رؤية المستقبل.. جنوب فدرالي جديد

2018-07-19 14:04

 

طيلة فترة العقود الثلاثة الماضية من عمر الدولة الجنوبية كان النظام الإداري المركزي (الشديد) هو السائد والمتبع في تجربة الحكم والإدارة، أكان في المرحلة المدنية أو في مرحلة استيلاء الاشتراكيين على مصير البلد.. وقد كانت تلك المركزية من الشدة عبئا ثقيلا على حياة الجنوبيين في الفترة ما بين 1967 - 1990، مما أسفر عن ذلك تمزق لحمة المجتمع في الجنوب. ونظرا لفداحة التجربة السابقة ووجود تطلعات سياسية مشروعة بالحرية والديمقراطية ورفض الدكتاتورية والاستبداد، فقد أفضى ذلك إلى البحث لإقرار نظام فدرالي وفق رؤية سياسية لمستقبل الجنوب قدمها مؤخرا المجلس الانتقالي الجنوبي.

 

لذا يستدعي الأمر النظر إلى صيغة الفدرالية في الجنوب ونظرا لوجود إرث سيئ مع التجربة المركزية الشديدة ونتيجة أن ميلاد الدولة الجنوبية القادمة سوف يأتي في ظل مرحلة معضلات سياسية واجتماعية واقتصادية، وبالإمعان في التجارب الفدرالية في العالم نرى نماذج سياسية واضحة المعالم في دول منها الهند والتي تضم عددا كبيرا من القوميات واللغات والتقاليد والأديان والأنماط الاقتصادية، حيث إن تلك الفدرالية ساهمت في وحدة شبه هذه القارة وتماسكها.

 

بدوره يمثل النموذج الأمريكي الذي تأسس قبل (200) عام، وأثبت نجاحا ومرونة في التطوير، إذ يضم عشرات الولايات التي صهرت الكثير من الأعراق والثقافات ووحدة النمط الاقتصادي الرأسمالي، رغم كل التباينات التي يعيشها المجتمع الأمريكي الواسع والمتعدد. كذلك دولة الإمارات العربية المتحدة كان ميلادها مع اتحاد سبع إمارات خليجية في عام 1971، وفي حين أنه ليس هناك أدنى تباينات على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية بين القبائل في الإمارات العربية إلا أن الخيار السياسي لحكامها كان مع الفيدرالية، وقد نجح الاتحاد الإماراتي في جذب الانتباه لمنجزات غير مسبوقة قامت على أرضه، منجزات لم يستطع العرب تحقيقها رغم كل ما توفر لهم.

 

وليس ببعيد عنا النموذج الأثيوبي الفيدرالي الذي يبعد عن الجنوب كيلومترات، حيث استطاعت الفدرالية الخروج بالبلد من حالة التناقضات التي تعيشها مجتمعات الدولة الأثيوبية والتي مثلت الفيدرالية الأمل الوحيد لتماسك الجغرافيا الواسعة للدولة الأثيوبية، حيث هناك الصراعات القومية والرغبات في الانفصال وإرث الدولة المركزية تاريخيا، لذا تعتبر الفدرالية في حالة الدولة الأثيوبية المتعددة القوميات والعادات واللغات والتاريخ والأديان طوق نجاة من الغرق.

 

وانطلاقا مما تقدم من تجارب فدرالية يتضح عند التمعن انحسار الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في العالم واعتبار التنوع العرقي والجغرافي قيمة إيجابية في حياة المجتمعات ومصدر قوة وليس مصدر ضعف وتشتت، وتقلّص قيمة نظم الإدارة الرأسية (المركزية)، وتطوّر النظم الأفقية (الفدرالية) التي تدعمها ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتطوّرة دوما، ورغبة المجتمعات المحلية في داخل الدول القطرية في إدارة شؤونها المحلية بنفسها بطريقة أكثر عملية وأعلى مهنية.