بين تكتيكية اللحظة واستراتيجية المصالح : روسيا.. انسحاب تكتيكي وبقاء استراتيجي

2016-03-16 10:46
بين تكتيكية اللحظة واستراتيجية المصالح : روسيا.. انسحاب تكتيكي وبقاء استراتيجي
شبوه برس - متابعات - ابوظبي

 

إذا تجنّبنا التأويل الرغبوي لقرار موسكو المفاجئ بسحب القسم الأساسي من قواتها في سوريا، فإننا نحتاج لبعض الوقت لفهم أبعاد هذا القرار.

وبانتظار جلاء ما قد يبدو غامضاً، فإنه لا مفر من الالتفات إلى ما يقوله أصحاب القرار والشأن وأن نقرأ ما قاله الروس كاملاً من دون اجتزاء وانتقائية، سيما وأنهم تحدّثوا منذ البداية عن عملية محدودة، ولم يقولوا إنهم سيبقون في سوريا إلى الأبد.

 

ثمة عناصر محدّدة وردت في كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اجتماعه مع وزيري الدفاع والخارجية في بلاده وبعد مكالمته الهاتفية مع الرئيس السوري. بوتين قال إن عمل سلاح الجو الروسي حقق نقلة نوعية في مكافحة الإرهاب.

 

وقال أيضاً إن «المهمات التي كُلّفت بها القوات الروسية في سوريا تم إنجازها»، رابطاً بين المتحقق على الأرض والعملية التفاوضية المنطلقة للتو في جنيف، وهو ما عبّر عنه بالقول إن بدء سحب القوات الروسية من سوريا سيشكل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية، وهذا ما قرأه أيضاً مسؤولون غربيون وقادة في المعارضة راق لهم أن يربطوا بين القرار والحل السياسي.

 

رسائل وتأويلات

الكرملين كان أكثر وضوحاً في توجيه الرسائل وقطع الطريق على التأويلات، إذ قال إن «جميع ما خرج به اللقاء الثلاثي تم بالتنسيق مع الرئيس السوري بشار الأسد».

 

بلغة الأرقام تحدّث وزير الدفاع سيرغي شويغو عن أن من بين الاستهدافات لمواقع المسلّحين «قتل أكثر من ألفي إرهابي من أصول روسية» في سوريا، وأن القوات الحكومية السورية مدعومة بسلاح الجو الروسي تمكّنت منذ بدء العملية الروسية من استعادة 400 مدينة وقرية سورية، أي ما يزيد على 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضي البلاد كانت تحت سيطرة تنظيمي داعش والنصرة.

 

بلغة التحليل، وبعيداً عن الرغبات والأمنيات، يمكن الاستنتاج مبدئياً أنه من غير المنطقي تصوّر أنّ موسكو التي حشدت هذا المستوى من القوة المتعدّدة المهام، وهذا الكم من السلاح وما رافقه من صدام سياسي مع الغرب وتوتّر مع تركيا الأطلسية، يمكن أن تخطو إلى الوراء بمنطق التراجع الاستراتيجي أو رفع اليد عن ملف تعتبره مصيرياً لمصالحها وهو كذلك.

وبخاصة بعدما بات بحكم المؤكّد أن الغرب سلّم بالأمر الواقع وترك لها الإمساك بعنق هذا الملف المهم، والذي ضخّ الروس في قربته ثلاثة فيتوات في مجلس الأمن، كلّها جاءت بالتوأمة مع بكين.

 

مشهدية تكتيكية

الكثير من المحلّلين والمراقبين يقرأون ما حدث بمشهدية تكتيكية، ويجدون أنّ من الصعب أن تمثّل الخطوة الروسية انسحاباً سياسياً أو حتى عسكرياً بالمفهوم الشامل، سيما وأن كلّ ما قيل في بداية التدخّل العسكري الروسي من مقاربات استحضرت السابقة الأفغانية، لم يكن واقعياً.

 

إذ أن هذا التدخّل لم يسلك المنحنى البري، ولم تخسر موسكو في تدخّلها طوال ستة أشهر سوى عسكريين اثنين في حادثة إسقاط القاذفة بنيران تركية وعملية إنقاذ أحد الطيارين، في حين أن الكلفة المالية لم تكن خارج الحسابات المسبقة والمتوقّعة، وفقاً لما أعلن الكرملين.

 

بكلمة أخرى، لم يستجد في هذا الملف ما يجبر روسيا على تغيير استراتيجيتها.

لكن لا توجد طريق مستقيمة في فن إدارة الصراعات، وإلا سيتحول العمل السياسي إلى ممارسة اعتباطية وهروب للأمام. وفي غياب أية معطيات ملموسة بديلة، من المنطقي قبول تفسير الكرملين بأن العملية العسكرية «حقّقت المهمّة الأساسية» من حيث إضعاف مفاعيل الإرهاب وتعبيد الطريق نحو الحل السياسي.

 

سحب جزئي

ثمة شيء آخر لا بد من الإشارة إليه، وهو الجانب الآخر من القرار الذي يتحدث عن سحب جزئي، فما الذي سيبقى؟ موسكو تقول إنها من أجل مراقبة نظام وقف الأعمال القتالية ستحافظ على مركز تأمين تحليق الطيران في الأراضي السورية، كما أن بوتين حرص على القول إن قاعدتي طرطوس وحميميم ستواصلان العمل كما في السابق.

 

وستحظيان بنظام للحماية من البر والبحر والجو، وأعلن أن موسكو أنشأت نظاماً دقيقاً للدفاع الجوي في سوريا «لا مثيل له» عماده صواريخ إس 400، ما يعني أن هذه المنظومة المتطورة جداً ستبقى.

 

في هذه المرحلة، لا توجد قراءة واقعية أخرى لهذا التطور المفاجئ، باستثناء التكهّنات والتحليلات التأويلية التي تبقى مصداقيتها على محك التطورات القادمة، مع ملاحظة أن هذا القرار يلبي طلباً متكرّراً من جانب الغرب والمعارضة السورية، وهو ما يستوجب ثمناً مقابلاً ستظهر ماهيته على جبهتي القتال وجنيف.

 

1000

أعلن مسؤول في السلطة التشريعية الروسية إمكانية بقاء مجموعة من العسكريين الروس في سوريا.

 

وقال فيكتور أوزيروف، رئيس لجنة الدفاع والأمن في الغرفة العليا (مجلس الاتحاد) للبرلمان الروسي، لوكالة «سبوتنيك» الروسية: أظن أنه يمكن أن يبقى عدد من العسكريين الروس يصل إلى ألف شخص في سوريا بمن فيهم من يؤدون الخدمة في حميميم وطرطوس وأفراد من كتيبة خفر السواحل، وعدد من طائرات الاستطلاع.

 

 وأضاف إن روسيا ستستمر في تسديد التزاماتها بتوريد أسلحة ومعدات عسكرية للقوات المسلّحة السورية وتدريب خبرائها.

*- البيان الاماراتية