ذكريات مؤلمة من حرب الحوثي لعدن

2018-06-13 14:14
ذكريات مؤلمة من حرب الحوثي لعدن
شبوه برس - خاص - عدن

 

عاش أبناء العاصمة عدن كثيرا من الأحداث والمتغيرات، منها ما انقضت سريعا ومنها ما استمرت لفترة من الزمن وبيقت ذكرياتها المُرّة عالقة في أذهانهم، وسيتناقلونها جيلا بعد آخر، لفظاعة وبشاعة أحداثها التي اكتووا بنيرانها.

وفي مقدمة هذه الجرائم ما ارتكبته قوات الحوثي وصالح أثناء احتلالها لمدن العاصمة عدن ومحافظات جنوبية أخرى في شهر مارس 2015م.

 

حرب عدوانية استمرت لـ120 يومًا خلفت مآسي متعددة طالت الإنسان والأرض، سقط على إثرها آلاف الشهداء والجرحى، وهدمت المنشآت والمرافق الحكومية والخاصة والمنازل، وتسببت بالتشرد والنزوح الإجباري للمواطنين، وهناك قصف عشوائي، وتفخيخ وتلغيم للطرقات العامة والفرعية أدت لضحايا كثر بعد التحرير معظمهم مدنيون.

 

علي سعيد صالح (متقاعد) واحد من سكان مديرية صيرة ممّن اكتووا بنيران قوات الحوثي وصالح بالمديرية، لاسيما خلال أيام شهر رمضان الفضيل الذي بلغت المعاناة فيه ذروتها.

يقول صالح في سرده لـ«الأيام» عن معاناته: «غادر الكثير من جيران الحي بسبب عدم تحملهم الحر وانقطاع خدمة الكهرباء، فيما بقيت أنا ضمن بضعة أسر في منازلنا، واصلنا خلالها الليل بالنهار ونحن صائمون، ففي الصباح الباكر نصطف في طوابير بهدف الحصول على قطعة ثلج تروي عطشنا أثناء الفطور بعد يوم مليء بالمتاعب وشدة الحرارة الناتجة عن الصيف القائظ، وإذا تأخرنا عن الطابور نفطر على ماء غير بارد.

 

وفي وقت العصر يبدأ طابور آخر خاص بالروتي، للحصول على بضعة أقراص منه لسد جوعنا، وذلك أن الأفران كانت تبيع كمية محددة فقط بسبب نقص الدقيق وعدم توفره نتيجة الحصار الذي كانت تعيشه المدينة،

أما بالنسبة إلى الماء فقد كنا نقوم بجلبه في المساء وتحت جنح الظلام الدامس من الآبار في ظل مخاوف محدقة بنا من كل مكان، منها انتشار الكلاب المسعورة.

 

 وبعد كدٍ وتعب طول النهار والليل نخلد قليلاً للنوم على سقف المنزل نتيجة الحر، حتى في هذه السويعات القليلة لم نهنأ فيها بالنوم الذي عادة ما تكسر سكونه أصوات أزيز الطائرات الحربية ودوي الانفجارات الناتجة عن الصواريخ والقصف، وعلى هذا المنوال قضينا شهر الصيام في حرب 2015م، وإذ ما جاء راتبي أضطر للمخاطرة والذهاب لاستلامه من مصرف الكُريمي بمديرية الشيخ عثمان، ولأنه لم يفِ بالمصاريف اليومية أُجبرت على بيع ذهب زوجتي وبناتي لأتمكن من توفير متطلبات أسرتي خلال تلك الأيام القاسية في كل المجالات، وفي وسط هذه الأزمة المتفاقمة يوما بعد يوم كان كل ما أتمناه وأدعو الله أن يحققه هو تفريج الكربة التي نعيشها بتحقيق الانتصار على قوات الحوثي وصالح، وهو ما تحقق بفضل الله تعالى ثم بفضل أبناء المدينة الأبطال».

 

تشرد ومعاناة

وتسببت الحرب الغاشمة بتشريد وتهجير قصري لمئات الأسر إلى بعض المديرات الآمنة بالعاصمة، كمديريات: الشيخ عثمان، والمنصورة، والبريقة، فيما أُجبر آخرون على مغادرة المدينة لمحافظات أخرى، وفي مقدمتها محافظة حضرموت.

منى محمد، فتاة في العقد الثاني من العمر وواحدة ممن تجرعوا نيران النزوح من مدينة عدن بمعية أفراد أسرتها بعد أن تجاوزت معاناتهم حدها.

 

تقول منى في حديثها لـ«الأيام»: «عشتُ أصعب شهر رمضان في حياتي، بعد أن اضطررنا بسبب الأوضاع المأساوية للنزوح إلى مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، حيث سكنا فيها بفندق، وهناك عانينا الكثير، ولكن أبرزها ما حصل لي في إحدى ليالي رمضان، والذي بدأت أحداثه حينما تواصلت بي إحدى صديقاتي اللآتي نزحن للقاء بها بهدف تعريفي بالمدينة، وبينما نحن نجوب شوارع المكلا استأذنتني بالانتظار ريثما تذهب لإحضار شيء ما، غير أن الوقت كان يمر سريعا وبعد ساعة من الانتظار بدأ ينتابني خوف شديد.. فأنا غريبة في المدينة ولا أعرف عنها شيئا، بل لا أعرف مكان الفندق الذي أسكن فيه، وحينما بدأت الشوارع تخلو من المتسوقين حاولت أن أسأل الناس لعلهم يرشدونني لمكان الفندق ولكن لم أُفلح، وبعد وقت شاهدت شخصًا يرتدي الزي العدني ذهبت إليه مسرعة.. فسألته وأخبرته قصتي، فأجابني بأنه من عدن وأكد لي بأنه سيوصلني إلى حيث أسكن، وبينما نحن على ذلك اعترض طريقنا عنصران من القاعدة، وأخبراه بأنه لا يجوز له أخذي بدون محرم وأنهما من سيوصلاني لمكاني، إلا أنه رفض بشدة وأوصلني للفندق.. إنها معاناة وشعور مرير لا أستطع أن أصفه ولن أنساه ما حييت، كما أنه موقف علمني بأن لا أثق بشكل مطلق بأي أحد».

 

استشهاد وحيد الأسرة

وئام نجيب، صحفية من عدن، هي الأخرى ذاقت مرارة الحرب التي أفقدتها شقيقها الوحيد، وشردتها وأسرتها من منزلهم مرغمين.

 تقول: «مثّل شهر رمضان عام 2015م  أسوأ شهر في حياتي حيث فقدت فيه أخي إثر قذيفة سقطت على منزلنا أطلقتها قوات الحوثي وصالح، وما زاد من ألمي هو مغادرتي وأسرتي منزلنا مجبرين إلى صنعاء، حيث نشاهد بأم أعيننا من تسببوا بقتل شقيقي وشتتوا شملي وأخواتي اللآئي بقين مع أزواجهن في عدن وسط رحى الحرب المستعمرة».

 

وتضيف وهي تستعيد ذكرياتها المؤلمة «عانينا الكثير في صنعاء، فضلاً عن كوننا فيها غرباء، وكان أكثر ما يؤرقنا في بدء نزوحنا إليها هو كيف سنقضي أيامنا فيها ولا مصدر دخل لنا سواء راتب والدي.. ولكن، والحمد لله، استطعنا تجاوزها، فرب العباد لا ينسى أحدا.. كنتُ أتحرّق شوقًا للعودة إلى مدينتي، وما إن تحررت حتى أسرعنا بالعودة إليها.

*- تقرير : كيان علي شجون : الأيام