لهذا نقول: إنَّ عدن ليست مجرد محافظة

2018-04-29 10:14

 

يثار بين الحين والآخر موضوع «عدن للعدنيين» أو الحديث عن تشكيل كيان عدني محض، كالذي تم الحديث عنه مؤخرا كمحاكاة وردة فعل للاصطفاف الجهوي والمناطقي المقيت الذي يعصف بجزء كبير من العقل الجنوبي منذ فترة، وكتعبير عن حالة الشعور بالضيم والغبن اللذين لحقا بعدن وأهلها في العقود الماضية.

 

ولكن يظل اصطفاف من هذا النوع بالنسبة لعدن كحاضرة تاريخية وعاصمة سياسية وثقافية انصهرت فيها كل الثقافات والمشارب السياسية والحزبية، وتعايشت فيها الأديان بما فيها الوضعية، وكل المذاهب المختلفة بحكم ثقافتها المتسامحة وموقعها الجغرافي، ومينائها البحري المتميز، وكملتقى وقبلة كل الحضارات البشرية من مشرق الأرض ومغربها عبر العصور.. يظل اصطفافا ينال من حجم ومكانة عدن العظيمة، وينزلها من شامخٍ عالٍ إلى خفضٍ، ويسلخها عن تاريخها وثقافتها كعاصمة وكمدينة ومحافظة متميزة عن باقي المحافظات بالجنوب، ويساويها بمستوى وحجم أي محافظة جنوبية عادية.

 

فإن لم تستطع المحافظات الأخرى أن ترتقي إلى مستوى مكانة عدن من التنوع فلا ينبغي لعدن أن تنزل إلى ذات المستوى من التفكير القاصر وإلى الدرك الأسفل من الانغلاق، أو تهوي إلى مزالق البحث عن جينات الانتماء الجغرافي..

 

فعدن ليست مجرد محافظة كسائر المحافظات حتى تحذو حذو غيرها من المحافظات بسلوك معين، خصوصا حين يكون سلوكا ضيقا يقزم من شأنها و يحط من قدرها، وهي التي تشكل بجدارة نموذجا للتعايش بكل أنواع التعايش، فهذا مسجد المسلمين بجانب معبد زرادشتي فارس، وكنائس المسيح، ومقابر اليهودي، ومقرات الأحزاب والصحف والمطابع والمنتديات والدواوين جنب بعض.. وهي بالتالي أُم وقدوة المحافظات الأخرى وليس العكس، قدوتها التي تستلهم منها معاني الرقي والتحضر، وبوصلتها المرشدة، وتعلمها أصول القبول بالآخر المختلف كما كانت لعقود طويلة، ولا نعني فقط، بهذا الآخر، الآخر السياسي، بل الاجتماعي والجغرافي والفكري والديني والمذهبي، وتمقت كل السلوكيات والتصرفات المشينة التي تصدر من باقي المناطق والقوى والأفراد، ومن ذلك السلوك سلوك التمترس خلف المنطقة والفكر والمذهب، والنزوع الانعزالي الجهوي، الذي للأسف كشَّر عن أنيابه في السنين الأخيرة في وجه الجميع، حين صار الكل- تقريباً- يلوذ بكهف المحافظة ويعوذ بمغارة المنطقة، وصارت كل منطقة تأخذ لها مسميات ذات مدلول جغرافي ضيق، وهو الذي بالمناسبة- إن كان ثمة تفهم لنشوئه- قد أتى بعد الشعور باضمحلال دور الدولة وانكشاف ظهر المواطن بهذه المحافظات، وبالتالي الاحتماء بكهذا مظلات، وإن كانت مهترية، وتفهمنا للنوايا الطيبة والمقاصد الإنسانية عند كثير من أصحابها كقلوب نقية، وأيادٍ ندية، حين ينزّه ذلك من الانجرار الجغرافي، ويخلو من الميول والاستقواء الجهوي كوسيلة لمجابهة الآخر.

 

ولكن في الوقت الذي نريد لمدينة ومحافظة لعدن ألّا تعود القهقرى وتحشر نفسها في قفص الجهوية، كما تفعل شقيقاتها، فإن هذا لا يعني مصادرة حق ابن عدن بالاعتزاز بعدنيته والاعتداد بانتمائه وهويته، كما يعتز ويعتد باقي أبناء المحافظات الأخرى بانتماءاتهم وهوياتهم الجغرافية والقبلية.. ولا يعني القبول بمصادرة حقوق أبنائها في الوظائف والمناصب والمواقع المختلفة الأخرى.

 

كما نريد بالتوازي مع ذلك أن تظل عدن أكبر من محافظة بسلوكها وحجمها وتفكير أهلها، وألّا يقع أبناؤها في شَرَك التقليد السلبي البائس، الذي نمقته في محافظة هامشية، فكيف نقبل به بعدن الكبيرة؟! الكبيرة بمعانيها ومبانيها وطارفها وتليدها. فإن كانت عدن ستكون كما يُراد لها نسخة مشابهة من السلبية لما هو في غيرها من المحافظات، فبمن نلوذ ونحتمي ونقتدي؟ وبماذا ستتفاخر عدن وأهلها في قادم السنين والأيام؟

 

كما إنه في الوقت الذي نُؤيد فيه مقولة «عدن للمدنيين»، فإننا يجب أن نُقِرّ أن لابن عدن الأولية بالحقوق بمحافظتهم، الحقوق التي حرموا منها في العقود الماضية، حين اختلط حابل المناصب السيادية للدولة بنابل المناصب المحلية بمؤسسات ومرافق عدن كمحافظة لأبنائها حق وحقوق كغيرهم في باقي المحافظات، تلك المناصب والمواقع المحلية التي كان يفترض أن تظل من نصيب أبناء المحافظة شأنها في ذلك شأن المناصب والمواقع بمديريات باقي المحافظات الأخرى. كما يجب أن يظل حقها بالمواقع السيادية في الدولة مكفولا كباقي حقوق المحافظات، حتى لا يصير مسمى (عدن عاصمة للجميع) مبررا لمصادرة هذه الحقوق.