ما بعد معركة الحديدة

2018-06-17 15:00

 

إجمالي ما استحوذت عليه المليشيات الحوثية من ميناء الحُديدة منذ استيلائهم عليه تجاوز مليار ومئتي مليون دولار بحسب تقرير خبراء الأمم المتحدة صادر في يناير 2018.

 

في يناير 2017، أطلق التحالف العربي عملية الرمح الذهبي التي كانت تهدف إلى استعادة الساحل الغربي بداية من باب المندب وحتى مدينة الحُديدة. وعلى امتداد المسافة التي قطعت فيها المقاومة الجنوبية والتهامية قبل أن تلتحق بهما قوات المقاومة الوطنية تحررت المخا والخوخة. ومنذ تلك المرحلة طالب التحالف العربي المجتمع الدولي، عبر مبادرة قدمت للمبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بأن تشرف الأمم المتحدة على ميناء الحُديدة لضمان وصول المساعدات الإنسانية بعد أن تعثرت كافة الجهود للتوصل إلى نقل مقرات المنظمات الدولية إلى ميناء عدن.

 

وفي نوفمبر 2017، كشفت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي عن أدلة مادية تثبت أن بقايا الصواريخ التي استهدفت فيها المملكة العربية السعودية في الرابع من نوفمبر صنعت في إيران.

 

وحددت الولايات المتحدة وخبراء الأمم المتحدة أن ميليشيات الحوثي حصلت على الصواريخ الباليستية إضافة إلى أسلحة أخرى من خلال تهريبها من ميناء الحُديدة. وطالب التحالف العربي مجددا بإعادة تقييم إجراءات التفتيش والمراقبة ووضع الميناء تحت إشراف محايد، ومع ذلك لم تتعاط الميليشيات الحوثية بإيجابية بل استمرت في سلوكها العدواني.

 

تستخدم الميليشيات الحوثية ميناء الحُديدة ورقة ابتزاز للمجتمع الدولي، ففي حين أن 70 بالمئة من المساعدات الإنسانية تصل إلى اليمن عبر الحُديدة إلا أنها تقوم باحتجاز السفن وتأخيرها ثم تنقل الشحنات الإغاثية إلى المناطق التي تسيطر عليها وتقوم ببيعها وبذلك تحصل على الملايين من الدولارات التي من خلالها تمول ما تطلق عليه المجهود الحربي إضافة إلى أنها تحصل على ما يقدر بثلاثين مليون دولار كإيرادات من ميناء الحُديدة.

 

وبحسب تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في يناير 2018 فإن إجمالي ما استحوذت عليه الميليشيات الحوثية من ميناء الحُديدة منذ استيلائها عليه تجاوز المليار ومئتي مليون دولار.

 

هذه الأرقام الضخمة وفرت للحوثيين تمويلا ماليا حقق هدفهم بإطالة الحرب وابتزاز المجتمع الدولي عبر تجويع وإفقار السكان الذين يقعون تحت سيطرتهم. حوالي 15 مليون إنسان استخدمهم الحوثيون بطريقة بشعة.

 

عرف اليمن في 2017 انتشارا واسعا لمرض الكوليرا بسبب تكدس النفايات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتفشى الوباء في كل محافظات الشمال اليمني وأجزاء من المحافظات الجنوبية المحررة. وتطلبت معالجة هذا الوباء حملة دولية أسهمت فيها السعودية والإمارات بشكل رئيسي.

 

ووفرت الأمصال والممرات الآمنة للفرق الطبية لمعالجة الوباء الذي فتك بالمئات من اليمنيين بينما استثمرته الميليشيات الحوثية عبر عدة منظمات دولية وغير دولية في الحصول على أموال كمساعدات إنسانية أيضا تم تسخيرها لإمداد قواتها في الجبهات العسكرية.

 

وفي حين أن استمرار هذه المعاناة المُكلفة كانت تستثمرها الميليشيات الحوثية ورقة تفاوضية منذ أول مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف 1 ثم جنيف 2 ووصولا إلى مشاورات الكويت، فإن ذلك يهدد فرصة إيجاد الحل السياسي للأزمة اليمنية مع بوادر إطلاق المبعوث الأممي مارتن غريفيث لخطة السلام خاصة مع الشروط التعجيزية التي أطلقتها ميليشيات الحوثي مما يؤكد استمرارها في نهج إطالة الحرب.

 

لا يغيب البعد الإقليمي عن معركة الحُديدة، فقد كشف الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في الثامن من مايو 2018، جانبا خطيرا عندما لوّحت إيران عبر مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي في إطار مناقشات تعديل الاتفاق النووي أنها تحدثت عن الورقة اليمنية على اعتبار أنها ستتنازل عنها في مقابل عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، مما يوحي بأنها تمتلك نفوذا سياسيا في اليمن من خلاله تحاول المقايضة السياسية، وهذه زاوية يجب أن تأخذ بعناية فائقة.

 

فقد التزمت المنظومة الخليجية ومنذ أن تقدمت بالمبادرة الخليجية في أبريل 2011 على رعاية الملف اليمني والحرص عليه بعدم الانزلاق إلى التدويل السياسي حتى أن تحالف دعم الشرعية في اليمن انطلق من هذه الرؤية الواضحة.

 

اليمن جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي وعلى هذا الاعتبار تعاطت السعودية ودول الخليج العربي مع الملف اليمني وتحملت كافة المسؤولية تجاه تبعات إعادة اليمن إلى محيطه العربي دون أن يتم تدويل الأزمة وإغراقها في أتون الصراعات الدولية، ولذلك كان من أولويات التحالف العربي تأمين خطوط الملاحة الدولية لما يترتب على ذلك من تبعات قد تكون سلبية في حال حدثت اختلالات في هذه الخطوط وهي واحدة من المهددات التي تستخدمها ميليشيات الحوثي عبر استهدافها للسفن في البحر الأحمر.

 

قطع الحبل السري الذي يُغذي الحوثيين لاستمرار حربهم المجنونة سيأتي بهم إلى طاولة المفاوضات شأنهم شأن بقية الأطراف اليمنية. ويتعين على الرئاسة اليمنية الشرعية أن تستوعب المرحلة السياسية وتبدأ باحتواء القوى الفاعلة التي أفرزتها مرحلة ما بعد عاصفة الحزم وتحديدا المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب المؤتمر الشعبي العام كأطراف لها كامل الحق في التمثيل السياسي على طاولة مفاوضات جامعة يمكن من خلالها إيجاد صيغ لحلول مستدامة لواحدة من أعقد الأزمات الدولية.