وحدة بالحرب أم انفصال بالسلم؟(٢)*

2018-02-16 15:05

 

نعود مرةً أخرى للتأكيد على أن مفهومي (الوحدة - الانفصال) لا علاقة لأي منهما بالخير والشر ولا بالجمال والقبح ولا بالفضيلة والرذيلة كما يحاول إعلام تحالف ٧/٧ أن يصور.

فكم من مجرم وقاتل ونصاب وقاطع طريق يدّعي الوحدوية ويمتلك الاستعداد لارتكاب أي معصية دفاعا عن (الوحدة) وأسطع مثال على ذلك عفاش الذي ما يزال كثير من الكتاب والمفكرين العرب ناهيك عن اليمنيين،  يقدمونه على إنه (صانع الوحدة) .

وكم من شريف ومناضل حقيقي منزه من كثير من عيوب السلطات المعروفة كالنصب والاحتيال والتعالي والنهب والفساد والتزوير وسواها آمن بأن ادعاء الوحدوية ليس الخيار الوحيد وما أكثر ثوار اوكتوبر الذين كفروا بوحدة ٧/٧ و فارق بعضهم الحياة وهو لا يملك منزلا ويعيش على راتب تقاعدي لا يكفيه لمصاريف اسبوع.

إن الوحدة مصلحة والانفصال مصلحة، فادعاء الدفاع عن الوحدة إنما يخفي وراءه الدفاع عن المصالح التي جناها هؤلاء المدعون تحت مظلة (الوحدة) ويكفي أن نعلم أن علي عبد الله صالح دخل دولة (الوحدة) عام 1990م ولم يكن احد يتحدث عن ثروته وربما لم يكن يمتلك ما مجموعه مائة الف دولار وخرج من السلطة (اخرج منها بالضبط) وما كشف من ثرواته ٦٣ مليار والله يعلم بما خفي.

تلك هي الوحدة التي ظل يتغنى بها علي عبد الله صالح وما يزال انصاره (وخصومه) من حلفاء ٧/٧ يتغنون بها، وهم يرفضون الانفصال لأنه يعني سد الحنفية التي يستدرون منها تلك المليارات.

وبالنسبة لملايين الجنوبيين فإن الانفصال يعني لهم الكرامة والعزة والحرية وتسخير الثروة لبناء مجتمع عادل جديد يقوم على المواطنة وتثبيت النظام والقانون والحياة المؤسسية وتوفير الخدمات الضرورية وغير ذلك مما فشلت دولة (الوحدة) في توفيره بل ودمرته من الوجود بعد أن كان الكثير منه في متناول الجميع، وذلك هو ما يجعلهم يتمسكون بالشعارات المؤدية إلى نهاية هذا الوضع المختل وتقرير مصير الجنوب وفقا للقانون الدولي المتعارف عليه في "حق الشعوب في تقرير مصيرها".

ما جعلني أثير هذه القضية هو نقاش دار بيني وبين بعض الزملاء الأعزاء من الأكاديميين والبرلمانيين من أبناء الشمال تجشم بعضهم شجاعة اتهامي بالميل إلى الانفصال في ما أكتبه من تناولات، فقلت له يا صديقي الحبيب هذه ليست تهمة وأنا لا أعبر عن آرائي بشكل مبطن أو خفي بل أعلنها علنا ويقرأها المئاتإن لم أقل الآلاف وربما مئات الآلاف،  بما في ذلك بعض  المتمسكين بـ(الوحدة).

لقد جربنا الوحدة السلمية فلم تصمد ثلاث سنوات، كانت خلالها عوامل الانفجار تتراكم، وما إن دخلت السنة الرابعة حتى حصل الانفجار قبل أن تكمل سنها الرابعة من العمر، وهو ما يعني أنه حتى  السنوات الأربع التي هي العمر الحقيقي (للوحدة السلمية التوافقية) قد كانت سنوات أزمات وتوتر وتحضير للحرب، أما ما بعد ذلك فيعلم الجميع أنها كانت وحدة بالحرب، أي بإكراه طرف من طرفيها للطرف الآخر وهي بذلك لا تختلف عن الاستعمار الفرنسي للجزائر أو لأي من البلدان الأفريقية، ولا يمكن مقارنتها بالاستعمار البريطاني لمستعمراته بما فيها جنوب اليمن، بكل ما للاستعمار من مساوئ وعيوب ومثالب ومآخذ لا تحصى، لكنه كان بالنسبة للجنوبيين كان  أرحم من الأشقاء القادمين بعد العام 1990م وعلى وجه الخصوص بعد 7/7/ 1994م، وتلك كانت الوحدة بالحرب التي رغم مرور ما يقارب ربع قرن على ما جرى لا استطاع المنتصر البرهان على إنه يستطيع إقامة دولة (عادلة أو حتى غير عادلة) ولا المهزوم قبل بالهزيمة واستطاع التكيف مع الوضع الجديد الذي مثل كابوسا مرعبا دفع خيرة الشباب ممن ولدوا ونموا بعد تلك الكارثة، وهم من كان يسميهم علي عبد الله صالح ب(جيل الوحدة)، إلى التضحية بحياتهم قربانا لاستعادة الماضي الجميل الذي لم يعشه الكثير منهم، لكنهم تعلموا أنه كان أجمل وأزهى وأروع مما جاء به الأشقاء الوافدون بعد 7/7م.

إننا نقف أمام خيارين علينا أن نوازن بينهما ونختار أيهما أجدى وأنفع للشعبين الشقيقين بعيدا عن عواطف الحب والكراهية وشعارات السياسة والأيديولوجيا، نحن نقف بين خياري الوحدة بالحرب أو الانفصال بالسلم والشعب الجنوبي هو من سيقرر أيهما، وهذا ما سنتوقف عنده في الحلقة القادمة بإذن الله.

______________

*   من صفحة الكاتب على فيس بوك