عن (الشحري) الجميل عبدالرحمن الملاحي

2017-11-02 13:18
عن (الشحري) الجميل عبدالرحمن الملاحي
شبوه برس - خاص - الشحر

 

أ. عبدالرحمن الملاحي عاش ليروي للأجيال فصولاً في الحياة والتراث والتاريخ والأدب، منذ أن اتخذ قراره بالاشتغال بالشأن الثقافي بعد رحلة ذات معانٍ قطع أشواطها معلماً ينشر النور في مناطق مختلفة من حضرموت، وتجربة في العمل الإداري والإنتاج الثقافي والمسرحي في عدن وحضرموت.

 

ولعلي لا أبالغ إن زعمت أن الملاحي وبامطرف والمحضار وسعيد عبدالنعيم هم أركان الشحر الأدبية والفنية الأربعة الأبرز في النصف الثاني من القرن العشرين، ولكل منهم شخصيته المتميزة إلا أنهم جميعاً يشتركون في صفة جامعة هي ما أسميه "الشحرية" التي إذا مس المرء منها جانب، تناسلت في يديه وشفتيه ومضات سرعان ما ينداح نورها، حتى يقول القائل إن لبامطرف مثلاً منهجه في كتابة التاريخ وتوثيقه أقرب إلى الإبداع الأدبي (الشهداء السبعة مثالاً)، وأن للمحضار فلسفته الشعبية في اقتناص شوارد اللهجات بين البوادي والحواضر فإذا هي تشكيل جديد جميل يسم الأغنية والقول المحضاري بما أسميه النص المحضاري الذي يفيض على الآخرين وينساب في أصولتهم نفَساً عميقاً منه، وأن لسعيد عبدالنعيم لفتاته وهنكه الخاص الذي يوازن بين شعبية الأداء الموازي للرقصة وإيقاعية الشعر المغنى، في ما أسميه نعيميات اللون الحضرمي في الغناء، وأن للملاحي فرادته في الاتجاه شرقاً يرود مناطق بكر لم تمسسها أيدي الباحثين والمشتغلين بالتراث المشقاصي خاصة، فهو رائد دراساته الأول، حتى لكأنه فطن بحس الباحث الناقد العاشق إلى أن مجاهيل تلك المنطقة هي التي تمنحه تميز المنقّب عن الخصوصية الضاربة في أعماق الهوية، تلك التي يغدو معها التأليف الأول مصدراً غير متكئ على مصادر مدونة أو مراجع متداولة ( الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص، ثعين والحموم) مثالاً.

الملاحي بالنسبة لي ليس باحثاً وأديباً فقط، ولكنه مثال في قيم عديدة، أولها البساطة والتواضع، والجدية، والصبر، والوطنية الحقة، وعدم الانفصام في الشخصية بين ما هو ثقافي وما هو اجتماعي، أو سياسي، فثمة مواءمة استطاع الملاحي أن يخلقها بين كل تلك الصفات، لنرى فيه صورة عبدالرحمن الملاحي الذي لا يواريه الغياب، ويلفنا بعده ألم وحزن شديدان.

ومما يشتعل في الذاكرة أول لقاء لي به أيام كنت في رئاسة جمعية اللغة العربية بكلية التربية بالمكلا في منتصف الثمانينيات، إذ دعوته لتقديم محاضرة ثقافية ضمن نشاط الجمعية، فأتى بمحبة ندية خصيصاً من الشحر إلى المكلا، وكان لمحاضرته صدى عام، وصدى خاص في نفسي، فلقد وجدتني أمام أستاذ في ما لا يتلقاه المرء على مقاعد الدرس في الجامعة. ويوازي اشتعال ذلك اللقاء في الذاكرة آخر لقاء به في بيته قبيل وفاته بليلة واحدة، وما بين ذينك اللقائين من حميميات ملاحية مبهجة رغم هذا الأسى الثقيل على النفس الذي تجدده الذكرى، كل عام، فتنكأ ما نحاول التربيت على كتفه من شجن يستولد شجناً مستولداً شجناً.

.

* في ذكراه، حيث يحضر كعادته.

د سعيد سالم الجريري