النافذون في عدن.. السلطة والربح بأي ثمن!

2018-08-04 06:42
النافذون في عدن.. السلطة والربح بأي ثمن!
شبوه برس - خاص - عدن

 

ظاهرة النافذين أصبحت أمرا واقعا وفكرة سلبية مألوفة ومتينة في الوعي اليومي الجنوبي وخاصة في عدن، والنافذون هم أناس من مختلف المكونات الاجتماعية فيهم العاقل والبلطجي، ويمكن تقسيمهم إلى طبقتين اجتماعيتين مختلفتين، الأولى طبقة محترمة وذكية مكونة من رجال الأعمال المتعلمين، لديهم حس وطني متذبذب بعض الأحيان حسب ثقل المصلحة، يميلون إلى أن يشغلوا مناصب عالية في هياكل الدولة والتجارة في محاولة للتأثير على العمليات السياسية في المجتمع، حياتهم منعزلة ولا يظهرون ثرواتهم. أما الطبقة الثانية من النافذين، فهم رجال فساد من الدرجة الأولى يعيشون من الفوضى ومدفوعون بالسلطة والربح، بعضهم يعاني من انخفاض مستوى التعليم والثقافة، وثروته مكتسبة من تجارة الحروب والفوضى الكاملة واختلاس المال العام، أصحاب مشاريع ضيقة، يظهرون أسلوب حياة فاخرا يحبون التبذير والاستهلاك الظاهر، لديهم مشكلة في حب الوطن ويعانون من الأنانية وانخفاض أخلاقيات العمل، وإهمال التعليم والنجاح عندهم يقاس من خلال مقدار المال والرفاهية وعرضه للأعمال المغامرة والإجرامية، هذه الطبقة الاجتماعية لا تزال تتشكل في عدن وتشكل خطورة على النسيج الاجتماعي وعلى البنى التحتية للمدينة وبناء الدولة.

 

قبل الحرب الأخيرة كانت فئة النافذين تنتمي في الغالب لأحزاب وقبائل الهضبة المقدسة، اليوم وبعد ضعف دور نافذي الهضبة المقدسة، بسبب هزيمتهم وطردهم من الجنوب، لازال البعض منهم حاضرين في الجنوب ومدفوعين أيضا بالسلطة والربح، يلعبون الدور السلبي في الداخل، وهم مدعومون من بقايا أعضاء أحزاب الهضبة من الجنوبيين وبعض تجار الفوضى المدعومين من بعض العناصر المسلحة، وهو ما أثر سلباً على محافظات الجنوب كلها وأولها عدن، وأثار اشمئزاز وغضب أبناء عدن، كونهم لا يشبهون أي نوع من الأغنياء أو التجار المعروفين في الوسط التجاري، هم طبقة من أصحاب المشاريع المتوسطة والكبيرة واسعة النطاق تمارس الحماية بالابتزاز، تستخدم مقص التجارة والترهيب والترغيب للتلاعب بالنشاط الاقتصادي المحلي، هم من القلة ذات التوجه الإجرامي والمسئولين الفاسدين، يتعاملون بلغة القوة والسلاح والبلطجة، يعشقون البسط العشوائي، ولو على حساب تدمير البنى التحتية والمعالم التاريخية والحدائق والأندية الرياضية والأسواق العامة والمصانع وخطوط الصرف الصحي والطرقات الرئيسية والمقابر وأحواش المدارس والكليات ومقرات الكتاب والأدباء وروض الأطفال ومحميات طبيعية وأحواض الملح، حتى وإن أدى ذلك إلى إغراق المدينة في بحار من المجاري والقمامة والأمراض والأوبئة.

 

إن أول ظهور لمصطلح «النافذون» أو «النافذون الجدد» كان عبارة عن اتحاد من رجال الإعمال وقلة من الساسة والبلاطجة وعصابات الجريمة المنظمة في روسيا في فترة التسعينيات، وكانوا يسمونهم «الروس الجدد» (новые русские)، يشير هذا المصطلح إلى ممثلي الطبقة الاجتماعية الجديدة من النافذين الجدد البلاطجة في روسيا، وهي طبقة ظهرت في عهد حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسين حققت ثروة كبيرة في التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من نهب المال العام وتجارة الأسلحة والمخدرات على مستوى روسيا ورابطة الدول المستقلة، وقد تم وصفها بهذه التسمية لتميزها بالثراء السريع والفجائي الفاحش، عادة بوسائل مشكوك فيها أو غير قانونية انفرد فيها رؤوس اجتماعية كبيرة من الساسة ورجال مافيا لا يملكون مستوى عال من الذكاء والثقافة على الرغم من رفاهيتهم ومحاولتهم لاستخدام مفردات آداب الطبقات الاجتماعية العليا، وبعد وصول بوتين إلى السلطة قام بضبط إيقاع هذه الطبقة وأخضع الكثير من منتسبيها إلى المساءلة القانونية والمحاكمة وتم سجن بعض من الرؤوس الكبيرة، أمثال (جوسينسكي وخدروفسكي)، بينما فر الكثير منهم إلى خارج روسيا، هربا من المحاكمة والعقوبة، أشهرهم الملياردير (بيروزوفسكي) الذي فر إلى لندن بعد أن تحول من عامل مختبر في إحدى مدارس موسكو إلى ملياردير، ومات في لندن بسبب مرض الاكتئاب رغم ثرائه الفاحش، الذي لم يجلب له السعادة.

 

اليوم ظاهرة النافذين أو النافذين الجدد عربية بامتياز، ففي سوريا هم من الشبيحة والقادة العسكر المقربين من الرئيس الأسد وحاشيته، وفي العراق بعضهم من الجيش العراقي والمليشيا المتعددة الأسماء والتبعية وقلة من الساسة، وفي ليبيا هم مزيج من المليشيات ورجال الجيش وجنرالاته وبعض الساسة، أما في الدول العربية الأخرى التي لم تكتوِ بنيران سلبيات ثورات الربيع العربي ودباباته فالنافذون هناك هم بقايا رجال الساسة القدماء والجدد وجنرالات الاستخبارات والجيش بالطبع، أما في عدن اليوم فالنافذون هم في الأساس خليط غريب عجيب من العسكر والجهلة والساسة والمثقفين من فاقدي الوطنية والمسؤولية والثقة بالنفس، يأكلون الأخضر واليابس من أجل المال والسلطة، ينهبون كل شيء في طريقهم، وبطريقة قذرة ومفتوحة يحولون مشاكل الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنظافة والعملة المحلية والمشتقات النفطية والأمن إلى أوراق سياسية للتلاعب والضغط والاحتيال والنصب عيني عينك، وبالمناسبة إذا نظرت إلى النافذين الجدد ومشاكلهم في العراق وسوريا وليبيا والجنوب ستجد أن الشكل والسلوك في حالة تشابه كبير جدا فيما بينهم، وستجد كذلك أن معاناة الشعوب هي ذاتها واحدة، والخوف من المجهول والظلم يطحن المواطن بنفس التساوي والقدر والدرجة.

*- د مروان هائل عبدالمولى – الأيام