الجنوب وسياسة ‘‘انتحال القضية‘‘

2018-05-03 03:45

 

برغم ما أحرزته «القضية الجنوبية» من نجاحٍ عسكري في هذه الحرب اليمنية، إلا أنّـها تَـمُـرُّ بأخطر مراحلها على الجبهة السياسية، بالآونة الأخيرة. فإضافة إلى أن هذا النجاح العسكري لم يترجم إلى نجاح سياسي - بسب فيتو إقليمي وبطاقة حمراء داخلية- فإن الاستهداف بات يحيق بهذه القضية من كل الجهات، ليس فقط من الداخل بل من محيطها الإقليمي أيضاً، ويبدو أن هذا الاستهداف والتشويش على جوهر هذه القضية يزداد عند كل جهود تتحدث عن قرب مفاوضات وتسويات سياسية، وعند كل استحقاق سياسي.

 

في الآونة الأخيرة ومع تصاعد وتيرة جهود المبعوث الدولي لليمن مارتن جريفيت، الذي مُـنِع قبل أسابيع من زيارة الجنوب (عدن والمكلا)، والساعي الى إحياء عملية التفاوض، زادتْ تحركات سلطة «الشرعية» التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي ويهيمن عليها حزب «الإصلاح»، من مساعيها الضارة تجاه «القضية الجنوبية»، من خلال خطواتها لتشكيل كيانات جنوبية بمسميات مختلفة، يمكن أن تقدمها هذه «الشرعية» عند أول مفاوضات كممثلٍ عن القضية الجنوبية، أو كعامل تشويش على «القوى الجنوبية» الفاعلة بالساحة، ومنها «المجلس الانتقالي الجنوبي» والمجالس والقوى الجنوبية، التي لم تتمكن هذه «الشرعية» من تدجينها وتدجين قياداتها أو إفراغها من جوهرها الجنوبي التحرري.

 

ولنا في ما جرى من مهزلة وبيع وشراء أثناء فترة «الحوار الوطني» بصنعاء قبل هذه الحرب، وكيف استخدمت هذه السلطة ورقتَي المال والمناصب لشراء مواقف شخصيات جنوبية كانت ضمن طاقم «مؤتمر شعب الجنوب» بقيادة المناضل محمد علي أحمد، بعدما قرر «مؤتمر شعب الجنوب» الانسحاب من ذلك الحوار، على اثر ما تبدى له من فصول المؤامرة بشكلها الواضح، وبنتيجة هذا الانسحاب لم تجد السلطة غير أن تلوّح بجُزرةِ أموالها وقرارات التعيين بوجه شخصيات جنوبية فاقدة التأثير الجماهيري، سالَ لُعابها أمام هذه الإغراءات لتستخدم هذه السلطة «جنوبية» هذه الشخصيات كجسر عبور، تمرر من فوقه قرارات سياسية خطيرة تتصادم مع الإرادة الجنوبية تصادماَ صريحاً، ومثال على ذلك مشروع دولة الستة الأقاليم» المزعوم، الذي ما يزال يصر البعض على تنفيذه برغم كل المتغيرات الجارية اليوم على الأرض، وللأسف ما تزال بعض من تلك الشخصيات تؤدي ذات الدور الانتحالي وبذات الثمن البخس.

 

بعد أيام من تصريحات إيجابية للمبعوث الأممي الى اليمن جريفيت، تجاه «القضية الجنوبية» حين اشترط لنجاح أي مفاوضات يمنية إشراكاً حقيقياً للجنوب، شرعت هذه السلطة في استئناف أسلوبها القديم الجديد الهادف إلى تضليل المجتمع الدولي بشأن «قضية الجنوب»، فباشرت بتشكيل كيانات جنوبية افتراضية، كالكيان الذي تم تشكيله في الرياض مؤخراً خلسة على خلفية تصريحات جريفيت، ليقوم بهذه المهمة تحت مسمى «الإتلاف الوطني الجنوبي» تم تسريب خبره، ويتكون -بحسب التسريب- من أربعين شخصية جنوبية معظمها لا ناقة لها بـ«القضية الجنوبية» ولا جمل، وتصطف بالجهة المقابلة لها من الخصومة السياسية، بل هي جزء من صُنّاع مأساة الجنوب منذ عام الاحتلال 1994م، وبعضها قيادات حزبية تناصب الجنوب العداوة السياسية الصريحة، لا علاقة لها بـ«القضية الجنوبية» غير أنها تنتمي جغرافيا إلى الجنوب فقط!

 

صحيح أن هذه السلطة «الشرعية» لم تأتِ بجديد، وهي تكرر ذات الأساليب القديمة العقيمة وتعيد استخدام ذات الأدوات بتعاطيها مع «القضية الجنوبية» منذ عام 2007م وما قبل، وتعيد تدوير ذات الوجوه بالاسم والصفة، كأسلوب فساد سياسي تستجره منذ سنوات، وفق فلسفتها السياسية المخادعة والمضللة عند كل استحقاق سياسي.

 

هذه السلطة تعتمد على المال السياسي وتوزيع المكاسب والمناصب كوسيلة لها مفعول السحر عند الناس -في ظل ظروف معيشية صعبة- أو هكذا تعتقد هذه السلطة. نقول إنه من الصحيح أنّ هذه السلطة، كسلطة امتداد لسلطة 94م، لم تأت بجديد ولم تنجح بالسنين الماضية بأساليبها العقيمة هذه، لكن خطورة المرحلة المفصلية التي تمر بها «القضية الجنوبية» والمنطقة العربية ودخول لاعبين إقليميين ودوليين كُـثر الى الساحة اليمنية والجنوبية تحديدا، ومع تحول الجنوب إلى ميدان مفتوح لصراعات سياسية وفكرية متعددة، ومحل أطماع اقتصادية دولية وإقليمية ضمن الصراع الدولي المحموم بالمنطقة، سيكون لهذه المساع السلطوية تأثيرها الخطير، الذي قد ينجح إلى حدٍ ما في عمل تشويش لدى المجتمع الدولي والإقليمي على جوهر «القضية الجنوبية»، يصعب تداركه في ما بعد. فحين يوضع رأس الجنوب فوق مائدة الضباع السياسية المحلية والإقليمية، ولا تجد ذئباً جنوبياً يدافع عنه، أو حين تكثر الأطراف المدعية ويختلط فوق الطاولة خيط الحق الأبيض وبخيط الباطل الأَسوَد، سيكون حينها مستقبل «القضية الجنوبية» على المحك.

 

يضاعف من خطورة هذا الاستهداف، وجود العنصر الجنوبي على رأس هذه «الشرعية» برئاسة الجمهورية والحكومة والقيادات العسكرية والأمنية والاستخباراتية، فخلف جنوبية هؤلاء تُـنحرُ «القضية الجنوبية» من خلف الستار بخنجرٍ مسمومٍ نحراً ناعماً، تحت شعارات «لا أحد وصي على الجنوب- وكلنا جنوبيون-الرئيس ورئيس الحكومة جنوبيون- نحن مع الشرعية- نحن والتحالف شركاء، وغيرها من خناجر النحر الجنوبي الناعم».

 

أضف إلى ذلك التحدي، خطورة اتساع قُـطر دائرة شراء الذمم -قياساً بالسنين الماضية أيام حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح- واتساع دائرة الاستقطابات الجهوية والاصطفافات ذات البعد النفعي المادي الذاتي على حساب «القضية الجنوبية» وجوهرها التحرري، الذي تتخندق، أي الاستقطابات والاصطفافات جميعها، باسم الجنوب وباسم «القضية الجنوبية» ككلمة حق يُراد بها احتيال وتكسب لمنافع شخصية، لتستفيد بالأخير من كل هذا السقوط ومن تجارة «النخاسة» بأرض الجنوب ومستقبله أحزاب وقوى سياسية يمنية وإقليمية، ترى في جنوب موحد الصوت، تحت مظلة سياسية شاملة، خطراً على مكاسبها وأطماعها وعلى وجودها المستقبلي بالجنوب.

*- العربي