بمنطق السياسة كل شيء جائز !

2017-08-10 09:50

 

قاتل الله السياسة، أمرها غريب ومنطقها عجيب، وكل شيء فيها جائز ومسموح ولا شيء يقف أمامها ويمنعها من التحول والتلون، مساحتها لا متناهية ولا تعرف لها حدود وبحرها لا ساحل له، ولا توجد لها جهات أصلية ولا فرعية، طقسها دوما متقلب، درجة الحرارة فيها يمكن أن تكون مرتفعة وساخنة، وبلمح البصر يمكن أن تنخفض إلى ما دون الصفر، وحالة البحر فيها متقلب بين المد والجزر، والمسارات والأحداث وفقا لمنطقها تتغير تبعا لتغير الظرف والزمان، وقد تجتمع فيها كل الأضداد والمتناقضات على قاعدة واحدة.

 

ومن اجل معالجة وتسوية صراع قائم على الأرض بين أطراف متنازعة ولخلق أرضية مشتركة وتوازن مقبول يعيد الأمور إلى نصابها.. يلزم لذلك إيجاد صيغة توافقية معينة لتقريب الممكن ولربما غير الممكن.

 

في غمضة عين قد يتحول الجمود فيها إلى حالة من الذوبان، والتشدد إلى تراخي، والممنوع قد يصير مرغوبا، والثوابت قد تتحول إلى متغيرات، والأصول إلى فرعيات، والاساسي يصبح تكميليا ولا عجب ايضا من أن يتم العبث بالقواعد القانونية المحلية وحتى بقواعد القانون الدولي وتطويعها لتصبح نوع من أنواع المجاملات.. تضيع فيها الحقوق وتميع القضايا، ويتم الصفح عن القتلة والمجرمين وتجار الحروب وناهبي المال العام، بل وقد يعاد تسميتهم بالأبطال، وقد يتم التساهل بالأرواح والدماء.. كل ذلك يمكن توقعه من اجل تسوية سياسية من نوع ما.

 

في الحالة اليمنية كان الحديث عن شرعية ومتمردين، والتي من اجل ذلك قامت الحرب وسالت الدماء وأزهقت الأرواح، مخلفة وراءها كل ذلك الخراب والدمار والتي لا يكاد فيها بيت يمني إلا وطالته تلك الحرب القذرة ودفعت ضريبتها من القتلى والجرحى والمعاقين.

 

و(الشرعية) استحقت لنفسها تلك التسمية استنادا لمرجعيات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن وخصوصا القرار 2216 والذي تحدث صراحة عن طرفين احدهما شرعي وأخر متمرد وعليه الانصياع لطرف الشرعية, واليوم وبعد ان طال أمد الحرب فان الجهود والمساعي الدولية يبدو انه قد اصابها الفتور من هذا الحديث مهددة بذلك بنسف تلك المرجعيات تبعا لمصالحها ولا عجب من ايجاد خارطة طريق أممية جديدة تضفي الشرعية على الطرفين وان عليهما الاندماج والدخول بشراكة وطنية تؤسس لسلطة سياسية وتنفيذية لاحقة على الرغم من انعدام الثقة بين الطرفين بسبب تلك الحرب الظالمة وما خلفته من تراكمات وأحقاد وضغائن يصعب تجاوزها.

 

ومع ذلك ومن تحت ركام الدمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي والأخلاقي، ومن وسط الدخان المتصاعد والغبار المتطاير والأجواء المشبعة بالضبابية، ومن بين أشلاء الجثث.. يمكن أن يصبح كل ذلك خلف ظهور الساسة، ويمكن لكل ذلك الجفاء السياسي الذي بينهما أن يصبح في إطار التناغم الموسيقي والتمازج بالألوان، بل وقد يطلب من الطرف الذي ينسب لنفسه الشرعية والحق أن يتقاسمها مع الطرف الأخر والذي كان يتهمه بالأمس بالتمرد واللصوصية والباطل والخروج عن القانون، وتبعا لذلك قد يتوجب على طرفي النزاع تغيير المسميات التي كان يتراشق بها الطرفان أيضا.

 

من وجهة نظر (الشرعية) فالمخلوع سيصبح الزعيم والمتمردون الحوثيون يصبحون أنصار الله والمعتدون والغزاة سيصبحون حماة للوطن وان التمرد من قبلهم كان مجرد نزق وطيش سياسي، ومن وجهة نظر الطرف الاخر (العدوان) يصبح مجرد تأهيل وتدريب في اطار تبادل الخبرات، ولا عجب ايضا من ان الحرب برمتها يتم تصنيفها من قبل الاطراف كلها بانها كانت من باب التدريبات والمناورات العسكرية القتالية بالذخيرة الحية في اطار خطة عسكرية متوسطة المدى لرفع الجاهزية القتالية والدفاعية اليمنية بالتعاون والتنسيق مع الاشقاء العرب المشاركين في تلك المناورة ومن منطق السياسة كل ذلك جائز ومقبول ولا عجب في ذلك، فمنطق السياسة غير سياسة المنطق !!.