلك العفو الذي فرضته المبادرة الخليجية والذي أدخل البلاد في حرب أهلية.

 

والسبيل الوحيد لذلك العفو هو أن تقوم القوى اليمنية بإقحام دول التحالف في محكمة جرائم الحرب عبر إلغاء القرار 2216 الذي يحمي دول التحالف العربي قانونياً من أي مساءلة قانونية مستقبلاً، بحيث يصبح موضوع العفو قضية إقليمية بدلاً من شأن يمني خالص.

 

وبالنظر إلى كل ذلك، فهل المجلس الانتقالي الجنوبي مستعد للمخاطرة بكل شيء مقابل مقعدين لاغير في مشاورات لا تحدد مستقبل الجنوب ولا ناقة له فيها ولا جمل.

 

إن التمثيل يجب أن يكون مساوياً للحجم على الأرض وما عدا ذلك فهو مقدمة لإخراج الانتقالي وآخرين من الواقع السياسي الموجود الآن، فممثلو الجنوب يجب أن يكونوا من حملة مشروع رؤية الجنوب وليس لهم ارتباطات بغير ذلك.

أما موضوع إنهاء الحرب والسلم في اليمن، فلا علاقة للجنوبيين به طالما وأن قضيتهم وهدفهم ليسا موضع نقاش.

 

على المجلس الانتقالي العمل بكل طاقاته وقواعده على مطالبة المجتمع الدولي بإنشاء محكمة جرائم حرب يساق إليها كل من شارك وساهم في قتل الجنوبيين وأعان على العبث بعدن والجنوب، وهذه المحكمة عينها من ستدفع بالقادة العسكريين وساسة الشمال وغيرهم من المتورطين في الجرائم إلى طلب انفصال الجنوب بأنفسهم مقابل العفو عنهم.

 

*- المراقب السياسي لـ صحيفة الأيام