النكتة السياسية في اليمن

2018-04-15 13:05

 

عندما تطحن الحياة الشعوب وتشتد أوجاع الناس بسبب الحروب ويكتوون بنارها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى تصبح عصية على الفهم متقلبة كالطقس فتارة عاصفة وأخرى ممطرة و يكتسح طوفانها كل شيء أمامه ..

ينام الناس في بيوتهم ليلا..ويستيقظون صباحا على أزيز الرصاص ودوي المدافع ..يقفون حائرون وهم لا يعلمون هل سيساقون قسرا إلى ساحات الموت أم إلى أقبية السجون وغرف التعذيب؟؟!!

وعادة ما يلجأون إلى تأليف النكات والقصص الطريفة المضحكة لكي يخففوا من معاناتهم ولكي ينسوا أوجاعهم من بطش المعتقلات وغرف التعذيب ..فيصنعون النكتة التي تندرج ضمن إطار الأدب السردي ..وهي تعبر عن رد فعل المواطن لأعمال مرفوضة ..وسرعان ما يتداولها الناس شفاهة ..ويحكيها الظرفاء الذين يتمتعون بحس الفكاهة والدعابة اللاذعة !

 

ويعد الشعب المصري من أكثر الشعوب العربية لطفا وطرافة وخفة دم وذكاء لرواية النكتة اللاذعة ومعظم النكت مرتبطة بأهل الصعيد في مصر المعروفين بالبراءة والطيبة والنقاء عكس أهل المدن المعروفين بحدة الذكاء والاحتيال !!.

ومن الطرائف التي تروى عن اليمن أن الصحفي والكاتب المصري الساخر محمود السعدني الذي كان يكتب في مجلة (روز اليوسف ) المصرية قد سافر إلى اليمن عام 1966م والحرب مشتعلة بين الجمهوريين والملكيين وشاهد أنور السادات يقف بجوار سلم الطائرة منتظرا اكتمال نزول الركاب القادمين من القاهرة كي يصعد عائدا إلى مصر فسأل السادات السعدني :

-     أنت جاي تعمل إيه يا محمود ؟

-     أجابه السعدني : نشوف ايه اللي بيحصل هنا!!

فأجابه السادات فورا : مش حتفهم حاجة !!.. أنا بقالي شهر ما فهمت حاجة أبدا !!

وعندما مشى السعدني بضع خطوات على ارض مطار صنعاء كان السادات قد وصل باب الطائرة وفجأة صاح بأعلى صوته :  يامحموووود !!   

وأدار السعدني رأسه كي يسمع ماذا يريد السادات؟  الذي قال له : والنبي يا محمود .. لو فهمت حاجة من اللي بيحصل تبقى تفوت علي في مصر وتقول لي !!

 

ومن النكت الساخرة في عهد الرئيس السابق صالح انه كان ذات مرة في اجتماع هام مع كبار المسئولين في الحكومة اليمنية وفجأة اتصلت به زوجته وقالت : سمعت صوت يخوف في القصر وخفت أن يكون سارقا !! فرد عليها قائلا : لا تخافي ا لسرق كلهم موجودين عندي !!

والمتأمل للواقع اليمني أنه كلما اجتاحته عواصف الحياة لجأ إلى النكتة السياسية من خلال توالي الأزمات والمصائب .. وتتوالى عشرات النكت اللاذعة ومنها :

قال رجل في احد المجالس : أمانة إن الحوثي حلال المشاكل وانه حل مشكلة بيني وبين أخوتي لها عشرين سنة ؟؟  قالوا : كيف ؟ قال : كنا مختلفين على معاش أبونا من يوم موته ما ينزل المعاش إلا وعملنا مضرابة حناني طناني .. وهم قطعوا المعاش.. وحنا قطعنا المضرابة !!

 

ومما سبق يتضح لنا أن النكتة السياسية لم تكن مجرد فكاهة لتسلية الحكام في اليمن بل هي انتقادات لاذعة لنظام الحكم وحصر أخطاءه كذلك فهي تعبير عن نبض المواطن وتذمره من الحاكم !!

والأحوال السياسية في اليمن استعصت على الفهم حتى على رجال السياسة ودهاتها وكما قال صالح الصماد في خطابه الأخير صراحة و دون مواربة : نرسل لهم القات في مأرب والجوف ..ويرسلون لنا السلاح والذخيرة !!

 

الحرب الأهلية التي تجري اليوم في اليمن في ظل الانقسامات السياسية تؤكد المقولة العربية : ( ما أشبه الليلة بالبارحة ) والتاريخ يعيد نفسه فما يحصل اليوم هو تكرار لما سبق بين الجمهوريين والملكيين في الستينات من القرن الماضي .. عندما استمرت الحرب 7 سنوات وهو نفسه ما يجري اليوم بين الحوثيين والشرعية وان تبدلت العناوين واختلفت المفاهيم !!

 

وتستمر الحرب الضروس ولا يستفيد منها إلا تجار الحروب والعملاء والسماسرة ..ويثري الجبناء ويموت الشرفاء والأحرار ويهلك الحرث والنسل ويموت الناس في اليمن وهم يضحكون ويسخرون من كل شيء بل ويصرخون من الألم .!!