حرب الموانئ العالمية.. الحديدة سلم واستلم

2018-07-15 09:52
حرب الموانئ العالمية.. الحديدة سلم واستلم
شبوه برس - متابعات - اليمن

 

شرعت جيبوتي منذ شهر فبراير الماضي في بناء أكبر منطقة تجارة حرة في أفريقيا بأيادي صينية في منطقة تشمل ميناء دوراليه المطل على البحر الأحمر، رغم الخلاف القائم مع مجموعة موانئ دبي العالمية التي هددت باتخاذ إجراءات قانونية ضد الصين المتبنية لمنطقة تجارية في جيبوتي في موقع يضم محطة حاويات متنازعا عليها بينها وبين حكومة جيبوتي.

 

لماذا لا نسمع عن البدء في إنشاء أكبر منطقة حرة في جنوب الجزيرة العربية بالقرب من ميناء عدن، فهذا الميناء عريق وموقعه إستراتيجي وذو سمعة عالمية، وبالنسبة للكثيرين من سكان عدن هو جزء من كل شخص ولد وسكن في عدن، ولا يمكن أن نتصور حياة الطفولة والشباب بدون ميناء عدن ومشاهدة السفن السياحية والتجارية ترسو والشاحنات الصاخبة، التي كانت تجعلك تتنفس بسرعة وأنت تنتظر ظهور السفينة القادمة في الأفق، فالميناء حينها كان ذا أهمية عالمية، حيث كان بالإمكان نقل البضائع إليه بكل أنواع سفن النقل مع وجود محطات نفط وحاويات ومجمعات للإنتاج وإعادة التحميل، ولكن اليوم ميناء عدن مهمل وخامل إلا من نشاط محدود، والتحالف ليس في نزاع مع أي طرف ثالث بشأن ميناء عدن انطلاقا من مفهوم اللعب مع الكبار سلم واستلم، ولهذا يتعاملون مع الميناء على طريقة السوفيت إبان العلاقة القوية مع الجنوب ومشاريعهم الاقتصادية البطيئة، التي أسماها الجنوبيون حينها بمشاريع «بابا لا تسرع»، ولما الإسراع وقد باعه الراحل صالح وأدخله في حالة موت سريري لم يفق منها حتى الآن رغم عودته للحكومة الشرعية، التي رئيسها ونصف وزرائها من بقايا رجال علي عبدالله صالح، ممن لا يفكرون في الجنوب ولا في مينائه الإستراتيجي العالمي ولا في عدالة قضية شعبه، فالمرحلة الانتقالية بالنسبة لهم هي مرحلة تعبئة الجيوب أولا وأخيرا، ومصالح الجنوب وشعبه هو آخر اهتماماتهم.

 

ميناء الحديدة رغم موقعه، الذي يقل أهمية عن ميناء عدن وهذا واضح للأعمى جغرافياً، إلا أنه في حالة انتعاش وحركة دائمة على مدار 24 ساعة، وحتى الآن في وقت الحرب والحصار لازال ميناء الحديدة محل أنظار العالم وأولهم الأمم المتحدة، والسبب في ذلك هو أن المخلوع الراحل عفاش عندما كان رئيسا للدولة وحاشيته تعاقدوا مع هوامير دولية وعلى مستوى بعض الأعضاء في الأمم المتحدة وخارجها على تشغيل ميناء الحديدة إلى أقصى ما يمكن والفائدة 50/50، لدرجة أن عفاش سمح للمشاركين الدوليين بنقل ودفن نفايات سامة من دول عدة في اليمن عبر ميناء الحديدة، وعبر هذا الميناء كانت تتم أكبر عمليات تهريب لصفقات السلاح والمخدرات والإليكترونيات ومواد البناء والأدوية والمواد الغذائية، ومن يشك في هكذا صفقات بين هوامير الأمم المتحدة ومن خارجها وبين الدول الفقيرة عليه العودة إلى صفقة النفط العراقي مقابل الغذاء والفضيحة التي رافقت الصفقة، وذلك عندما كشفت اعترافات مايكل سوسان وهو أحد الموظفين الرئيسيين في الأمم المتحدة آنذاك دور أميركا وتقاسمها مليارات العائدات مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومسئولين في الأمم المتحدة من ضمنهم ابن كوفي عنان ذاته و172 منظمة وشخصية عالمية من 56 دولة، ومعركة الحديدة هي صفقة عالمية بذات السيناريو العراقي، هي معركة سلم واستلم الميناء أو اتفاق بين ورثة صالح من الحوثيين وبين الهوامير الأممية وغير الأممية الدولية والمحلية القديمة، التي لا تعترف فيها دول التحالف العربي، وبين دول التحالف ومن يقف خلفها محليا ودوليا، وهذا الصراع تشارك فيه بعض رجالات الأمم المتحدة القديمة بكل ثقلها، لاستفادتها من عوائد ميناء الحديدة ومن صفقات المساعدات الغذائية، التي تقدر بملايين الدولارات لدرجة أنستهم مجازر النظام السوري في درعا والغوطة وحلب ومجازر الروهينجا وأفغانستان وصبوا جُل اهتمامهم على ميناء الحديدة وكيفية وقف تحرير ميناء مدني من أيادي مليشيات إجرامية كانت على ارتباط بنظام صالح تتدعي وراثتها منه البلاد والمصالح.

 

الحوثيون متمسكون بميناء الحديدة، والسبب أن جميع محافظات إقليم أزال، التي هم جزء منها، لا يوجد فيها أي منافذ بحرية، والحديدة أصبحت متنفسهم البحري الوحيد وتسليم المدينة والميناء يعني عودتهم إلى جبالهم وكهوفهم، وهم الآن يدركون أن أصحاب الأرض من أبناء تهامة يقاتلونهم حتى يتخلصوا وللأبد من حكم الهضبة المقدسة مهما كلفهم الأمر، وقتالهم مع إخوتهم في لواء العمالقة ما هو إلا قتال من أجل الكرامة واستعادة الأرض من جماعات قبلية من خارج محافظتهم، نهبت أراضيهم واستعبدتهم طول المائة عام.

 

نجح التحالف العربي في سياسة النفس الطويل حيال الحلول المقترحة لحل الأزمة اليمنية واستطاع بهذه السياسة إرهاق الأمم المتحدة وداعمي الحوثي في مجلسيها الأممي والأمني، وجعل هذه الأطراف تبدل المندوبين الأمميين الواحد تلو الآخر، ولكنهم في كل مرة كانوا يفشلون، بسبب تناقض مواقف الفصائل الحوثية المحاربة المختلفة.

 

مارتن جريفيثس أصبح الآن يدرك أنه الأخير في هذه المسرحية، التي انكشفت فصولها ولن تطول زياراته المكوكية إلى اليمن، لأن الحوثي أغلق كل أبواب السلام ولم يترك له ولمن يقف خلفه أي خيارات سوى الموافقة على البدء بعملية تحرير الحديدة وبالذات مينائها وتسليمه للقادمين الجدد من داخل وخارج اليمن، والعملية ربما لن تستغرق سوى زمن تصفية الألغام من طرق تقدم قوات العمالقة والتحالف.

 

كتب/ د. مروان هائل عبدالمولى – الأيام