بدوي .. حالة اخرى

2016-05-03 01:32
بدوي .. حالة اخرى
شبوه برس - خاص - شبام وادي حضرموت

 

الغناء غذاء الروح ، ومرتع القلب ،تحنّ إليه النفس ،وتستجيب له المشاعر

حتى الطيور والبهائم ،تطرب الى الصوت الحسن والجميل

وما من احد الا ويرتاح قلبه وتهتز جوارحه وتصفو  نفسه بسماع الصوت الحسن.

 

الفنان الكبير المرحوم بدوي زبير فنان بحق ،مبدع بحق ،وكيف لايكون كذلك وقد ترعرع في ثنايا التراث الحضرمي الاصيل ،ونشأ في وادٍ تنبت في جنباته الاصالة والابداع، وتربّى تحت ظلال اول ناطحات سحاب شيدها الانسان من الطين واللبن ..

(شبام ) شيكاغو الصحراء منهاتن الوادي فهي مدينة التاريخ ،مدينة النعيم والتسامح الديني ،

 

أحب  بدوي زبير مدينة شبام  حباً صادقاً وتشبث بها كطفل تشبث بأمه بحنان ،أحب شبام لأنها بالنسبة له كل شي ،فهي مسقط الرأس ،ومرتع الصبوات ،وينبوع لكل ذكرياته الغاليه المرهفة ، المنمقة بالخير والجمال ، وقد لاابالغ ان قلت ان القدرة الحسية لدى الفنان المرحوم بدوي  زبير تعطي للبحار انين المتوجع

حيث كانت الأيدي تصفق له بحرارة ، وكانت خيالات من يسمعه  يغني تسافر مع نغمات أوتاره فتطوف بخياله في فضاء رحب  ممتلئ بنفحات الحب  والصبابة ،تربع الزبير على عرش الغناء الحضرمي الاصيل ، واقام حفلاته الفنية داخل الوطن وخارجه بدايةً من عام 1973م.

 

لقد اتقن الفنان المرحوم بدوي زبير جميع ألوان الغناء اليمني ،من  اللون  الصنعاني واللون ، اللحجي ،واللون العدني، كما تفنن في اداء الالوان الغنائية المشهورة في حضرموت ،كالدان والعوادي والبدوي وغيرها والى جانب موهبة بدوي زبير الفنية فقد كان يمتلك ذاكرة قوية تحفظ الالحان والكلمات من الوهلة الاولى،  كما كان شاعراً وملحناً يسير على نهج او منهج الشاعر الكبير المرحوم حسين ابوبكر المحضار ،فمن الحانه اغنية( مانسيناكم )وهي من كلمات الشاعر المرحوم محمد عمر بن طالب وايضا أغنية (سلام للحامي) وهي من كلمات الشاعر محمد عمر باعباد كما ان من اغانية المعروفة (لاملامه على من يحب لا ملامه )(ماباتحصل بديل) (ابن آدم يشوف العيب لي في صاحبه )(وداعاً ياسماوات المحبه وداعا)(وينك انته وينك لامتى تكذب علينا لا متى ) وغيرها الكثير من الالحان والقصائد الغنائية المغناة.

ان المرحوم بدوي زبير مغني الاجيال ولن يتكرر فهو يمثل حالة  منفردة كظاهرة عجيبة وغريبة،

وما أثار اندهاشي ...انه في كل عمل احبه وتولعت به انامله  او انشغل به تفكيره أتقنه سواءً اكانت حرفة ام صنعة ام موسيقى،

كما ان ابداعاته  لم تقتصر على الغناء والعزف وصياغة الكلمات وحياكة الالحان فقط بل تعددت وتنوعت  ابداعاته اكثر من ذلك فقد تحولت  تلك الإبداعات الى عصافير تغرد وتزغرد في الساحات والبيوت فمنحوتاته لاتزال تزين بعض المنازل التاريخية  بمدينة شبام   أضف الى ذلك انه ايقاعي مميز وراقص  متميز

...

كما أن الشاعر الكبير المرحوم حسين ابوبكر المحضار بحدسه العميق وبمنظاره القويم لاحظ مايتمتع به المرحوم بدوي  زبير من إمكانيات صوتية وقدرات لاتوجد في غيره ...فأرتبط به ارتباطاً فنياً وثيقا ..وشكل معه ثنائياً رائعا ...كيف لا!؟  وقد خاطب المحضار بدوي عندما قدم من حضرموت الى جدة بالمملكة العربية السعودية فأخذ المحضار يسأله عن حال أهل حضرموت ، حيث قال :

ايش أخبار لي من عندهم جيت يابدوي

عاد اصواتهم في الحيد موجب زمن تدوي

لي ليالي ولي أيام وانا ماسمعت الصوت

كل شي يقتبل إلّا  فراقش  يابلادي حضرموت

....

كما خاطب الشاعر الكبير الرحوم حسين ابوبكر المحضار ...  المرحوم / بدوي زبير

يحذره من تركه مسقط راسه مدينه شبام ...شبام ..التاريخ والحضارة والتراث.. ويحذره من الجلوس في الغربة بعيداً عن الاهل والخلان فهذا الحرص الشديد من شاعر كبير بفنان قدير يدل على عمق العلاقة بينهما فهي ليست علاقة فنية سطحية فقط او صحبه عابرة بل كانت علاقة (قلب ونبض) ...علاقة أخ بأخيه حيث خاطب المحضار بدوي قائلا له؛

..

حذاري تخدعك الاوهام

انا وانت الى قدام

طريق الخلف والله ماعرفناها

اين تكون اين تكون

اين تكون .......يالمضنون

وهذي الأرض ياماناس مثناها

يتلوّون ..يتلوّون يالمضنون

حذاري تخدعك الايام

تصوّر لك  قسم بشبام

شبام العالية كلين يهواها

في ذا الكون ..في ذا الكون يالمضنون

 

ان طموح الفنان  الكبيرالمرحوم بدوي زبير جعله يمارس الإبحار بعيداً دون الخوف من الامواج التي لاتخيف عادةً سوى اصحاب الاجنحة المكسورة والاقدام المرتعشة ليصل في اقرب وقت الى حيث ماوصل اليه الفنانون الكبار.

 

ان بدوي  يمثل أحد الجسور المهمة للأغنية التقليدية الحضرمية واليمنية بشكل عام

فصوته ذو مقومات فنية عالية ورائعة كما ان لصوته قدرة عجيبة على مخاطبة الوجدان والمشاعر فهو صوت ملئ بالشجن والعاطفة الجياشه فعند سماعه يهتز الفؤاد ويبكي...وتنهمر الدموع دون استئذان لما فعله صوت (بدوي) في الروح

كما ان الحديث عن المشاركات الفنية للمرحوم بدوي زبير يحتاج الى مجلدات وليس مجلد واحد منها اول مشاركة له جماهيرية بحضرموت الساحل بمدينة العشق والجمال (المكلا ) كانت مع افتتاح جسر المكلا عام 1973م كما ان اول تسجيلات للمرحوم بدوي زبير كانت بمنزل المرحوم حسن بن طالب

كما ان  المرحوم بدوي زبير قد شارك  عام 1982م  في مهرجان الفاتح في العاصمة الليبية (طرابلس) في جلسة يمانية حضرها رئيس المجمع اللغوي الموسيقي في الجامعة العربية شارك مع الفنانة/امل كعدل والفنانة/ فتحية الصغيرة ...

والفنان انور مبارك ، وابوبكر سكاريب وكان ختام هذه الجلسة (مسكا)عندما شدى المرحوم/ بدوي زبير برائعة الشاعر المرحوم/عبدالله محمد باحسن ...بأغنية يشوقني برق وفي نفس هذا العام وصل المرحوم بدوي زبير الى عدن وقدم عده نصوص لتسجيلها للاذاعة المركزية والتلفزيون وفعلا سجل ثلاث أغاني هي(ذا فصل ضاعت حمامه)(جاء السرور)

(سباني مهفهف)كما استغل البعض وجوده واقاموا الجلسات الفنية الاصيلة  كما ان له عده تسجيلات في اذاعة وتلفزيون صنعاء واذاعة عدن والمكلاء وسيئون ولازالت تحتفظ كلتي الااذاعات بالتسجيلات وغيرها الكثير من المشاركات داخل الوطن وخارجه والكثير من اللقاءات الصحفيه مع عده صحف منها (الايام)(الفنون)وغيرها الكثير ان مشاركات الفنان المرحوم بدوي زبير كثيره ومتنوعه داخل الوطن وخارجه وما هذه الاسطر المتواضعة الإ ومضة عن بعض مشاركاتة رحمه الله

 

وقد وجهت له دعوة خاصه  من المعهد العالي للموسيقى في ولاية نيويورك الأمريكية وكالعاده وعلى خشبة المسرح وبحضور حشد غفير قدم اجمل المعزوفات اليمنية والاغاني الحضرمية المشهوره كما سجل للتلفزيون الألماني عام 1992م ثلاث اغاني  واستضافته أذاعة مونت كار لو الأجنبية اثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية كماتلقى دعوات مماثلة من دول اوروبية كفرنسا وإيطاليا لإاحياء حفلات تحمل الصفات اليمنية الإ ان طائر الموت الاسود اختطفه في 18 نوفمبر يوم السبت

 

ان الفن اليمني فنا اصيلا غني بتراثه وأصالته وأيقاعاتة الفنية الجميلة.....ان الفنانيين الذين ظهروا مؤخرا في الساحة الفنية اليمنية قد استمدو الكثير من التراث الفني العريق فغنوا الأغاني التي سحرت الاجيال الماضية والحاضرة ...وستظل تسحر من الاجيال القادمة  فالفن اليمني فن متجدد

كما ان حماية فننا العريق يجب أن تتوفر وهذه مسؤولية الجهات الرسمية -وايضا التجمعات النقابية المختصة

وبالرغم ان هناك سطو على الأغنية الحضرمية على وجه الخصوص الإ انها أعمالنا ولن يستطيع أحد يأخذ منها نغمة واحده فنحن نرقب ونتابع أولئك الذين يحاولون أن ينسخوا أغانينا والحاننا

 

وقبل هذا وبعده

فقد عاش بدوي ...محبوبا ..ودودا ...متواضعا ..سمحا ...رحب الصدر ..حنونا يعطف على المحتاجين  ..يكرم البسطاءوالمساكين..حسن المعشر وفيا

واختم بماقاله الفنان الكبير ابوبكر سالم بلفقية عن المرحوم بدوي زبير  قال(لقد استمعت كثيرا لهذا الفنان واستمتعت بصوته وأدائه الجميل المتميز ،ولا أعتقد ان اليمن وحضرموت تحديدا ستعوض مثل هذا الفنان)

رحمه الله رحمة الابرار واسكنه الجنة دار القرار

اللهم امين

 

*- بقلم محمد مسعد باجيدة