ما مستقبل الجنوب في حال هُزم الحوثيون عسكريا قبل بدء المفاوضات؟

2018-05-21 21:56
ما مستقبل الجنوب في حال هُزم الحوثيون عسكريا قبل بدء المفاوضات؟
شبوه برس - خاص - عدن

 

مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيثس غادر إلى نيويورك والتقى، أمس الأول، وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في إطار مساعيه وتحركاته لإيجاد (إطار مفاوضات) من المقرر الإعلان عنه منتصف يونيو القادم.

وشدد الطرفان على ضرورة الحل السياسي في اليمن، وعلى أهمية المفاوضات لوقف الحرب، غير أن العمليات العسكرية للتحالف العربي، جوا وبرا وبحرا، تزداد ضراوة في الساحل الغربي وفي صعدة ومناطق شمال الشمال وفي تخوم صنعاء، مع تنبؤات باندلاع معارك مفاجئة من داخل صنعاء بين جماعة الحوثي وبقايا المؤتمر التي أُجبرت على البقاء في كنف الحوثيين بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح..

 

هذه المعركة يبدو أنها بترتيبات أوعزها التحالف العربي لطارق صالح وبدأت تتشكل بتجميد حزب المؤتمر -بقيادة أبو راس- مشاركته في حكومة التوافق الوطني (حكومة الحوثيين)، وفي المقابل يكثف الحوثيون هجماتهم الصاروخية نحو المملكة وكذا عملياتهم العسكرية على الشريط الجنوبي للسعودية واستبسالهم في الحديدة والساحل الغربي والبيضاء وتعز.

مشهدان متناقضان تماما لخط سير الحرب والأزمة السياسية في اليمن، ففي حين تسعى الأمم المتحدة إلى حل سلمي يُبقِي الحوثيين جزءا من العملية السياسية ومشاركا في سلطة اليمن القادمة ترى دول التحالف العربي أن الحسم العسكري وهزيمة الحوثيين هو الحل الأمثل والوحيد لإعادة استقرار اليمن وإعادة التوزان بين القوى والأحزاب السياسية التي ستتقاسم الحكم، وهو، وفق مراقبين سياسيين، التوجه الأكثر جدية وبراجماتية لاستقرار اليمن واجتثاث مسببات تهديد الأمن القومي العربي.. لكن ما مستقبل مفاوضات جريفيثس وما مصيرها ومن هي أطرافها وما خطوط سيرها في حال حسم التحالف العربي الأمر عسكريا وهُزم الحوثيون وانهاروا قبل بدء تلك المفاوضات؟!

 

الجنوب في أجندة التحالف.. إستراتيجية أم تكتيك دون ضمانات؟

الإجابة على هذه التساؤلات تقتضي بالضرورة أن تعترف كل الأطراف اليمنية بما فيها حكومة الشرعية بأن هزيمة الحوثيين وطرف الانقلاب بشكل عام، بمن فيهم أقارب صالح الذين لم يعترفوا بالشرعية حتى الآن، وإخراجهم من المشهد كليا هو أولى الخطوات التي تمهد لحوار شامل يحدد طبيعة الوضع في الشمال ويؤطر لمستقبل العلاقة بين الشمال والجنوب، فبقاء الانقلاب أو أي من أطرافه كقوى مشاركة في أي تسوية سياسية هو بحد ذاته عرقلة لأي حل سياسي يرجى منه استعادة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها، وهذا ما يبدو أن دول التحالف العربي قد فطنته وهي الآن ماضية نحو هذه الاستراتيجية بتكتيكات عدة ومختلفة بينها التقدم والسيطرة على الأرض وإلهاء الحوثيين بالترتيبات للحوار ثم بالحوار ذاته.

 

محللون استراتيجيون ومهتمون بالشأن اليمني يشيرون إلى أن مصلحة القوى السياسية الجنوبية والمقاومة تكمن في هزيمة الانقلابيين الحوثيين والمؤتمريين والداعمين لهم وإخراجهم من العملية السياسية بفرض واقع جديد يمهد لحوار أممي دون هذه الأطراف، ويرجح هؤلاء أن التحالف ماض في العمل العسكري لإسقاط الحوثيين وبدء مفاوضات سيكون الجنوب فيها الطرف الأهم والصوت الأقوى والقضية التي ستتطلب فصلا أخيرا ينهي الصدام مع الشمال ويحسم العلاقة ويحدد وضعا سياسيا مغايرا لما قبل عاصفة الحزم.

 

إعادة إيعاز المهام القتالية لألوية العمالقة الجنوبية للتقدم نحو ميناء الحديدة واستعداد المقاومة الجنوبية للقتال في صعدة وصنعاء بعد فشل (حرّاس الجمهورية) في الساحل الغربي وعجز طارق صالح عن تحقيق أي تقدم حقيقي.. واحدة من التكتيكات التي يراهن عليها التحالف في كسر شوكة الحوثيين، غير أن هذا التكتيك قد يختل عند نقطة معينة وقد يشكل أزمة جديدة إن لم يحدد التحالف العربي طبيعة ذلك (التكتيك) وثمنه الذي سيقبضه الجنوبيون بالتعاطي مع مطالبهم بالاستقلال وإعادة الوضع إلى ماقبل العام 90م، وفقا لما يعتقده بعض المحللين العرب.

 

محلل سياسي قال لـ «الأيام»: «على الجنوبيين في المقاومة والمجلس الانتقالي أن يجعلوا من أنفسهم وقضيتهم استراتجية لدول التحالف وليس تكتيكا أو أداة تنفذ بها استراتيجات أخرى أو تضرب بها قوى سياسية أخرى فالجنوب ليس جماعة ولا طائفة، الجنوب شعب وقضية وأرض ذات بعد استراتيجي يفرض إرادة السكان فرضا لا استجداء».

إعادة إنتاج الحوثيين ونظام صالح في أي تسوية سياسية انتكاسة حقيقية للعاصفة وأهدافها

 

وأضاف: «السعودية تتعامل مع الجنوب والجنوبيين كتكتيك ودون ضمانات للتضحيات التي يقدمونها مع التحالف في جبهات الشمال بعد أن حرروا الجنوب، في حين نرى أن الإمارات تتعامل مع الجنوب كاستراتيجية وإن كانت غير معروفة الملامح إلا نها تدعم الجنوب ككيان سياسي (سلطة)، وكجيش ومقاومة وبنية تحتية، وهذا الأهم بالنسبة للجنوبيين ومطالبهم ببناء دولة مستقلة عن الشمال».

وتابع: «يبدو أن هناك تباينا بين دول التحالف بالنسبة لوضع الجنوب ومستقبله، وهذا يخدم إيران والحوثيين، لأن دولة سنية قوية في الجنوب تعني تأمين البحر العربي وباب المندب من مطامع إيران، وكذلك تأمين المنطقة من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وهذا ما لا يريده الحوثيون ولا تقبل الأطراف النافذة في الشمال وفي مقدمتها الإخوان المسلمون».

 

أي حل سياسي يعيد الحوثيين أو بقايا نظام صالح إلى الواجهة هو انتكاسة حقيقية للتحالف العربي ومخالفة لأهداف عاصفة الحزم، إذ يرى سياسيون يمنيون أن تسوية من هذا النوع هو انتصار فعلي للانقلاب وتجذير للفكر الحوثي في مفاصل السلطة اليمنية، فبعد أن ظهر أنصار الله كجماعة انقلابية متمردة وصلت حد الوصف بأنها إرهابية، دُفع بها في لحظة ما إلى سدة الحكم، وستكون هي الكفة الراجحة وذات النفوذ الأكبر في اليمن القادم، لما لها من ارتباطات إقليمية ودولية تستميت في دعمها وتسليحها لإبقائها كمركز قوى على غرار الحركات الطائفية من مثيلاتها في العراق وسوريا ولبنان.

 

تعزيز التحالف العربي شراكته مع المقاومة الجنوبية والقوى السياسية وفي مقدمتها المجلس الانتقالي هو الضامن لإبقاء موازين القوى داخل اليمن متكافئة، وهو ربما الطريق الوحيد لهزيمة الجماعة الحوثية ذات البعد الطائفي الذي يستهدف المملكة العربية السعودية وأمنها في المقام الأول، لذا لا بد للتحالف والسعودية تحديدا من إعادة النظر في طبيعة الشراكة مع الجنوب والتعامل مع القضية ببعد استراتيجي لا كتكتيك تستخدمه لتفيذ سياسات معينة في إطار الحفاظ على مصالحها وأمنها، بغير كذا يبدو أن عهد الحوثيين لن ينتهي وأن مرحلة ما بعد العاصفة ستكون أكثر تعقيدا وأشد وطأة على المنطقة برمتها.

تقرير / وهيب الحاجب